التصعيد السياسي حول الوضع القلق في إدلب يتوالى على ألسنة مسؤولين كبار في الإقليم وأوروبا والولايات المتحدة، ويبدو شديد اللهجة إلى حد اعتباره إعلان حرب.
يؤكد الإعلام الأميركي أن الرئيس السوري بشار الأسد أصدر أوامره باستخدام الكيماوي في قصف إدلب. وتعلن موسكو أن مجموعة من معتمري الخوذ البيض وصلت من تركيا لتصور ضحايا القصف بالكيماوي الذي ينسبه الروس إلى المعارضة المتطرفة لا إلى جيش الأسد. ويكرر جون بولتون كلام الرئيس دونالد ترامب عن استعداد عسكري أميركي للردّ على استخدام الكيماوي في معارك إدلب المتوقعة. ويبدو أن قوى كثيرة ترغب في خوض تلك المعارك، آخرها المانيا التي تنسق مستشارتها أنغيلا مركل مع الحلفاء مشاركة جيشها في الحرب. كأننا على عتبة حرب عالمية تخاض في المنطقة التي ولد فيها وعاش أبو العلاء المعري، الشاعر والمفكّر الذي نقلت مؤلفاته الى لغات العالم الحية، وقدم فيها رسائل انحياز إلى الإنسان مشككاً بالحماسات العاطفية العمياء التي تتسبب بقتل بشر وتحطيم عمرانهم بلا مسوّغ منطقي.
عضّ على الأصابع قبل حرب إدلب، بل هو عضّ للأصابع حتى إسالة الدم وتحطيم العظام.
حشود عسكرية روسية وسورية مع ميليشيات موالية لإيران، وحشود تركية على الحدود، وتعنت المسلحين المتطرفين حين يصمّون آذانهم عن نداءات أردوغان بتسليم السلاح الثقيل وترحيل الأجانب منهم إلى بلادهم أو إلى أي مكان يستقبلهم. وبذلك تضمن الإدارة التركية حلاً يقي إدلب ومنطقتها، بل البلاد المجاورة وأوروبا، نتائج القتل والهدم والنزوح إلى أماكن قريبة أو بعيدة.
ولكن، هناك من يعتبر الحرب أول الحلول لا آخرها، وليس النظام السوري وروسيا وحدهما في هذا الخيار بل هناك أيضاً قوى أجنبية، تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري، متحمسة لخوض الحرب تأكيداً لحصصها مادياً واستراتيجياً.
لكن المعركة، إذا حدثت، ستكون قاسية جداً على الروس وجيش الأسد كما على المعارضين المسلحين ومناصريهم في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة. ويقدّر العارفون بأن معركة معقدة مثل هذه ستستغرق ستة أشهر على الأقل، ولا أحد يتوقع لها نتائج محددة، فمنطقة إدلب حساسة لتركيا ولنظام دمشق ولقواعد الجيش الروسي في حميميم، كما أن نتائجها الكارثية ستمتد الى أوروبا، استناداً الى تهديد الرئيس التركي بتسهيل نزوح سكان منطقة إدلب غرباً، وعددهم حوالى ثلاثة ملايين، فيشكلون ضغطاً على الدول والمجتمعات الأوروبية لن تحتمله، خصوصاً مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الناتجة عن النزوح الأخير للسوريين وغيرهم إلى القارة العجوز. هنا قد تتطور حرب إدلب الى ما يشبه معركة أوروبية للدفاع عن أوروبا، تماماً عند حدود بحر إيجة، وما يحمل هذا التطور من صعود دراماتيكي لليمين المتشدد يهدد جوهر الديموقراطية في بلاد أطلقتها ونشرتها في العالم.
إدلب أمام احتمالين، الأسوأ والأخطر. ويرجح معارضون سوريون معتدلون الاحتمال الأول مستندين إلى العلاقة المتينة بين موسكو وأنقرة التي يحرص عليها الطرفان، فالروس لا ينسون تسهيل تركيا سيطرة النظام على حلب التي مهدت لسيطرته لاحقاً على الغوطة والجنوب السوري، والأتراك يقدرون لروسيا وقوفها معهم في أزمتهم الحالية مع الولايات المتحدة. لذلك يرجح المعارضون حصول حرب قاسية تؤدي إلى سيطرة النظام على جسر الشغور والغاب، ما يعني تأمين سلامة القواعد الروسية في حميميم وسلامة اللاذقية، قلب النظام. وما تبقى من ملف إدلب تتابعه أنقرة على طريقتها، مشددة في الوقت ذاته على حلّ شامل في شمال سورية ينهي إرهاب «النصرة» والإرهاب الذي تنسبه تركيا إلى المسلحين الأكراد، معاً وفي وقت واحد.