عنب بلدي – محمد حمص
لم يكن ياسين خالد، ابن مدينة سقبا في الغوطة الشرقية، يخطط لكل ما حدث معه، كما أنه لم يختر مصيره أو الوجهة التي سيحط رحاله فيها، فبعد اعتقال دام ثلاثة أشهر وجد ياسين نفسه في إحدى الحافلات المتوجهة لمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، في صفقة تبادلية لم يكن يعرف فحواها.
يروي ياسين قصة خروجه من الغوطة الشرقية إلى مراكز الإيواء، التي احتجز فيها قبل تحويله إلى فرع المخابرات الجوية، ثم إلى فرع أمن الدولة في دمشق، عقب الحملة العسكرية التي شنتها قوات الأسد المدعومة روسيًا على الغوطة.
خرج الشاب، ابن الـ 38 عامًا، من بلدته يصطحب طفليه وزوجته عبر المعابر التي افتتحها النظام برعاية روسيا في مدينة حمورية، مطلع شهر آذار، إبان هجوم عسكري للنظام السوري وحليفته روسيا على المنطقة، ليتم نقله مع عائلته وآلاف الخارجين من المنطقة إلى مراكز الإيواء في مدينة عدرا بريف دمشق.
امتدت فترة بقائه في مركز الإيواء لشهر ونصف، قبل البدء بإجراءات التسوية التي أجراها النظام السوري للخارجين من المنطقة.
ولكن الإجراءات لم تقف عند الورقة الأولى التي وقع عليها، ليتم تحويله فيما بعد إلى الأفرع الأمنية للتحقيق معه بما يخص عمله السابق في جهاز الشرطة المحلي بالغوطة.
ووقع الباقون في الغوطة أو الخارجون إلى مراكز الإيواء على ورقة تعهد، تتضمن معلومات تفصيلية شخصية إلى جانب بنود عدة أبرزها عدم إثارة الشغب أو التظاهر أو رفع الشعارات أو كتابتها أو التحريض عليها أو السكوت أو التستر على من يرتكبها أو يحرض عليها.
ويمنحهم هذا التعهد مدة ستة أشهر لتسوية أوضاع المطلوبين أمنيًا أو المتخلفين عن الخدمة العسكرية.
بقي ياسين في المعتقل لمدة شهرين، قبل أن يطلب اسمه في تموز للإفراج بصفقة تبادلية ضمن “صفقة كفريا والفوعة”، لكنه لم يعلم بالتفاصيل إلا بعد وصوله للوجهة المقصودة.
يعبر الشاب عن سعادته لخروجه من السجن وهروبه من شبح الالتحاق بالخدمة الاحتياطة، لكنه حزين بذات الوقت بسبب ابتعاده عن عائلته التي خرجت تبحث عن مأوى لها بين حطام الحي الذي كان يعيش فيه بمدينته، حاله كحال العشرات الذين وجدوا أنفسهم في إدلب دون أن يعلموا ماهية الاتفاق الذي خرجوا به.
وينص اتفاق كفريا والفوعة، والمعروف باتفاق “المدن الأربع”، الموقع في نيسان 2017، على إخراج من يرفض البقاء من مقاتلي وأهالي مضايا والزبداني إلى الشمال، إضافة إلى مخيم اليرموك مقابل إخراج كامل أهالي كفريا والفوعة على دفعتين، وإطلاق سراح 1500 معتقل لدى النظام.
وقع الاتفاق بين ممثلين من إيران مع آخرين من الفصائل (هيئة تحرير الشام، حركة أحرار الشام الإسلامية) برعاية قطرية إيرانية، وتضمن الإفراج عن 1500 معتقل من سجون النظام السوري، على أن يكونوا بنسبة 80% ممن اعتقلهم النظام منذ مطلع عام 2018 وحتى نهاية شهر نيسان الماضي، و10% ممن اعتقلهم في عام 2017، بالإضافة إلى 10% ممن اعتقلوا في السنوات الأقدم.
كما نص الاتفاق أيضًا على الإفراج عن 37 أسيرًا مقاتلًا من سجون إيران في منطقة السيدة زينب بدمشق، بالإضافة إلى أربعة أسرى داخل بلدة الفوعة.
قضية خروج معتقلين لم يمض على اعتقالهم سوى أسابيع لاقت غضبًا في الشارع المعارض، وخاصة من قبل أهالي معتقلين طالبوا “هيئة تحرير الشام” بتوضيح بنود الاتفاق، وخرجوا بمظاهرات على مدار يومين في مدينة إدلب للمطالبة بالمعتقلين القدامى.
ياسين أكد أن هناك شبابًا اعتقلوا في شوارع العاصمة السورية دمشق عشوائيًا وكانوا من ضمن المفرج عنهم وفق الاتفاق، وحالهم كحاله لا يعرفون لماذا هم في محافظة إدلب أو ماذا سيفعلون فيها أو حتى طريق العودة إلى منازلهم.