نبيل شربجي واستمرار استهداف الناشطين السلميين
غَفَت داريا مساء يوم الأحد 26 شباط 2012، على نبأ اعتقال الناشط السياسي نبيل وليد شربجي، بعد إيقافه على حاجز طيار في أحد شوارع بلدته داريا، بعد مشوار ملاحقة وتعقب دام أكثر من عشرة أشهر.
نبيل شربجي (28عاماً) ناشط سلمي وصحفي ومدوّن. تخرج من المعهد الهندسي الزراعي في دمشق ثم درس الصحافة في كلية الإعلام بجامعة دمشق، وتخرج منها عام 2010. عمل في مجال الصحافة الإلكترونية، وقام بإعداد عدة تقارير إعلامية.
يتميز نبيل بروحه المرحة وإصراره ومثابرته ويتمتع بمحبة واحترام غالبية من يعرفه. رفض مغادرة البلاد رغم اعتقال وقتل عدد كبير من رفاقه وتلقيه عدة تهديدات مباشرة من المخابرات الجوية.
عبّر نبيل بقلمه الحر وفي مدونته على الإنترنت عما يجول في خلده، وضمت المدونة في زواياها أفكاره كناشط سلمي، بصدق الكلمة التي لم يسمح لها أن تختنق ولم يمنعها من الخروج، وتحمل مدونته شعار (“مجرد هامش للتعبير… حينما تُعتقل الحريات…”، تحدث فيها عن الوطن، وعبيد الطاغية، والخدمة العسكرية الإلزامية، وغير ذلك.
العمل السلمي.. عودة إلى ما قبل الثورة
عُرف نبيل شربجي بسلميته، منذ شارك مع رفاقه في تجربة داريا المميزة عام 2003، التي كانت من أولى التجارب المدنية وأبرزها على مستوى سوريا.
حملت التجربة عنوان “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، وكان دافع المشروع حينها غزو العراق، وكان الهدف منها توضيح المنهج القائل بأن الله لن يغيّر ما بنا من حال سيئ حتى نصحّح ما بأنفسنا من أخطاء ونتحرر من الخوف الذي يقعدنا عن العمل.
تألف المشروع من أربعة أعمال متتالية قام بها عدد من الأشخاص يرتدون زيّاً موحّداً مكتوباً عليه عبارات تعبر عن المشروع (حتى يغيروا ما بأنفسهم) (بعمل صغير يبدأ التغيير) وغيرها. وركّز كل عمل على واحدة من الظواهر السلبية وطلبت من الجمهور تغييرها، إما عن طريق الدعوة القولية أو العملية، مع توزيع ورقة تشرح منهج (“حتى يغيّروا ما بأنفسهم”.
وتوزعت تلك الأعمال بين مظاهرة صامتة، احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق، وحملة توعية ضد الرشوة تضمنت محادثات مباشرة مع الناس وتوزيع تقويم (روزنامة) يحث على تجنبها.
بالإضافة إلى حملة تنظيف لأحد أحياء داريا، ودعوة لمقاطعة السجائر والمنتجات الأمريكية.
لم يعجب السلطات حينها أن تبادر مجموعة من الشباب إلى القيام بأعمال من تلقاء نفسها دون الحصول على «موافقة أمنية»، حتى لو كانت تلك الأعمال تصب في خدمة مدينتهم، ولم يعجب السلطات أيضا أن يعبر بعض أولئك الشباب عن رفضهم المشاركة في انتخابات برلمانية مزورة أو استفتاءات رئاسية معروفة النتائج مسبقاً، فاعتقلت عدداً كبيراً منهم وحكمت على بعضهم بالسجن ثلاث أوأربع سنوات.
في ثورة الكرامة
شارك نبيل في الاعتصامات التي سبقت اندلاع الثورة والتي حصلت في قلب العاصمة دمشق في 2011، أمام السفارتين المصرية والليبية، تضامناً مع شعبي هاتين الدولتين في ثورتيهما.
كما شارك في اعتصام أهالي معتقلي الرأي والضمير أمام وزارة الداخلية، للمطالبة بالمعتقلين في 16 آذار 2011، واعتقل يومها مع عدد من رفاقه في فرع مخابرات دمشق وفي سجن عدرا.
شارك أيضاً في تنظيم المظاهرات السلمية الاحتجاجية في داريا، والتي تميزت بسلميتها وتنظيمها على مستوى سورية، وعمل على تنسيق جهود الحراك في مختلف مناطق سورية من خلال نشاطه مع لجان التنسيق المحلية.
لم يكتف نبيل بالتأكيد النظري على السلمية، بل عمل مع بعض رفاقه على إبداع أساليب متميزة في تطبيقها، من أبرزها الدعوة إلى تزيين ساحة الحرية في داريا كتأكيد على الناحية الجمالية والاجتماعية في الثورة، وتوزيع الورود والمياه على عناصر الجيش أثناء المظاهرات، وتوزيع منشورات تخاطب ضمائرهم، كما شارك في تقديم الطعام لعناصر الجيش والأمن على الحواجز المحيطة بداريا في الغداء الذي أقيم لأهالي شهداء الجمعة العظيمة في داريا (22 نيسان 2011). وكان يؤكد في جلساته مع المتظاهرين في داريا على الطرق السلمية المجدية التي يمكن اتباعها للوصول إلى الغاية المنشودة برأيه في بناء دولة مدنية. وكانت ترافقه عدسة كاميرته في تغطية المظاهرات وغيرها من الأنشطة ليوثق الحقيقة بمهنية اختصاصه الصحفي.
من نشطاء السلمية في داريا
عرفت داريا بتميزها في تجربتها السلمية منذ بداية الثورة، وبرزت عدة أسماء فيها كان لها تأثيرها في الثورة.
من هؤلاء الناشط السلمي “يحيى شربجي” الذي اعتقل سابقاً عام 2003، وحكم أمام محكمة عسكرية ميدانية بالسجن أربع سنوات. كما سجل حضوراً بارزاً في ثورة الكرامة، إذ طالما وجد في الصفوف الأولى في التظاهرات، وكان من الأصوات البارزة يتحدث في المظاهرات والاعتصامات ومجالس عزاء الشهداء، ويؤكد على أن ثورتنا ثورة أخلاق، ثورة على كل القيم البالية، هدفنا ليس إسقاط النظام فقط بل تغيير أنفسنا بالدرجة الأولى والنصر على ضعفنا وخوفنا الداخليين، والعمل على بناء دولة مدنية يتساوى فيها جميع مواطنيها دون تمييز.
ومنهم الشهيد غياث مطر، الذي أصبح رمزا لداريا على المستوى العالمي، بعد أن استشهد تحت التعذيب إثر اعتقاله من قبل المخابرات الجوية بعد شهور من الملاحقة والتهديدات. شارك غياث مع رفاقه في المظاهرات منذ اليوم الأول من انطلاقها في داريا واستمر في تنظيمها وقيادة بعضها. نما غياث مع الثورة وتعلم منها، وكان لقراءاته وتفاعله على الإنترنت ولنقاشاته مع رفاقه أثر كبير في شخصيته، وهو الذي اقترح فكرة توزيع المياه والورود على عناصر الجيش.
وهناك أسماء أخرى كثيرة لا يتسع المقام للحديث عن جميعهم، منهم إسلام الدباس الذي اعتقل وهو يقدم الورود لعناصر الجيش والأمن، ومجد خولاني وأسامة معترماوي وطالب زيادة ومحمود جنح ومصطفى الخولي وهؤلاء وغيرهم، شاركوا مباشرة في قيادة المظاهرات وتنظيم الاعتصامات ومجالس عزاء الشهداء وغير ذلك من الأنشطة.
يذكر أحد الناشطين المفرج عنهم بعد أن اعتقل مرتين، أن المحقق كان يعجز خلال التحقيق عن الرد على أجوبة ذاك الناشط، ويحار في نوع التهمة التي يحاول إلصاقها به، حتى قال له في النهاية «أنت رجل محق، وأفكارك حلوة، بس مو بدولتنا»، وقد تكرر هذا السيناريو في حالات كثيرة في مختلف المناطق.
لم يدرك كثير من الناس لماذا يواجه النظام السوري الشباب السلميين بالاعتقال والتهديد والتعذيب، لكن النظام السوري كان يدرك خطر انتشار هذا الفكر بين الشباب، الفكر الذي يحرض الشباب على قول كلمة لا في وجه الخطأ، الفكر الذي يحرض الشباب على أن يكونوا أحراراً لا عبيداً مهما كلفهم الأمر من تضحيات، الفكر الذي ينادي بالتعددية وقبول الاختلاف ويطالب بالحرية للجميع وبتأمين كافة الحقوق لجميع المواطنين.
من رموز العمل السلمي في سوريا
قدمت الثورة السورية نماذج مميزة من الرموز السلميين في مختلف المناطق السورية، كسروا حاجز الخوف وقادوا الأنشطة السلمية وأصروا عليها رغم ما قوبلوا به من قمع، وقدم كثير منهم حياته ثمنا لكفاحه. ولا يتسع المقام مرة أخرى للإحاطة بهم وستُكتب فصول مشرفة عنهم جميعاً وستذكر سوريا فضلهم. من هؤلاء الشهيد هادي الجندي الذي كان من أبرز قادة المظاهرات في حمص واستشهد برصاصة قناص خلال إحدى المظاهرات. ومنهم الناشط أنس الشغري في بانياس، أول من دعا الناس إلى التظاهر والتعبير عن مطالبهم وشارك مع رفاقه في حملات تنظيف في مدينته وأسهم في إيصال صوتها إلى الإعلام. ومنهم المهندس الشهيد معن العودات الذي اعتقل أكثر من مرة بسبب مشاركته في التظاهرات والاعتصامات ودعمه لها ثم استشهد برصاص أحد ضباط الأمن خلال تشييع أحد شهداء درعا الأبرار. ومنهم الشهيد مشعل التمو في القامشلي الذي قتله النظام كي يفوّت على الثورة وعلى الإخوة الأكراد أحد أبرز أصواتهم التوافقية المتوازنة والداعمة بلا تردد للثورة. ومنهم الشهيد إبراهيم القاشوش بلبل الثورة السورية وأحد رموزها. والشهيد محمد أيمن دحدوح الذي اشتهر باسم (قاشوش حرستا). وتطول القائمة حتى لا تكاد تنتهي بين شهداء ومعتقلين ومطلوبين من المتظاهرين والأطباء والمسعفين والإعلاميين والمصورين وغيرهم.
ومع تطور الثورة السورية تشكلت مجموعات كثيرة لدعم الحراك السلمي في مختلف مناطق سوريا وعلى مستويات مختلفة، إعلامية وميدانية وفكرية. هذه المجموعات تعمل بصمت وإصرار إيمانا منها ان العمل السلمي إضافة إلى دوره الأساسي في الثورة هو خطوة على طريق التأسيس لدولة مدنية بعد سقوط النظام يستطيع جميع مواطنيها المشاركة في العمل العام وفي صنع واقعهم وتوجيه حكوماتهم.
ومن أبرز هذه المجموعات “أيام الحرية”، وهي تجمع سوري لحركات الكفاح السلمي والمقاومة المدنية اللاعنفية يهدف لإسقاط النظام ونيل الحرية في سوريا، مستقل عن الأطر السياسية والإيديولوجية. وتسهم بقوة في دعم الحراك السلمي من خلال أنشطة دورية ومفاجآت متكررة في دمشق وعدد من المدن السورية ولها دور بارز في الدعوة إلى إضراب الكرامة وتنفيذه والدعوة إلى العصيان المدني وابتكار أساليب مميزة يستطيع الجميع المشاركة فيها.
لم يألُ النظام جهدا في ملاحقة الناشطين السلميين وقادة الحراك الثوري ظنا منه أن اعتقالهم أو قتلهم سيضعف الحراك او ربما يوقفه، ويحرفه عن المسار السلمي الذي بهر العالم واكتسب تعاطف شعوبه وكثير من دوله. لكننا نكتشف أنه كلما غاب ناشط ظهر مكانه آخرون يكملون دربه ويتابعون مسيرته ، وما زلنا نكتشف كل يوم اسماء جديدة لشهداء ومعتقلين على درب الحرية لم نكن نسمع بهم من قبل، «ومحال أن ينتهي الليمون».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :