ضياء عودة | نور عبد النور | محمد حمص | رهام الأسعد
“لا ترجعوا”
لم تكن نصيحة اللواء في قوات الأسد عصام زهر الدين للاجئين السوريين بعدم العودة إلى سوريا دعوة عبثية، فقد مثلت مخططًا غير علني يعد له النظام السوري وأجهزته الأمنية، ويقوم ببثه بين السوريين وتنفيذه بشكل غير مباشر عن طريق جملة من القرارات والقوانين، التي تكاد أن تكون كفيلة بالتأكيد على مقولة “نصيحة من هالذقن لا ترجعوا”.
ومع مرور عام على تاريخ “النصحية” التي قدمها زهر الدين، وقتل إثرها في أيلول من 2017، استعادت قوات الأسد معظم المناطق الخارجة عن سيطرتها، انطلاقًا من الغوطة الشرقية، والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي، وصولًا إلى محافظتي درعا والقنيطرة، وبدأت الآلة الروسية بالترويج لعودة اللاجئين كركيزة أساسية للعمل السياسي الذي تسير فيه، والذي يتمثل باللجنة الدستورية المولودة من “سوتشي”.
التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في النظام السوري، دعمت الدعوات الروسية، إذ أكد وزير خارجية النظام، وليد المعلم، على ضرورة عودة اللاجئين السوريين، ووعد نائبه، فيصل المقداد، بأن الحكومة السورية “ستسهل عودتهم بكل السبل مع الأمم المتحدة، التي تصر كما نحن نصر على أن تكون العودة طوعية وتحفظ الكرامة للجميع”.
وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام، حسين مخلوف، وهو رئيس هيئة “التنسيق لعودة المهجرين السوريين في الخارج”، قال الشهر الماضي إن “عودة المهجرين السوريين إلى الوطن تشكل أولوية بالنسبة للحكومة، والأبواب مفتوحة أمام جميع أبناء سوريا للعودة الآمنة”.
لكن الواقع يقول عكس ذلك، فالإجراءات التي يقوم بها النظام السوري تعزز فكرة “المجتمع المتجانس”، التي تحدث عنها بشار الأسد مؤخرًا، بعيدًا عن المجتمع المهجر في الدول الإقليمية وأوروبا، والذي يضم أكثر من خمسة ملايين لاجئ بحسب مفوضية اللاجئين.
فإلى جانب المستوى المعيشي والاقتصادي المتردي في سوريا، يبدو الملف الأمني هو العائق الأكبر، إذ لا تبدو الحلول الروسية بشأن المطلوبين للفروع الأمن ناجعة، بدليل حملات الاعتقال بحق عشرات الشبان في المناطق التي خضعت لتسويات وباتت تحت حكم النظام السوري.
موافقة سفر.. الوظائف للمسرّحين
في الثاني من أيلول العام الحالي فرضت “إدارة الهجرة والجوازات” في سوريا على الشبان الراغبين بمغادرة البلد، الحصول على “موافقة سفر” من شعب التجنيد في المحافظات.
ونقلت صحيفة “الوطن” عن مصدر في “إدارة الهجرة والجوازات”، أن القرار صدر من وزارة الدفاع، ويقضي بالحصول على “موافقة سفر” من شعبة التجنيد لكل من يتراوح عمره بين 17 و42 عامًا عند مغادرة البلاد.
وبحسب المصدر، تم تطبيق القرار بشكل فوري من دون أي إعلان أو إنذار مسبق، ما أثار حالة من الإرباك على المراكز الحدودية وفي المطار، إذ لم يبلّغ المسافرون به قبل مدة محددة، وتم منع المئات من المغادرة، ما اضطرهم لخسارة حجوزات سفرهم والأموال التي دفعوها.
وأوضحت الصحيفة أن القرار يأتي تنفيذًا لمرسوم صدر عام 2007، لكن تطبيقه كان متفقًا عليه ما بين وزارتي الدفاع والداخلية، بحيث تطلب الموافقة عند إصدار جوازات السفر فقط، لكن تعليمات جديدة وصلت تقضي بالتنفيذ الحرفي لمادة واردة في المرسوم من دون مراعاة التفاهمات السابقة، و”التي كان الهدف منها تسهيل أمور المواطنين”.
لم تمض ساعات على قرار موافقة السفر حتى أدرج النظام شرط أداء خدمة العلم للأشخاص المتقدمين لوظائف في دوائره الحكومية.
وذكرت صحيفة الوطن أن رئاسة مجلس الوزراء طلبت من الجهات العامة العمل على إدراج شرط تأدية الخدمة الإلزامية المقررة والاحتياطية للمتقدمين الذكور، عند إعلان وزارات الدولة عن مسابقة أو اختبار لملء الشواغر أو عند التعاقد لديها، ومن جانب آخر يمكن للمتقدم أن يثبت أنه يؤدي الخدمة العسكرية، أو معفى منها أصولًا عند التقدم.
وأكدت الصحيفة أن رئيس مجلس الوزراء طلب من وزارات الدولة توجيه المعنيين فيها والجهات التابعة للوزارات لإدراج شرط تأدية الخدمة.
لم تعلن رئاسة الوزراء بشكل رسمي عن القرار حتى اليوم، والذي يعتبر حدثًا بارزًا ويؤثر بشكل سلبي على عدد كبير من خريجي الجامعات والمعاهد والأشخاص العاديين المتقدمين لوظائف في الدوائر الحكومية.
ويحرم قرار إدراج شرط الخدمة العسكرية للمتقدمين للوظائف جميع الشبان الذين بقوا في سوريا من الحصول على وظائف في الدوائر الحكومية، خاصةً خريجي الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية.
انقلاب على التسويات
رغم قرب انتهاء العمليات العسكرية على الأرض، لا تزال حملات التجنيد من قبل النظام مستمرة، وتستهدف بشكل أساسي الشبان في عمر الثامنة عشرة حتى عمر 42 عامًا، ولا يقتصر الأمر على المناطق الخاضعة بالأصل لسيطرته، بل امتد إلى المناطق المسيطر عليها حديثًا بموجب اتفاقيات المصالحة والتسوية التي أبرمتها مع فصائل المعارضة.
الغوطة الشرقية ومحافظة درعا وريف حمص الشمالي مناطق أساسية دخلت باتفاقيات تسوية مع النظام، تتضمن إعطاء مهلة ستة أشهر للمتخلفين عن الخدمة العسكرية والاحتياط للالتحاق بالقطع العسكرية، لكن البنود المتفق عليها كانت حبرًا على ورق، وبدأت عدة حملات طالت جميع الشبان الذين بقوا في مناطقهم وخرجوا إلى الشمال السوري.
في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، قالت مصادر أهلية فيها لعنب بلدي إن سيارة عسكرية من نوع زيل تقف بين الفترة والأخرى في شوارع المدينة وتبدأ بحملة اعتقالات “كيفية” من الشبان، وتبرر ذلك بنقلهم للعمل بـ “السخرة” من جهة، وللالتحاق بالخدمة العسكرية من جهة أخرى.
ويشابه الوضع في دوما الإجراءات التي يقوم بها النظام في محافظة درعا، والتي تشهد اعتقالات بحق الشبان، وتنحصر التهم الموجهة لهم من جانب النظام بالتعامل السابق مع تنظيم “الدولة الإسلامية” والتخلف عن أداء الخدمة العسكرية.
وفي ريف حمص الشمالي اعتقل النظام السوري شخصيات المصالحة، الذين كان لهم الدور الأبرز في إعادة سلطة قوات الأسد إلى المنطقة بموجب اتفاق رعته روسيا في أيار الماضي.
ونقل مراسل عنب بلدي بتاريخ 2 من أيلول الحالي، أن الاعتقال جاء بصورة مفاجئة، وطال كلًا من الشيخ عبد الرحمن الضحيك، والشيخ أحمد صويص، والشيخ ياسين صويص (كسوم)، وجهاد لطوف، وكانت الشخصيات المذكورة عملت سابقًا في المحاكم الشرعية لفصائل المعارضة، وبعضهم عملوا بمهمات استشارية لفصيل “جيش التوحيد”.
في 18 من آب الماضي، استدعى فرع “المخابرات الجوية” التابع للنظام السوري في مدينة حمص 23 منشقًا من الريف الشمالي، بعد إرسال تبليغات لهم عن طريق فصيل “جيش التوحيد”.
وقال مراسل عنب بلدي حينها إن المنشقين غالبيتهم من مدينة تلبيسة، وحولهم فرع “المخابرات الجوية” في حمص إلى الفرع 293 في مدينة دمشق، عقب قدومهم بعد البلاغ.
وإلى جانب ذلك، عمد النظام السوري إلى استقطاب شريحة كبيرة من شبان المنطقة للانضمام إلى صفوف قواته عن طريق “عقود تطويع”، وفي آخر الأخبار المتعلقة بهم، نقل المئات منهم إلى محيط محافظة إدلب للمشاركة في العملية العسكرية المرتقبة.
في ذات السياق، شهدت جميع المحافظات السورية في السنوات الماضية سحب عدد من موظفي الدولة والمعلمين لخدمة الاحتياط بالرغم من ارتفاع أعمارهم.
وكان مدير التجنيد العام في سوريا، اللواء سامي محلا، أرجع العام الماضي قضية سحب الشباب للاحتياط إلى “تعزيز القوات المسلحة بالقوى البشرية ممن هم في عمر 18-42 سنة، لتأمين مقومات الانتصار وأولها الرجال المكلفون بالالتحاق بها، لأن قوى الشر جمعت أكثر من 360 ألف مقاتل في سوريا”، بحسب تعبيره.
القانون “رقم 10”
من جملة الإجراءات التي عمل عليها النظام السوري مؤخرًا واندرجت ضمن الخطوات التي تقضي على آخر أمل للاجئين بالعودة إلى سوريا، القانون “رقم 10″، الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 2 من نيسان الماضي، وينص على “إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية”.
ويلزم القانون مالكي المنازل بتقديم ما يثبت ملكيتهم للعقارات في غضون 30 يومًا، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات وتصادرها الدولة، ويحق لها تمليكها لمن تراه مناسبًا.
القرار جاء في وقت هجر فيه أكثر من نصف السوريين من بيوتهم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، ما يعني أن الحكومة قد تستثمر غيابهم وفقدان أوراق ملكياتهم للاستحواذ على أملاكهم بطرق تعتبرها “قانونية”.
ويتخوف المواطنون من ألا تراعي آليات تنفيذ القانون ظروفهم، من حيث إخطارهم بالتنظيمات الجديدة، وقصر المدة المتاحة لتثبيت ملكياتهم، أو إمكانية ذلك أساسًا في ظل إدراج أسماء مئات الألوف منهم على قوائم المطلوبين للنظام السوري، وحرمانهم من تسيير المعاملات في مؤسسات الدولة.
وفي أيار العام الحالي حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية من أن تطبيق القانون “رقم 10″، سيؤدي إلى “الإخلاء القسري” للمواطنين غير القادرين على إثبات ملكيتهم.
وفي تقرير للمنظمة، نشر على الموقع الرسمي، اعتبرت فيه أن القانون يؤثر على حقوق الملكية ولا يقدم إجراءات محاكمة أو تعويضًا، ويصل حد “الإخلاء القسري” بحق المالكين، ومصادرة أملاك من لا يملكون حقوق ملكية معترفًا بها.
ووجدت المنظمة أن القانون لا يلاقي معايير العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتضمن “التشاور الحقيقي مع المتضررين، وإشعارًا كافيًا ومتوقعًا لجميع الأشخاص المتأثرين قبل الموعد المقرر للإخلاء”.
وذكرت المنظمة أن مدة 30 يومًا لا تتوافق مع الفترة المنصوص عليها في القانون، مشيرةً إلى أن عدم قدرة المعارضين على “تقديم مطالبهم يعني عدم حدوث تشاور حقيقي”.
كما اعتبرت أن القانون الجديد “يشكل عقبة كبيرة أمام عودة اللاجئين”، داعية حلفاء النظام السوري كإيران وروسيا، إلى تشجيع النظام على إلغاء مثل هذه القوانين الإشكالية.
ويوفر القانون، بحسب المنظمة، إطارًا رسميًا لإحالة ملكية الأراضي إلى النظام السوري، الذي يتمتع بسلطة منح عقود إعادة الإعمار والتطوير للشركات أو المستثمرين وتعويضهم على شكل حصص في المناطق التنظيمية.
ما خطة روسيا لإعادة اللاجئين؟
أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن خطة لإعادة اللاجئين السوريين في 18 من تموز الماضي، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ أن بدأت موجة اللجوء السوري عام 2011.
استهلت روسيا خطتها المذكورة بحشد تأييد دولي، حين تقدمت بطلبات إلى 45 دولة للحصول على بيانات وأرقام دقيقة عن اللاجئين السوريين المقيمين فيها، مشيرة إلى أن الأرقام الأولية التي حصلت عليها تتطابق مبدئيًا مع إحصائيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
بعد ذلك، أعلنت موسكو عن إنشائها مراكز إيواء واستقبال وتوزيع اللاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا، بالتعاون مع حكومة النظام السوري، وعددها 76 مركزًا تتسع لاستقبال ما يزيد على 336 ألف لاجئ سوري، يتوزعون على الشكل التالي: 73 ألفًا في محافظة ريف دمشق، و134 ألفًا في محافظة حلب، و64 ألفًا في حمص، وعشرة آلاف في حماة، و45 ألفًا في دير الزور، وتسعة آلاف في القلمون الشرقي.
وتتركز مهام مراكز الإيواء على مراقبة عودة اللاجئين من الدول الأجنبية إلى سوريا، وتقديم المساعدات اللازمة لهم، ثم فرزهم على مناطق إقامتهم الدائمة، وإبقاء الأشخاص الذين لا مأوى لهم في مراكز الإيواء.
وفي إطار التنسيق لتلك المراكز، أسست وزارة الدفاع الروسية مكتبًا في موسكو بالاشتراك مع وزارة خارجيتها، مهمته تنسيق عمل مراكز الإيواء وتنفيذ الفعاليات المخطط لها.
ولكن المساعي الروسية بشأن إعادة اللاجئين إلى بلدهم شكلت حالة من الغموض حول كونها أولوية إلى جانب إعادة الإعمار، إذ ربط النظام السوري وحليفته روسيا عودة اللاجئين السوريين بملفي إعادة الإعمار والعملية السياسية في المنطقة.
موسكو حملت على عاتقها أثقل ملف في الأزمة السورية، بعد أن حملت على كاهلها إدارة الملفين العسكري والسياسي في سوريا.
واستغلت روسيا كل مناسبة سياسية أو دولية لتسويق مشروعها على الساحة الدولية، وكذلك الأمر تفعله إيران في ضوء ما تقول عنه إنه سعي لإحلال السلام في المنطقة.
عقوق الروس..
لماذا يخالف النظام خطة حليفه؟
قد تمثل بعض الإجراءات والقرارات التي يعمل عليها النظام السوري داخل الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرته، عقبة في وجه الخطوات الروسية التي تتبعها في عمليتها المزدوجة والمتمثلة بإعادة اللاجئين السوريين وإعادة إعمار المنطقة.
وعلى الرغم من الجهود الروسية بالملف والتسويق له بشكل كبير وواضح، تأتي الكثير من القرارات الجديدة التي أصدرها النظام مؤخرًا بعكس ما تشتهي السفن الروسية، لا سيما ملف الخدمة الإلزامية على اعتباره الشبح الأكبر الذي يلاحق الشباب السوريين ما يدفعهم للسفر إلى الخارج.
أغلق النظام السوري آخر الأبواب بوجه الشباب الراغبين بالبقاء في سوريا بعد قرار إلغاء الدورة الإضافية للطلاب الجامعيين باستثناء السنة الرابعة ما شكل دافعًا جديدًا لمغادرة الشباب وهجرتهم إلى الخارج، لكنه ألحقه بقرار يمنعهم من الخروج.
ومن خلال هذه الخطوات والقرارات إلى جانب عدم وجود ضمانات واضحة من روسيا في دعوتها، قد تدفع الكثير من اللاجئين للتفكير مليًا فيما إذا كان خيار العودة صائبًا أم لا.
ويرى عضو “منصة القاهرة”، فراس الخالدي، في تصريحه لعنب بلدي، أن اللاجئين الملاحقين أمنيًا من قبل النظام السوري لن يثقوا بالخطة الروسية التي لم تقدم لهم الضمانات الكافية، والتي قد يتحولون بموجبها من لاجئين إنسانيين إلى لاجئين سياسيين.
ويقول، “ليست هناك أي ضمانات دولية لهم أو حتى مشروع إعانات أممي يعينهم على البقاء”، مضيفًا “مع فقدان كل هذه الضمانات ووجود الميليشيات الإيرانية الإرهابية، يبقى الأمر خطرًا ومن الصعب أن يعود إلى سوريا حتى المجبر على ذلك”.
في المصلحة الإيرانية
على الرغم من المشاركة الإيرانية السياسية في التسويق للخطة الروسية، إلا أن لها مصلحة كبيرة في عدم عودة الكثير من اللاجئين “غير المروضين” بما يناسب السياسة الإيرانية داخل سوريا، وفق ما يرى الصحفي المعارض، وائل الخالدي.
ويضيف الخالدي في تصريحه لعنب بلدي، أن “تصرفات النظام السوري بدأت، منذ قرار بوتين بإدخال المساعدات إلى الغوطة العام الماضي ورفض إيران ذلك”.
ويرى الخالدي أن “إيران تسيطر على القرار الإداري في دمشق، بينما تسيطر روسيا على ما يسمى بالشرعية وتعني بها رأس السلطة بشار الأسد”.
وتسعى إيران من خلال بعض القرارات التي يتخذها النظام لمواجهة عمليات ومحاولات العودة الشعبية و بالتالي مخالفة المشروع الروسي لسببين وفق الخالدي، مضيفًا أن الأول هو”منع الناس من العودة لأن عودتهم تتناقض مع كل عمليات التغيير والتهجير والسيطرة الإيرانية والميليشيات التابعة لها”.
والسبب الثاني هو “لتعطيل المشروع الروسي، وإظهار أن إيران ما زالت موجودة رغم أن لروسيا اليد العليا، فهي (إيران) لديها يد عليا على القرارات في الأرض”.
ويرى الخالدي أن قرارات النظام السوري الأخيرة تعكس وجهة نظر إيرانية وإن كانت عن طريق حكومة النظام، فيما يعتبر ردًا على الروس و”تكريسًا لمشروع الاحتلال الإيراني”.
واستدل المعارض السوري على ذلك بأن إيران و”منذ بدأت عمليات التفاوض في سوريا، ضربت بكل الضمانات الروسية عرض الحائط كما حصل في مناطق المصالحات”.
تحذيرات دولية: سوريا “ليست آمنة”
رغم الحشد الدولي الذي سعت روسيا إلى اكتسابه بإعلانها عن خطة غير واضحة المعالم لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بدت الاستجابة الدولية ضعيفة، نوعًا ما، حيال مبادرة جدية، تعتبر الأولى من نوعها منذ أن بدأت موجة اللجوء السوري عام 2011.
فالوتر الذي تلعب عليه موسكو بإعطاء فسحة سماوية للمجتمع الدولي، وربما فرصة للتخلص من عبء اللاجئين الذي أثقل كاهله، لم يقنع دولًا عدة أدركت أن حجم الابتزاز الروسي لقاء إعادة اللاجئين سيكون كبيرًا جدًا.
إذ إن المجتمع الدولي يعي تمامًا أن عين روسيا ستتجه نحو أموال دعم اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم، كما أنها ستحصّل مكاسب دولية لقضايا سياسية عالقة، عبر استخدام ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا في موضوع المشاركة بإعادة إعمار سوريا، والمرتبطة دائمًا بالانتقال السياسي لنظام الحكم في سوريا.
فرنسا.. شروط العودة لم تتحقق
أبدت فرنسا معارضتها الشديدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، معلنة أن “شروط عودة اللاجئين إلى سوريا لم تتحقق، نظرًا لمعاملة الأسد لأولئك الذين عادوا إلى ديارهم، والهجوم المحتمل على أراضي المعارضة في شمال سوريا”.
تحذيرات باريس جاءت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أنييس فون دير مول، بتاريخ 23 من آب الماضي، التي قالت إن “النظر في عودة اللاجئين السوريين هو أمر مخادع في الظروف الحالية”.
واستشهدت المتحدثة الفرنسية بالقانون الرئاسي “رقم 10″، بقولها إنه يحرم اللاجئين والمشردين داخليًا من ممتلكاتهم، وأشارت إلى عدم الاستقرار في سوريا، وحالات الاعتقال والتجنيد الإجباري للسوريين العائدين من لبنان.
في حين أكد السفير الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا دولاتر، أن بلاده لن ترضخ للدعوات الروسية بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا دون تحقيق انتقال سياسي جدي للحكم في سوريا، مضيفًا ” الانتقال السياسي شرط أساسي للاستقرار في سوريا”.
ألمانيا تشترط الانتقال السياسي
أعلنت ألمانيا موقفها من عودة اللاجئين، خلال القمة التي جمعت بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، منتصف آب الماضي، حين ربطت الأخيرة عودة اللاجئين بالانتقال السياسي لنظام الحكم في سوريا.
ميركل أبدت رغبة ألمانيا في بدء العملية السياسية في سوريا، حتى يتمكن جزء على الأقل من ملايين المشردين بسبب الحرب من العودة إلى ديارهم، وقالت خلال مؤتمر صحفي إن بلادها ستطلب من روسيا الضغط على دمشق حتى لا تضع عقبات أمام عودة اللاجئين إلى سوريا.
وأضافت “تحدثت عن قلقنا بشأن المرسوم السوري رقم 10، إذا لم يعلن الناس عن ممتلكاتهم حتى وقت معين، فإنهم سيفقدونها، وهذه أخبار سيئة للغاية لجميع أولئك الذين يرغبون في العودة يومًا ما إلى سوريا”.
بيان موحد من الاتحاد الأوروبي
أصدر الاتحاد الأوروبي إفادة مشتركة باسم الدول الأعضاء فيه، قال فيها إنه يعتقد أن الوضع في سوريا ليس مناسبًا بعد لعودة اللاجئين السوريين.
وجاء في الإفادة، الصادرة بتاريخ 27 من آب الماضي، أن سوريا لا تزال تعاني من ويلات الحرب وليست آمنة لعودة اللاجئين إليها، وذلك ردًا على الخطة الروسية التي تهدف لإعادة السوريين في الخارج إلى بلدهم.
لكن “رويترز” نقلت عن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي قولهم إن الدول الأوروبية متمسكة بموقفها في عدم تقديم أموال لإعادة إعمار سوريا “ما دام الرئيس بشار الأسد لا يسمح للمعارضة بالاشتراك في السلطة”.
ومن المقرر أن يعقد الاتحاد الأوروبي اجتماعًا على مستوى وزراء الخارجية في النمسا، قريبًا، لبحث مسألة عودة اللاجئين السوريين والرد بشكل واضح على الخطة الروسية.
استطلاع رأي: قرارات النظام الأخيرة “تقضي على الأمل بالعودة”
أجرت جريدة عنب بلدي استطلاعًا عبر موقعها الإلكتروني وصفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، لمعرفة آراء قرائها حول القرارات والخطوات الأخيرة التي يتخذها النظام ودورها في تسهيل أو عرقلة عودة اللاجئين السوريين.
وطرحت عنب بلدي السؤال التالي: ” كيف تنظر إلى الإجراءات والقوانين التي يسنها النظام السوري في ظل دعوات رسمية لعودة اللاجئين”.
واعتبر 69٪ من المشاركين في الاستطلاع، والذين وصل عددهم إلى 550، أن إجراءات النظام “تقضي على الأمل بالعودة”، بينما رأى 16 ٪ من المشاركين فيها تشجيعًا على عودة اللاجئين، ولم يحسم 15٪ من المشاركين موقفهم وصوتوا بـ “لا أعرف”.
وعلق على منشور الاستطلاع في “فيس بوك” مجموعة من المستخدمين، الذين اعتبروا بغالبيتهم أن الإجراءات والقوانين التي اتخذها النظام لا تصب في مصلحة الراغبين بالعودة إلى سوريا.
وقال المستخدم علاء أبو عبيدة ” لا يهم، فكل دول العالم ستحاول التخلص من اللاجئين وإعادتهم، كل أنظمة العالم لا مشكلة لديها مع بشار الأسد وتعتبره الحكم الشرعي في سوريا، ولم تقطع علاقتها معه”.