السويداء – نور نادر
ألقت هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” على محافظة السويداء بتبعاتها على الأطفال، بعد محاولات من بعض الفصائل المحلية لتدريبهم على استخدام السلاح، كخطوة لـ “حماية أنفسهم” في حال التعرض لأي هجمات مماثلة مستقبلًا.
تداول ناشطون من السويداء في الأيام الماضية تسجيلات مصورة لأطفال يحملون السلاح ويتدربون على استخدامه، وفي أحدها ظهر طفل يتدرب على استخدام “الكلاشنكوف” بمساعدة والده، الذي يرتدي زيًا عسكريًا.
وأثار التسجيل ردود فعل غاضبة في السويداء، ورفضت معظم التعليقات على التسجيل المصور تجنيد الأطفال وزجهم في الحرب، وصوّر الأمر بمحاولات لسرقة الطفولة، بدلًا من تحييدهم عن ثقافة القتل والعنف.
لكن تعليقات قليلة أخرى دعت إلى أهمية تعليم الأطفال والنساء وتدريبهم للدفاع عن أنفسهم في الوقت الحالي، خاصةً مع غياب الجهات المسؤولة عن ذلك، في إشارة إلى النظام السوري، والذي كان بعيدًا عن الساحة بشكل كامل في أثناء هجوم التنظيم، تموز الماضي.
ولم تقتصر التسجيلات المصورة، التي نشرت عن عمليات التدريب، على الأطفال بل شملت النساء، وكان المركز الإخباري للتلفزيون السوري عرض تقريرًا مصورًا عن محاولات لتدريب الفتيات على السلاح للدفاع عن أنفسهن في المحافظة.
أثر هجمات 25 من تموز
أسفرت هجمات التنظيم على السويداء، في 25 من تموز الماضي، عن مقتل أكثر من 220 شخصًا بينهم نساء وأطفال ورجال، واقتصر التصدي لها على التشكيلات المحلية فقط وأهالي القرى التي دخلها التنظيم، دون أي تدخل من قوات الأسد والجهات الأمنية، الأمر الذي دفع أهالي السويداء لأخذ احتياطاتهم من خلال عمليات التسليح وتقديم التدريبات على القتال للرجال والنساء والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا.
بلدة عرى في الريف الشرقي شهدت دورة تدريبية لمدة خمسة عشر يومًا للنساء، ونشر الأهالي فيها حواجز داخلية بين الطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية، وبدأوا بتنظيم مناوبات حراسة شارك فيها أطفال تراوحت أعمارهم بين سن 13 و17 عامًا، دون أي اعتراض من الأهالي أو الجهات المسؤولة لحماية الأطفال.
ولم تقتصر مشاركة الأطفال في نوبات الحراسة على القرى بل كانت في مدينة السويداء، والتي قتل فيها طفل لم يتجاوز 15 عامًا بسبب خطأ في استخدام السلاح في حي القلعة بمدينة السويداء في أثناء خروجه ليلًا لتقديم الطعام لحاجز حارته.
ماذا يقول “القانون الإنساني”؟
يعتبر تجنيد الأطفال أحد أهم مخاطر حماية الطفل ويأخذ ثلاثة أشكال مختلفة: المشاركة المباشرة بالأعمال القتالية أو المشاركة بدور الجواسيس أو المراقبة أو استخدامهم كدروع بشرية وللدعاية لاستعطاف العامة.
وقد تم حظر تجنيد الأطفال في “القانون الدولي الإنساني”، وفي ضوء بروتوكول جنيف لسنة 1977 حيث نص البروتوكول في النزاعات المسلحة الداخلية على أنه “لا يجوز تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة، ولا يجوز السماح بإشراكهم في العمليات العدائية”.
كما تعرف المفوضية الأوروبية مصطلح الجنود الأطفال بأنهم الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وسبق أن شاركوا في الصراع العسكري المسلح .
تقول إحدى العاملات في مجال حماية الطفل ضمن المنظمات المحلية بالشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (طلبت عدم ذكر اسمها)، إنهم يتلقون تدريبات من قبل المفوضية الشريكة لهم بخصوص مخاطر حماية الطفل من تسرب مدرسي وعمالة وعنف وزواج مبكر.
وحين يصل المدربون إلى فقرة الحديث عن تجنيد الأطفال فإنهم يعرجون على تعريف الخطر دون التدخل في آليات الحماية منه، حيث يبررون أن النزاع في سوريا غير مصنف على أنه نزاع خارجي أو داخلي، ما يحول دون القدرة على تحديد فرض القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الانسان، وهو ما يبقي القضية مفتوحة أمام العجز الدولي في التدخل حيث لا يمكن فرض تطبيق القانون الدولي الإنساني إلا في حالات النزاعات الخارجية.
ويبقى قانون الدولة هو السائد في حالات النزاع الداخلي، وتضيف المسؤولة في حماية الطفل لعنب بلدي أن القانون السوري قبل عام 2013 لم يكن يضم أي بند متعلق بتجنيد الأطفال، وتم تعديله بعد 2013 لكن ضمن عجز الدولة عن تطبيقه على الفصائل التي باتت خارج سيطرتها.
شر لا بد منه
يقول “أبو الورد” (مقاتل في تشكيل محلي في السويداء)، إنه يدرب ابنه على حمل السلاح والقتال ليحمي أمه وأخواته في غيابه شبه الدائم عن المنزل خاصة بعد هجمات 25 من تموز.
ويضيف لعنب بلدي، “علينا ألا نسلط الضوء على الموضوع من وجهة نظر طائفية، أو اتهامهم بالجهل”، معتبرًا “سلب حق الطفل في اللعب وممارسة حياته كطفل بسلام، وسلب جزء من حقوقه أفضل من أن تسلب حياته وحياة عائلته”.
وبحسب “أبو الورد”، في ظل الظروف الراهنة وبعد بذل المحافظة أقصى جهدها بأن تحيد عن القتال “زجت اليوم في الحرب وحيدة”، وهذا السلب للطفولة والأنوثة (إشارة لتدريب النساء على حمل السلاح) هو شر لا بد منه.
وكان المسؤول الأممي، بانوس مومسيس، صرح في 13 من آذار 2017 أنه قلق تجاه التقارير الأممية حول تجنيد الأطفال في سوريا، واستخدامهم في القتال من قبل جميع الأطراف.
وقال في تقرير للأمم المتحدة “كانت 25% من حالات التجنيد تتعلق بصبية وفتيات دون سن الخامسة عشرة وهو ما يعد بالطبع جريمة حرب يحظرها القانون الإنساني الدولي”.
وأضاف، “تسعة من بين كل عشرة أطفال جُندوا في دور قتالي، ونظرًا لنشأتهم في ظروف الصراع، فلم يكن لديهم الاختيار أو البديل أو ربما لم يكن لديهم أي مخرج، لأن القتل أو الاحتجاز من قبل الطرف الآخر ينتظرهم”.