منال شخاشيرو | رهام الأسعد
أربع محاولات اعتقال ظنت ريما أنها مرت بسلام، عاشت خلالها ابنة الـ 30 عامًا هواجس المعتقلات خلف القضبان رغم أنها استطاعت “بقدرة إلهية” أن تتجنبها، لكنها لم تستطع تجنب الآثار النفسية لتلك الهواجس، حين أصيبت بنوبات هلع لا تزال ترافقها حتى الآن.
مع بداية الحراك السلمي في سوريا عام 2011، كان لريما بصمتها في المظاهرات النسائية في الغوطة الشرقية، حيث خرجت منددة بالقمع والاعتقال الذي مارسه النظام السوري ضد المتظاهرين والناشطين السلميين، مطالبة بحرية كلفت الشعب السوري الكثير.
في إحدى المظاهرات اقتربت ريما من قبضة رجال الأمن، الذين أحاطوا مظاهرة نسائية كانت تشارك فيها، وهناك لاحقها بعض العناصر وقادوها إلى ضابط أبلغها أنها ستُعتقل وستذوق “أقسى” أنواع العذاب على فعلتها، موجهًا لها كلامًا “قاسيًا” جعلها تستسلم للأمر الواقع، في وقت كان فيه الشارع يضج بأصوات الرصاص وصرخات الفتيات.
نجت ريما من محاولة الاعتقال تلك دون أن تعرف السبب، لكن كلام الضابط الذي أبلغها أنه يعرف اسمها وعنوان منزلها ظل يلاحقها مسببًا لها قلقًا بأنها أصبحت مطلوبة أمنيًا، ذلك القلق الذي لم يخفَ على وجهها في كل مرة يداهم فيها الأمن منزل عائلتها.
في إحدى مرات المداهمة، دخل رجال الأمن إلى منزل ريما وكانت المصادفة أن نفس الضابط الذي أوقفها في المظاهرة كان يشرف على عملية المداهمة تلك، وحينها أخبرها أنه يعلم أنها تلك الفتاة التي خرجت في مظاهرة، لكنها أنكرت، في حين أصر وهو يصرخ أنها الفتاة ذاتها واصفًا لها الملابس التي كانت ترتديها في المظاهرة.
لم تُعتقل ريما، لكن أخاها اعتقل في تلك المداهمة، ولا تعرف عنه أي شيء حتى الآن، وفق ما تقول.
توالي الأحداث في الغوطة الشرقية والحصار الذي فرض عليها منذ عام 2013 أجبر ريما وعائلتها على الخروج منها، واتخذوا قرارًا بالسفر إلى لبنان، حاملين معهم صور المجازر والدماء التي شهدتها مدن وبلدات الغوطة في تلك الفترة.
ذهبت ريما إلى فرع الهجرة والجوازات لاستخراج جواز سفر، وهناك أوقفها أحد الموظفين بعد أن علم أن أخاها معتقل وأن عددًا من أفراد عائلتها مطلوبون أمنيًا للنظام، فاحتجزها في غرفة على ذمة التحقيق ثم ساقها إلى ضابط أوهمها أيضًا أنها ستُعتقل، ولكنه تركها بعد أن طرح عليها أسئلة وصفتها بـ “الاستفزازية”.
الغربة لم تكن طوق النجاة
قبيل سفرها إلى لبنان، سمعت ريما من إحدى صديقاتها أن بإمكان أهالي المعتقلين الذهاب إلى القصر العدلي في دمشق للاستفسار عن مصيرهم وأماكن وجودهم، فجمعت صديقاتها وقريباتها وسجلن أسماء ذويهن المعتقلين على ورقة حملتها ريما دون أن تعرف أن ذلك “جريمة” في قوانين النظام.
شعر أحد رجال الأمن أن بلبلة تدور حول ريما، فسألها عن سبب مجيئهن إلى القصر العدلي، وحين أبلغته بدأ التحقيق معها: “من سجل الأسماء؟ من أين حصلت على هذه الأسماء؟ في أي مكتبة طبعت الورق؟”، ثم أخذها للنائب العام الذي قال لها إنه سيتركها لكنه لن يضمن أنها ستفلت من أيدي عناصر الأمن المنتشرين في القصر العدلي، ومع ذلك استطاعت أن تفلت منهم.
بدأت ريما رحلة الغربة إلى لبنان، دون أن تعلم أن هواجس الاعتقال وما عاشته من أحداث ستسبب لها أزمة نفسية بعيدة المدى، إذ أصيبت فجأة بحالات هلع تترافق مع غثيان وصراخ هيستيري ورجفان وتسارع في دقات القلب، تتكرر في كل مرة تتعرض فيها الفتاة للضغط.
وتتناول ريما حاليًا أدوية ومهدئات، وتتلقى علاجًا نفسيًا تقول إنها تحسنت عليه، لكن حالة الهلع تعود لها في كل مرة تقرر فيها التوقف عن تناول الدواء.
النوبة أساسها الخوف
يرى الدكتور عمار بيطار، منسق الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في منظمة “إحياء الأمل” العاملة في تركيا، أن ريما استطاعت، رغم القلق الذي تعرضت له، أن تحافظ على أدنى حد من اللياقة النفسية، ساعدها على ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
وأشار في حديث لعنب بلدي إلى أن الخوف الشديد والضغوط المتراكمة كانا السبب في إصابة ريما بنوبات هلع، نتيجة تفكيرها المستمر بأنها ستكون معتقلة وأن عائلتها ستتعرض للخطر، بالإضافة إلى ما شهدته من مداهمة منزلها باستمرار واعتقال أخيها.
بيطار قال إن 15% من الأشخاص حول العالم معرضون للإصابة بنوبة هلع في مرحلة ما من حياتهم، وبشكل مفاجئ، وأضاف أن النوبة تستمر من دقيقة إلى عشر دقائق، لكن المصاب قد يحتاج إلى أكثر من 30 دقيقة ليرتاح منها.
وتشير “الجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب” إلى أن نوبة الهلع تشمل على الأقل أربعة من الأعراض التالية: خفقان القلب، تعرق، ارتجاف، ضيق تنفس، دوار، وخز بالأطراف، غثيان، الخوف من فقدان السيطرة أو الجنون، الخوف من الموت.
ويبلغ متوسط عمر الإصابة بنوبات هلع بين 22 و23 عامًا، بحسب الجمعية الأمريكية، وتترافق أحيانًا مع اكتئاب أو التفكير بإيذاء الذات (الانتحار).
وينصح الدكتور عمار بيطار المصابين بنوبات هلع بممارسة نشاطات بدنية كالرياضة، والوعي الكامل بوجود مشكلة يجب حلها، بالإضافة إلى التعاون مع المعالج والالتزام بتلقي العلاج النفسي والدوائي اللازم بحسب الحالة.