تعا تفرج
من طرائف السجانين
خطيب بدلة
ثمة حكاية ظريفة ومعبرة سمعتُها ذات يوم من صديق خاض تجربة الاعتقال في أحد سجون حافظ الأسد، خلال مطلع الثمانينيات.. تقول الحكاية إن سجانًا حقيرًا كان يضرب معتقلًا حمويًا وَصَلَ توًا إلى مكان التعذيب في السجن، مستخدمًا يَدَه اليمنى، حتى كَلَّتْ، فنقل الكابل إلى اليسرى، وتابع الضرب، إلى أن تعبت اليسرى، فتوقف، وجلس لاهثًا، تاركًا المعتقل يتخبط في آلامه ورضوضه وسحجاته. وفجأة سأله: أنت شو بتشتغل ولاه حقير؟ فأعلمه أنه بياع فلافل. فضحك ضحكة مدوية وقال له:
– بياع فلافل وبدك تسقط السيد الرئيس؟ دخلك وإذا سقطته شو راح تستفيد؟ مفكر أنه راح يعينوك مكان الدكتور الكسم؟!
كان الدكتور عبد الرؤوف الكسم واحدًا من أزلام رفعت الأسد، ورفعت هو الذي قرر تعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء خلال تلك الأيام السوداء (1980)، واتصفت فترتُه بالمشاكل الاقتصادية، والتضخم المالي، وأزمات نقص المواد. وكان الناس يؤثرون سماع صوته من الراديو بدلًا من مشاهدته في التلفزيون، لأسباب تتعلق بنفورهم من قبح منظره، ولكن “الكسم” كان يظهر، بين الحين والآخر، ليشيد بإنجازات القيادة الحكيمة وعطاءاتها غير المحدودة للشعب، وأحيانًا يظهر خلال تدشين فندق جديد من فئة الـ “خمس نجمات”، ويخطب في الجماهير موضحًا أن الفنادق الفخمة ضرورية جدًا لحل المشاكل الاقتصادية الناجمة عن المؤامرة (الإمبريالية- الصهيونية- الرجعية) على القيادة التاريخية لهذا الشعب العظيم.
من البدهي القول إن بياع الفلافل المسكين لم يخطر له في يوم من الأيام أنه قادر على إسقاط الرجل الذي يسمونه “السيد الرئيس”، وليس من ضمن أحلامه أن يُعَيَّنَ مكان “الكسم”؛ ولكن عقلية نظام الأسد التي يمارسها السجان الحقير تدور حول فكرتين رئيسيتين، الأولى أنه ليس من حق عامة الناس الاقتراب من دائرة السلطة والشأن العام، والثانية أن الذين يشتغلون في السياسة مثل “الكسم” وغيره هم الذين يحق لهم التنافس على المناصب المتاحة في البلد، على أن يكون تثبيت الواحد منهم -أو عزله- متعلقًا بمقدار ولائه لرأس السلطة الفاشستية، ولحواشيه القذرة.
ومن الحكايات التي لا يمكن نسيانُها أن أحد السجانين كان مكلفًا بإهانة السجانين ذوي التوجه الإسلامي. وفي شهر رمضان، من ذات سنة، كان يضرب السجين الإسلامي ويسأله: أنت صايم؟ يقول: نعم. فيضربه أكثر ويوبخه محتجًا على صيامه، دواليك حتى وصل إلى سجين من حزب العمل الشيوعي، وسأله: أنت صايم ولاه كر؟ قال: لا والله. فضربه على نحو أشد عنفًا وهو يقول له: فاطر في رمضان؟ ولاه حيوان أنت ما بتخاف الله؟!
ولعل أجمل حكاياتهم تلك التي تحكي عن رجل اعتقل في مطلع سنة 2011، لاشتراكه في إحدى المظاهرات، وحينما خرج من المعتقل ذهب إلى فرع الأمن العسكري وحصل على ورقة “تسوية وضع”. وحينما اعتقله الأمن الجوي أبرز لهم الورقة فصاروا يضربونه أكثر، وفي كل حفلة تعذيب يسبون أمه وأم رئيس فرع الأمن العسكري الذي أعطاه هذه الورقة الحقيرة، وخلال السنتين اللتين أمضاهما في المعتقل كان يلقب بين السجانين بـ ”أبو التسوية”!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :