الزواج مع فارق السن.. “حلال” على الرجال “حرام” على النساء
عنب بلدي – حلا إبراهيم
تزوجت سمر، وهي في العقد السادس من عمرها، من خالد، الذي يصغرها بـ 20 عامًا، لكن عبارة “الله يخليلك ابنك”، التي قالتها سيدة زارتها وقصدت بها الزوج، كادت أن تقضي على العلاقة بينهما.
يقول المحامي معتز، الذي تحفّظ على اسمه الكامل، في حديث إلى عنب بلدي، “كنت وكيلًا للزوجة سمر منذ زواجها الأول، واعترضتُ على زواجها الثاني من شاب أصغر منها بكثير، ولا سيما أنها ثرية بينما زوجها لا يملك شيئًا، لكنها لم تستمع لكلامي وأصرت على الزواج، بحجة أنها أصبحت وحيدة بعد وفاة زوجها وسفر معظم أفراد عائلتها إلى الخارج”.
يعتبر زواج الرجل من فتاة أصغر منه سنًا أمرًا طبيعيًا ومرغوبًا في المجتمع العربي، بينما يعد ارتباط الشاب من امرأة تكبره في السن أو حتى في سن مقاربة له أمرًا غير مألوف، ويرجع ذلك إلى عادات ومفاهيم موروثة، مفادها أن المرأة يظهر عليها التقدم في السن قبل الرجل، إضافة إلى قدرتها على الإنجاب المحصورة بسن معينة.
المعراوي: زواج بنهاية متوقعة
ينطلق القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي، من مجموعة من المفاهيم المتوارثة، ويقرن بعضها بحوادث حصلت على أرض الواقع ولمسها شخصيًا بحكم عمله، ليعتبر في تصريحات لصحيفة “تشرين” الحكومية أن زواج الشباب ممن هنّ أكبر منهم سنًا هو زواج غير متكافئ، مضيفًا أن الغاية من الزواج هي الإنجاب وإنشاء أسرة يسودها الود والرحمة، ولا تتحقق هذه الغاية ما لم تتوافر في الزواج مقومات استمراره وأهمها الكفاءة والتناسب في السن، مشيرًا إلى أنه “لا شك في أن زواج الشاب ممن تكبره سنًا في الأغلب لا يكتب له الاستمرار لأنه زواج غير متكافئ”.
وأوضح المعراوي أنه لا توجد إحصائيات محددة لنسب الطلاق في هذا الزواج، ولكنه جزم من خلال الاطلاع على حالات الطلاق أن نسبه أعلى بكثير من نسبة الطلاق في بقية حالات الزواج.
ويؤيد المحامي معتز رأي المعراوي فيقول، “بعد العديد من المشاكل التي سببها فارق السن بين موكلتي سمر وزوجها خالد، قدمت إلى مكتبي لتثبيت عقد مخالعة رضائية بينها وبينه، وأخبرتني أنها لم تعد تحتمل نظرة المجتمع لها، على الرغم من كون زوجها محبًا ومخلصًا لها، لكن الأمر ليس بالسهولة التي توقعتها ففضلت الانفصال”.
نسبة هذا النوع من الزواج بالمحكمة الشرعية متدنية، حسب تقديرات القضاء الشرعي ونتيجة المتابعة اليومية للمعرواي، إذ يقدرها بـ 10%.
ومن أغرب هذه الحالات، بحسب المعراوي، معاملة زواج لشاب لم يتجاوز 22 من عمره من امرأة مطلقة تكبره بأكثر من 20 عامًا، ولديها أولاد أكبرهم يساويه في العمر، ولاحظ القاضي الشرعي أن الشاب بسيط وضعيف الشخصية خلافًا للمرأة، والغريب أنها أقنعته بمهر يزيد على مهر المثل بأكثر من عشرة أضعاف، وعند سؤاله عن مصلحته في هذا الزواج والدافع إليه أجاب بأنه “الحب”، وعند نصحه كان مصرًا على الارتباط بها والسيدة كانت أكثر إصرارًا منه، فكان لا بد من اشتراط المحكمة تخفيض المهر، وبعد اعتراض شديد من المرأة وافقت على تخفيض المهر إلى حدود مهر المثل أي 500 ألف ليرة.
ولم يمضِ شهر على العقد حتى حضر الزوجان إلى المحكمة لتسجيل دعوى تثبيت المخالعة الجارية بينهما.
استقرار أم مصلحة
يختلف حال “سمر” عن “ريم” التي تصغرها سنًا، فهي لم تتجاوز 48 من عمرها، ولديها عملها الخاص. تروي ريم تجربتها التي تصفها بـ ”المريرة” مع الزواج، مصرة أنها ارتكبت أكبر خطأ في حياتها عندما تزوجت بشاب أصغر منها سنًا، وأقل منها ثقافة ومركزًا، وتقول، “اضطررت للارتباط بشاب يصغرني بخمسة أعوام، بسبب ضغوطات المجتمع علي بعد أن تجاوزت الـ40، كان هذا الزواج هو المتاح أمامي، ورغم أنه أكد لي أنه مقتنع تمامًا بي إلا أنه تبين لي فيما بعد أن زواجه بي كان لمصلحة، وهي المال”.
تضيف ريم، “لا أنكر أنني أنا أيضًا كان لي مصلحة، لأسكت ألسنة الناس، التي لا ترحم الفتاة إن تأخرت بالارتباط، وتتهمها بسوء السمعة خاصة إن كانت تعمل”.
ويؤكد المستشار المعراوي لـ “تشرين” أنه في حالات الزواج من كبيرات بالسن، فإن “الزوج غالبًا يتخلى عن واجب القوامة للزوجة، ولا يتحمل مسؤولية إدارة الأسرة، ما يفقدها مقومات استمرارها، وينتهي الزواج حيث تنتهي المصلحة الدافعة له”.
علم الاجتماع لا يتفق مع تقديرات المعراوي
لكن علم الاجتماع يرى أن التفاهم بين الزوجين لا يرتبط بالضرورة بالسن، ويوضح نضال بكور، وهو اختصاصي في علم الاجتماع لعنب بلدي، “لا يمكننا قياس درجة نجاح الزواج بسن الزوجين، فهناك حالات كانت فيها الزوجة أكبر من زوجها بفارق كبير في السن وكان زواجهما ناجحًا”.
القياس لا ينطبق على تفكيرنا وواقعنا الحالي، فالوضع الاجتماعي الذي يعيشه السوري وضع مزرٍ جدًا نتيجة التغيرات الاجتماعية المرتبطة بالحروب وعدم الاستقرار، بحسب بكور، الذي يرى أن القضية يجب أن تناقش من ناحية إنسانية، فإذا كان هناك حب صادق فلا يعتقد أنه يحمل أثرًا سلبيًا، خاصة عندما يتزوج الشاب من امرأة تكبره سنًا.
وعلى الرغم من ذلك، يتعرض كلا الطرفين للمضايقات من المجتمع المحيط، بحسب بكور، فالشاب يلومه أهله باستمرار لأنهم يرون ولدهم أفضل رجل في العالم ويستحق دائمًا الأفضل، في حين تتعرض الفتاة إلى سخرية المجتمع أحيانًا واللوم أحيانًا أخرى، والاتهام بالتصابي واستغلال شاب أصغر منها سنًا.
وينصح بكور الزوجين اللذين يتعرضان لهذه المضايقات المجتمعية ألا يلتفتوا إلى كل هذه الانتقادات، وأن يركزا على حياتهما معًا، لضمان عدم فشل العلاقة.
هل يحق للقاضي الشرعي منع الزواج
يوضح المعراوي أن القانون أعطى الحق للقاضي ألا يأذن بالزواج إذا كان الخاطبان غير متناسبين سنًا، ولم يكن ثمة مصلحة في هذا الزواج، ومن الناحية العملية إذا رفض القاضي إعطاء الإذن، يتم اللجوء إلى عقد عرفي، ثم يتقدم الزوجان بطلب أو دعوى لتثبيت الزواج الذي أصبح أمرًا واقعًا لا يمكن تجاهله، وذلك لحفظ حقوق المرأة، ولا سيما إذا حصل حمل أو ولادة، وهذا لا يمنع من إيقاع العقوبة القانونية على العقد العرفي، حسب تعبيره.
وفيما يتعلق بصلاحية القاضي السماح بالقران أو منعه، يرى المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين الأحرار، أنه صحيح قانونًا، ويقول لعنب بلدي إن “المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية السوري منحت الصلاحية للقاضي الشرعي بعدم إتمام الزواج بين الخاطبين في حال كان هناك تفاوت في السن بينهما، أو لا يوجد مصلحة مقبولة في إبرام هذا الزواج”.
أما على مستوى رأي قرنفل الشخصي، فيعتقد أن هذا النوع من القوانين التي تعطي صلاحيات غير محدودة للقضاة، خاصة ما يتعلق بإدارة شؤون الشخص لعلاقاته وحياته وزواجه، هو نوع من الوصاية عليه واعتداء على حقه في ممارسة خياراته، وبالتالي تتجاوز مبدأ الحريات الذي صانه الدستور”.
ليس من حق القاضي إذا كان الزوجان بالغين راشدين أن يمنع زواجهما لوجود فارق في السن، يضيف قرنفل، مردفًا أن هذا رأيه الشخصي بوصفه رجل قانون، لكن القانون أعطى الصلاحية للقاضي “بكل أسف”.
ماذا لو عكسنا الصورة؟
يعتمد المعراوي في تصريحه عن أحقية القاضي بمنع زواج امرأة بشاب أصغر منها سنًا، على مراعاة شرط “الكفاءة” الذي ينص عليه قانون الأحوال الشخصية السوري كأحد شروط صحة العقد، وينضوي تحته الكفاءة في الوضع الاجتماعي، علمًا أنه في حال موافقة الولي على الزواج يلغى التقيد بشرط الكفاءة، وبالتالي يبقى مصير الفتاة، في حال عكسنا الصورة وتم عقد زواج فتاة على رجل أكبر منها سنًا، معلقًا بإرادة والدها، وليس بإرادتها الشخصية.
وتنتشر ظاهرة زواج فتيات قاصرات من رجال أكبر منهن سنًا في مخيمات اللجوء، وخاصة في لبنان والأردن، وذلك بسبب ارتفاع معدلاتها مع ظروف الحرب والنزاعات، والتفاوت في المستوى المعيشي والتفكك الأسري.
ففي نهاية عام 2017 نشر معهد “عصام فارس” للسياسات العامة والشؤون الدولية دراسة قال فيها إن 22% من السوريات في لبنان، بين عمر 15 و19 عامًا، متزوجات.
وبحسب دراسة أعدتها دائرة قاضي القضاة الأردنية، سجلت محافظة المفرق النسبة الأكبر بعدد حالات زواج القاصرات السوريات، حيث بلغت 299 حالة، تلتها العاصمة عمان بـ 263 حالة.
ونددت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بزواج الفتيات بسن مبكرة، مشيرة في تقرير أصدرته، عام 2017، إلى أن فتاة من كل سبع، بين عمر 15 و19، تتعرض للزواج القسري على مستوى العالم، في حين يصل العدد في الدول النامية إلى فتاة من كل ثلاث، تتزوج قبل بلوغها سن الـ 18.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :