ضياء عودة | نور عبد النور | محمد حمص | حلا إبراهيم
يأتي الحديث عن انتخابات الإدارة المحلية في أوساط النظام السوري، كخطوة “ديمقراطية” هي الأولى من نوعها، بدأ العمل بها بعد إقرار قانون الإدارة المحلية رقم “107” عام 2011، على أن يتيح لأكبر شريحة من المستقلين الترشح والمشاركة في إدارة المجالس المحلية لمناطقهم.
لكن الواقع يختلف عن ذلك، فالترشح متاح للجميع، بينما الانتخاب واختيار الشخصيات أشبه بالتعيين المدروس والمحدد من قبل “القيادة السياسية العليا”، والتي يغلب عليها “حزب البعث الاشتراكي”، القائد للدولة والمجتمع، ليكون المشهد العام حاليًا ترسيخ فكرة البعث مجددًا، بعد سبع سنوات من الحرب.
رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كان أصدر مرسومًا لإجراء انتخابات المجالس المحلية في 16 من أيلول الحالي، وبحسب صحيفة “الوطن” السورية، وافق النظام على قبول طلبات نحو 35 ألف مرشح للتنافس على 18 ألف مقعد في الانتخابات.
يبدأ تقديم الترشيحات لاختيار الشخصيات قبل مدة زمنية من تثبيت يوم الانتخابات، وتصدر كل محافظة قوانين وتتشكل لجنة انتخابية على مستوى سوريا كاملة للمجالس الفرعية (مدن، بلدات، بلديات)، كما تصدر المحافظة عدد المقاعد والتعليمات الانتخابية.
ويكون الترشيح مفتوحًا، وتصدر قائمتان، الأولى كانت تسمى سابقًا “قائمة الجبهة التقدمية” وهم البعثيون، والتي تحول اسمها حاليًا إلى “قائمة الوحدة الوطنية”، وتصدر من القيادة القطرية لـ “حزب البعث العربي الاشتراكي”. أما القائمة الأخرى فتكون من الشخصيات المستقلة، ويكون من نصيبها فقط 30% من قوائم المرشحين. |
تناقض.. هيمنة “حزب البعث”
جاء في المادة “20” من قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “107” للعام 2011، والذي تسير الانتخاب الحالية بموجبه، أن المجلس المحلي ينتخب بالاقتراع السري في أول جلسة يعقدها رئيسًا له، بالأكثرية المطلقة للحاضرين، فإن لم تحقق يعاد الانتخاب في نفس الجلسة ويكتفى بالأكثرية النسبية، كما توقف الجلسة فور انتخاب رئيس المجلس ثم تستأنف برئاسته لانتخاب المكتب الدائم المكون من نائب الرئيس وأمين السر ومراقبين اثنين.
أما المادة “21”، فنصت على أن ينتخب المجلس نائبًا للرئيس بالأكثرية المطلقة للحاضرين، فإن لم تحقق يعاد الانتخاب ويكتفى بالأكثرية النسبية، ويتم انتخاب أمين للسر ومراقبين اثنين بالأكثرية النسبية، وعند تساوي عدد الأصوات يعمد إلى القرعة ويجدد انتخابهم حسب الحال “سنويًا” في أول دورة للمجلس من كل عام.
وضمن المادة، تمت الإشارة إلى أن المجلس ينتخب أعضاء المكتب التنفيذي وفق أحكام المادة 29 من هذا القانون.
لكن المواد المذكورة ناقضتها بنود القرار “108” لعام 2018، الذي أصدره الأمين القطري المساعد لحزب البعث، هلال هلال، ويتضمن القرار سبعة بنود فصلت الأسس لإقرار “قائمة الوحدة الوطنية” لانتخاب المجالس والمعايير الواجب توافرها في المرشحين.
ونصت المادة “أ” من القرار “108”على اختيار ممثلي الحزب لمجالس الإدارة المحلية ومكاتبها التنفيذية، وتتكون من شقين، الأول جاء فيه “تحدد اللجنة القيادية العليا عدد مرشحي حزب البعث العربي الاشتراكي لانتخابات جميع المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية، بناء على اقتراح من قيادات الفروع الحزبية”.
بينما نص الشق الثاني على أن “تسمي اللجنة القيادية العليا ممثلي الحزب في المكاتب التنفيذية للمحافظات، والمكاتب التنفيذية لمدن مراكز المحافظات، ورؤساء مجالس المدن، بحضور وزير الإدارة المحلية وأمين الفرع والمحافظ، بناء على اقتراحات من قيادات الفروع الحزبية”.
أما الفقرة “ب”، فحددت اختيار قوائم الحزب لمجالس المدن والبلدان والبلدات ومكاتبها التنفيذية.
وتفرعت إلى أربعة بنود حددت آلية ترشيح القوائم عبر اجتماعات بين قيادات الشعب والفرق الحزبية وأمنائها، والنقطة الرئيسية التي أكدت عليها هي اقتراح ضعف العدد المحدد للدائرة الانتخابية في مجلس المحافظة إلى قيادة الحزب، التي تسمي قوائم الحزب لمجالس المحافظات من بين المرشحين “حصرًا”، أي أن أسماء الشخصيات يتبعون لـ “حزب البعث” بشكل حصري.
المادة “ج” من القرار الصادر عن القيادة القطرية حددت الشروط الواجب توافرها في المرشحين، وجاء فيها أن يحظى المرشح بقبول شعبي وجماهيري، بالإضافة إلى الصدق والنزاهة والإخلاص والشخصية القيادية والقدرة على الإبداع والتطوير، وأشارت إلى “الانتماء الوطني” أي موقف المرشح من الحرب في سوريا.
وتعطي بنود القرار “108” الصادر عن “حزب البعث” صورة كاملة للهيمنة التي يسير بها النظام السوري على المجالس المحلية ومجالس المحافظات، على خلاف الرواية التي يروج لها والتي يصفها بـ “الديمقراطية” بعد سنوات من الحرب السورية.
وكانت قيادة “حزب البعث” أعلنت عن حصتها وحلفائها ضمن قوائم الترشح لانتخابات الإدارة المحلية، على أن تقتصر على 70% من المقاعد، وستترك 30% للمستقلين.
وأشار عضو القيادة القطرية، شعبان عزوز، لحملة “دورك” (التي أطلقتها حركة البناء الوطني) وموقع “سناك سوري”، في 30 من آب الماضي، إلى ضرورة تغيير العقلية القائلة إن قوائم الجبهة التقدمية “ناجحة ناجحة”.
كيف تجري الانتخابات
حتى اليوم يقتصر الحديث عن الانتخابات على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل محدود، حتى إن ماهية الانتخابات وطبيعة سيرها غير معروفة لدى شريحة واسعة من السوريين، والذين اقتصرت نظرتهم في هذا المجال على انتخابات مجلس الشعب التي تحظى بترويج وحملات تسبق يوم الانتخابات بفترة طويلة.
في استطلاع أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، حمل سؤال “هل سبق وأن شاركت في انتخابات الإدارة المحلية في سوريا؟” شارك فيه قرابة 450 شخصًا، وكانت نسبة 83% من الإجابات “لا” و17% “نعم”، الأمر الذي يشير إلى أن العملية الانتخابية تعتمد على القوائم المجهزة مسبقًا بعيدًا عن “الحق الانتخابي الديمقراطي”.
المهندس محمد مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية”، المحسوبة على المعارضة في سوريا، قال لعنب بلدي إن العملية الانتخابية للمجالس الفرعية تكون “شكلية”، بحيث تكون صور وأسماء شخصيات “الجبهة الوطنية” مجهزة مسبقًا في أثناء عملية الاقتراع في الصناديق، وطرح مثالًا على ذلك أن 20 مرشحًا للمدينة يكون بينهم 15 من “قائمة الجبهة” وخمس شخصيات مستقلة فقط، مشيرًا إلى أن شخصيات “الجبهة” دائمًا ما يتم تعيينهم مسبقًا، والانتخاب يكون للشخصيات المستقلة المتبقية.
وأضاف أنه لا يوجد أي إقبال جماهيري على انتخابات المجالس المحلية، كون النتيجة معروفة مسبقًا لصالح قائمة “الجبهة الوطنية”، والتي يغلب عليها “حزب البعث” بنسبة أكثر من 50%.
بعد عملية الانتخاب تصدر نتائج المجالس الفرعية بعد ثلاثة أيام، ليتبع الأمر قرار من قبل وزارة الإدارة المحلية بأسماء الشخصيات التي نجح بها المجلس، ليبدأ فرع “حزب البعث” في المرحلة التالية بدراسة أسماء المكتب التنفيذي على غرار الآلية المذكورة.
وينص قانون الإدارة المحلية على أن يكون لكل مجلس مجلس محلي مكتب تنفيذي، ويرتبط عدد المرشحين للمجلس بعدد السكان الذي يشملهم، ويندرجون ضمن نطاقه الخدمي.
وأوضح شربجي أن رئيس المجلس يتم اختياره من “القيادة السياسية”، ولا يتم انتخابه، بل بموجب تزكية وتوجيهات، لافتًا إلى أن أعضاء المكتب التنفيذي والرئيس يصدر بهم قرار من القيادة السياسية، بحيث يكون 80% منهم بعثيين.
وبحسب شربجي، “تجري العملية الانتخابية، لكن لا يوجد أي اعتراض على قرار القيادة القطرية”.
فيما يخص انتخابات مجالس المحافظات فتسير كسابقتها، ويصل عدد أعضاء مجلس المحافظة في المدن الكبرى إلى 100 شخص، لكن “المناطحة الكبيرة” تكون في اختيار المكتب التنفيذي بسبب وجود معايير ومواصفات لهذه الشخصيات.
وأوضح شربجي أن أعضاء المكتب التنفيذي يبلغ عددهم عشرة، والمحافظ يتم تعيينه من رئيس النظام السوري بشكل مباشر سواء في قانون الانتخابات القديم أو الجديد.
أما رئيس مجلس المحافظة ففي القانون الحالي يتم انتخابه، لكن ليس له دور بالقوانين الناظمة، وأشار شربجي إلى أن دوره “شكلي” كون القرار للمحافظ.
ويكون أعضاء المكتب التنفيذي متفرغين حصرًا، ولهم مكاتب متخصصة وسيارات، وتصبح عملية انتقائهم عالية من قبل “القيادة السياسية” ويدرس وضعهم من قبل الجهات الأمنية، كون الأمر يقسم إلى قطاعات (الصناعة، التعليم، الزراعة، الخدمات).
وأوضح شربجي أن انتخابات أعضاء المكتب التنفيذي تتم على مستوى المحافظة، و99% من “قائمة الجبهة” تنجح فيها، والتي تهيمن على 80% من العملية الانتخابية.
تاريخ الإدارة المحلية في سوريا
يعود تطبيق قانون الإدارة المحلية في سوريا إلى فترة الحكم العثماني، حين طُبق قانون إدارة الولايات العامة الذي قسم الولاية إلى ألوية، والألوية إلى أقضية، والأقضية إلى نواح، والنواحي إلى قرى.
وفي عهد الانتداب الفرنسي أصدر المفوض السامي القرار رقم 5 لعام 1936، استنادًا إلى المادة 109 من الدستور السوري الذي قسم سوريا إلى محافظات، ومنحها صلاحية إبداء الرأي، وبيان حاجات السكان الإدارية والعمرانية والثقافية والاجتماعية، لكنه لم يوضع قيد التنفيذ الفعلي لرغبة فرنسا بإحكام سيطرتها على كامل سوريا.
بعد الاستقلال صدر قانون البلديات رقم 72 لعام 1956، وقانون مجالس الأحياء والقرار رقم 215 لعام 1956، وقانون التنظيمات الإدارية رقم 496 لعام 1957.
وكان صدور أول قانون للإدارة المحلية بعد انتقال الحكم إلى حزب “البعث” في عام 1971، إذ صدر القانون رقم 15، وكان آخر ما أصدره النظام السوري القانون رقم 107 للإدارة المحلية والذي ألغى بموجب المادة 161 منه كل القوانين السابقة.
الدستور أم القانون..
ما الناظم التشريعي لعمل الوحدات الإدارية؟
لم يقتصر تنظيم الوحدات الإدارية والمجالس المحلية على قانون الإدارة المحلية الخاص بها، إنما جاء في الدستور السوري ذكر المجالس المحلية في العديد من المواد، الأمر الذي يفرض تغليب حكم الدستور على القانون عند ورود حالة نص عليها الاثنان، لأن الدستور يأتي في أعلى الهرمية القانونية، يليه القانون، ثم اللوائح التنفيذية.
ونص الدستور السوري، الذي تم إقراره عام 2012، على تنظيم المجالس المحلية في المواد 12 و130 و131، إذ ورد فيه أن تنظيم وحدات الإدارة المحليّة، إنما يرتكز على تطبيق مبدأ لا مركزية السلطات والمسؤوليات.
وبقراءة متأنية لهذا النص، نستنتج أن الدستور الجديد لعام 2012 قدم ضمانة دستورية لنظام الإدارة المحلية.
وبحسب القانون السابق تقسم الوحدات الإدارية إلى وحدات تتمتع بالشخصية الاعتبارية وهي (المحافظة، المدينة، البلدة، البلدية)، وأخرى لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وهي (المنطقة، الناحية، الحي).
بينما جاءت تقسيمات الوحدة الإدارية بحسب المرسوم 107 لقانون الإدارة المحلية لعام 2011 على الشكل التالي (المحافظة أو المدينة أو البلدة أو البلدية) وجميعها لها شخصية اعتبارية.
ويدلي الناخبون بأصواتهم في كل دورة لانتخاب أعضاء المجالس الممثلة لهذه الوحدات، وهي مجلس المحافظة، ومجلس المدينة، ومجلس البلدية.
قانون الإدارة المحلية السوري بين النص والواقع
نص القانون الجديد الصادر بالمرسوم رقم 107 لعام 2011 على تطبيق لامركزية السلطات والمسؤوليات، وتركيزها في أيدي فئات الشعب، تطبيقًا لمبدأ الديمقراطية، الذي يجعل الشعب مصدر كل سلطة وذلك من خلال توسيع وتحديد واضح، وغير مزدوج لسلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية لتمكينها من تأدية اختصاصاتها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وعمرانيًا.
لكن اللامركزية المطبقة في سوريا لا تؤدي إلى لامركزية حقيقية في الإدارة، التي تدل حقًا على التنازل عن بعض الصلاحيات لمؤسسات محلية منتخبة تمارس اختصاصاتها بمسؤولية ذاتية، أي بناء على سلطتها الاستنسابية الذاتية، وبعيدًا عن التدخل المباشر للسلطة المركزية، بواسطة أدوات التوجيه والتعديل والإلغاء وحتى الحلول.
ويرى المحامي غزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، في حديثه لعنب بلدي، أنه “بعد سبع سنوات من صدور المرسوم 107 لعام 2011 المعدل لقانون الإدارة المحلية يتم إجراء انتخابات يقصد بها توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي، وجميع الدول الضالعة في الوضع السوري أن ما كان يحول دون ذلك هو وجود من وصفهم بـ (الإرهابيين)”.
كل ذلك انطلاقًا من حقيقة لا يمكن لأحد أن يتنكر لها، هي أن النظام اللامركزي يأخذ بحسبانه أن السكان المحليين والمسؤولين المحليين هم الأكثر خبرة بشؤونهم، والأقدر على معالجتها واتخاذ القرارات الرشيدة بشأنها.
أما فيما يتعلق بالقانون الجديد والصلاحيات التي يعطيها للمجالس، فإن التعديلات الواردة بالمرسوم ربما توسع قليلًا الهامش المتاح للمجالس المحلية للمدن والبلدات في إدارة بعض شؤونها المحلية، وتحصيل بعض الرسوم التي تزيد في حصيلة وارداتها لكن يبقى الأمر النهائي، على حد قول قرنفل، منوطًا بالمركز أي (مركز السلطة)، “ففي دولة تصحر فيها العمل السياسي ولا تتيح هامشًا للعمل المدني، لا جدوى من مجالس محلية يتنافس فيها المرشحون على كسب رضا الأجهزة الأمنية كعامل حاسم للوصول إلى المنصب، وبالتالي لا قيمة لأصوات الناس”.
ويظهر ذلك جليًا في المادة “4” من المرسوم، والتي تعطي المجلس الأعلى للإدارة المحلية وهو الذي يترأسه رئيس مجلس الوزراء، وينوب عنه وزير الإدارة المحلية ويدخل في اختصاصه وضع الخطة الوطنية اللامركزية وفق برنامج زمني محدد والإشراف على تنفيذها ودعم هذه الخطة والتنسيق مع كل الجهات المعنية في سبيل تنفيذها، وإصدار القرارات اللازمة لتوضيح آليات عمل الوحدات المحلية، بالإضافة إلى إقرار اللوائح التنفيذية والتعديلات السنوية على لوائح الرسوم والموارد والتعويضات.
وهذا يعني تحكم “المجلس الأعلى” الممثل للسلطة المركزية بكل ما يصدر عن المجالس المحلية (الممثلة للسلطة اللامركزية) عن طريق رجوعها إليه في كل ما من شأنه أن يدخل في اختصاصها، خصوصًا أن القانون الجديد، رغم ادعاء المشرع أنه جاء موائمًا لحاجات الديمقراطية وتعزيز اللامركزية، لم يعط الحق للمجالس المحلية بمخاصمة المجلس الأعلى أمام القضاء الإداري، أسوة بالمواطن العادي.
ويشكل حق مخاصمة المجلس الأعلى (رئاسة مجلس الوزراء، والوزير، والمحافظين) مطلبًا مهمًا لدى قانونيين وحقوقيين يعتبرونه أساسيًا في الإدارة اللامركزية، وذلك عن طريق إحداث غرفة خاصة لدى مجلس الدولة (وهو المختص بالنظر في الدعاوى التي تقام ضد دوائر الدولة)، للنظر في الدعاوى التي تقيمها المجالس المحلية ضد الوزارات أو المحافظين.
إدارة إدلب..
مجالس للحكومة المؤقتة ومجلس “شكلي” للنظام
إلى جانب نظام الإدارة المحلية الساري في مناطق سيطرة النظام، تشكل خلال أعوام الثورة نظام إدارة آخر في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
ومع تقدم النظام السوري منذ بداية العام الحالي وسيطرته على مناطق عدة كانت بيد المعارضة، خسرت “الحكومة السورية المؤقتة” مساحات كانت تنشط فيها، لا سيما درعا وأحياء دمشق الجنوبية والغوطة الشرقية وريف حمص الغربي، وبالتالي فقدت الكثير من المجالس المحلية الأرض التي كانت تعمل عليها.
قبلة النزوح الداخلي، إدلب، تحولت إلى موطن لمجالس محلية عدة غادرت مناطق نشاطها الأصلية بفعل حملات التهجير القسري، وحافظت بعض تلك المجالس على دورها وفاعليتها، وتم إعادة تشكيل بعضها في مناطق النزوح في هيئات خدمية.
في الوقت ذاته، يصرّ النظام السوري على إجراء انتخابات الإدارة المحلية للمناطق الخارجة عن سيطرته، وكان رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، سليمان القائد، قال في تموز الماضي إن “انتخابات الإدارة المحلية في محافظتي الرقة وإدلب ستتم في حماة، وبناءً على ذلك تم تشكيل اللجنتين في حماة، والقضاة هم من إدلب والرقة.
الحلّ أو إعادة التشكيل
تشير دارسة بعنوان “المجالس المحلية المهجرة: إعادة التشكيل في بيئات جديدة” صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في تشرين الثاني من عام 2017، إلى أن معظم المجالس المحلية التي تم تهجيرها إلى الشمال السوري لوحظ عزوفها عن إعادة تشكيل مجالسها المحلية في مقابل توجهها إلى اعتماد مديريات ومنظمات وهيئات وظيفية بديلة غير تمثيلية.
وتلفت الدراسة إلى أن “المجالس المحلية المهجرة التي أعادت تشكيل نفسها في المناطق الجديدة أو حافظت على مجالسها دون إعادة انتخاب تشكل ما نسبته 20% من المجالس المهجرة قسريًا”.
مجلس محافظة ريف دمشق هو أحد المجالس المهجرة الذي فضل إعادة تشكيل نفسه في لجان للمهجرين عوضًا عن المجالس المحلية، وفق ما أكده رئيس مجلس محافظة ريف دمشق التابع للحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن صقر، في لقاء مع عنب بلدي.
وأضاف صقر أن بعض أعضاء المجالس المحلية السابقة في الغوطة الشرقية فضلوا البقاء في مدنهم وبلداتهم، أما القسم الآخر الذي خرج فلم يرغب بإقامة مجلس محلي، وآثر الاهتمام بشؤون المهجرين، على اعتبار أن خسارة الأرض تعني تركيز العمل باتجاه الشعب فقط.
تقسيمات إدلب الإدارية
قسمت “الحكومة السورية المؤقتة” الأرض السورية إلى وحدات إدارية تبدأ من المحافظة كأكبر وحدة إدارية نزولًا إلى المنطقة والمدينة والبلدة والبلدية والمنطقة والناحية.
إدلب هي المحافظة الوحيدة التي تخضع إداريًا بالكامل لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة، والتي قسمتها إلى 157 وحدة إدارية موزعة على 15 مدينة و74 بلدة و95 بلدية و6 مناطق تضم 26 ناحية.
بلغ عدد المجالس المحلية، المقيمة والنازحة، في محافظة إدلب 156 مجلسًا وفق دراسة صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في أيلول من 2017، بعنوان ” قراءة تحليلية لاستطلاع واقع وتحديات الإدارة المالية للمجالس المحلية”.
وتتوزع المجالس المحلية في إدلب، وفق الدراسة، على الشكل التالي: 9% مجلس مدينة، 30% مجلس بلدة، 61% مجلس بلدية، يوجد منها 81 مجلسًا محليًا في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” موزعة حسب التقسيمات الإدارية وفق الآتي: 14% مجلس مدينة، 39% مجلس بلدة، 47% مجلس بلدية، إضافة لوجود 43 مجلس قرية.
انتخابات إدلب “النظامية” في حماة
تجري انتخابات الإدارة المحلية لمحافظة إدلب في مدينة حماة السورية، بالتزامن مع انتخابات مجالس الوحدات الإدارية في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
وأعلن النظام السوري أن عدد طلبات الترشح لعضوية مجالس الوحدات الإدارية في محافظة إدلب بلغ 1500 متقدم يتنافسون على 1909 مقاعد.
ودعا رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات، سليمان القائد، الأشخاص الراغبين بالانتخاب في محافظة أخرى، إلى إبراز وثيقة من المختار تثبت إقامتهم في هذه المحافظة أكثر من عامين.
ومن المتوقع أن تكون انتخابات مجلس محافظة إدلب شكلية، نتيجة قلة عدد الناخبين الإدلبيين المتوقع وصولهم إلى حماة من مناطق سورية أخرى للإدلاء بأصواتهم، فضلًا عن ترجيح منح المقاعد لأشخاص محددين وفق اعتبارات سياسية وأمنية.
بعد تعليق التفاوض..
الإدارة الذاتية تحارب انتخابات النظام باعتقال المرشحين
تناولت المفاوضات التي جرت بين النظام و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) خلال الشهرين الماضيين مسألة اللامركزية الإدارية والسياسية، وسعى النظام السوري إلى الدفع باتجاه إشراك الإدارة الذاتية في انتخابات الإدارة المحلية الجارية، على اعتبار أنها توفر شكلًا من أشكال اللامركزية التي يطالب بها المجلس.
ورغم تكتم النظام السوري بشكل كامل على مضامين المناقشات خلال اللقاءات التي جمعت ممثلين عن “مسد” ومسؤولين تابعين للنظام في دمشق، لكن مسؤولين كردًا ووسائل إعلام أشارت إلى أن مسألة “الإدارة المحلية” تصدّرت تلك المناقشات.
من “إدارة ذاتية” إلى “لامركزية إدارية” محدودة
الرئيسة التنفيذية لـ “مسد”، الجناح السياسي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، قالت مطلع آب الماضي لقناة “روسيا اليوم”، إنه “تم الاتفاق مع دمشق على تشكيل لجان مشتركة من الطرفين مهمتها بالأساس بحث مسائل تتعلق بنظام الحكم والإدارة في مناطق سوريا المختلفة وبالأخص في مناطقنا”.
وأضافت أحمد “لم نلحظ أي اعتراض من جانب الحكومة في اتجاه الإبقاء على إدارة الحكم الذاتي في المناطق الكردية في البلاد”.
وأوضح رئيس حزب “سوريا المستقبل”، إبراهيم القفطان، الذي كان ضمن وفد توجه إلى دمشق، في مقابلة أجرتها معه شبكة “رووداو” نهاية تموز الماضي أن النظام و”مسد” ناقشا تشكيل لجان تقوم بدراسة “القانون 107” الخاص بالإدارة المحلية، ومشروع الإدارة الذاتية، و”بعدها ستكون هناك مخرجات”، بحسب رئيس حزب “سوريا المستقبل”، إبراهيم القفطان، الذي كان ضمن وفد توجه إلى دمشق.
ومع تعطل المفاوضات بين النظام و”مسد” نتيجة تراجع الولايات المتحدة عن “انسحابها التام” من سوريا، عاد الكرد إلى المطالبة بـ “لامركزية سياسية وإدارية” تثبّت مفهوم “الإدارة الذاتية” القائم، وتتنافى مع مضمون القانون 107 الذي تسير انتخابات الإدارة المحلية بموجبه.
مرشحو الحسكة قيد الاعتقال
في الوقت الذي لم تسفر فيه المفاوضات بين النظام و”مسد” عن اتفاقيات، استغل النظام السوري مناطق وجوده في مدينتي الحسكة والقامشلي، وأقام فيها مراكز انتخابية في إطار انتخابات الإدارة المحلية التي ستتم في 16 من أيلول الحالي.
وتقدم بطلبات ترشح لهذه الانتخابات في محافظة الحسكة 3100 شخص، الأمر الذي دفع محللين سياسيين إلى الربط بين هذا العدد الكبير من المتقدمين، و”تفاهمات” كان يجري ترتيبها بين النظام و”مسد”.
بالمقابل، أقدمت “الإدارة الذاتية”، عقب توقف المفاوضات مع النظام على اعتقال عدد من مرشحي الوحدات الإدارية، في خطوة يراد منها تثبيت الموقف الكردي الساعي لانتزاع اعتراف من النظام بـ “لا مركزية سياسية”.
وقالت وكالة “سمارت” الأسبوع الماضي إن الإدارة الذاتية اعتقلت 200 شخص رشحوا أنفسهم للانتخابات التي يجريها النظام، ونقلت الوكالة عن رئيس “هيئة الداخلية” في الإدارة الذاتية، كنعان بركات، قوله “إنها الجهة الوحيدة التي تدير المنطقة وفرضت نفسها في جميع المجالات”، وإن “كل شخص يترشح لانتخابات النظام سيتعرض للملاحقة القانونية، ويشترط في إطلاق سراحه كتابة تعهد بعدم الترشح مجددًا”.
مع هذه الدراسة لتفاصيل وإجراءات قانون الإدارة المحلية رقم “107” والانتخابات المقبلة، يبدو أن النظام السوري يريد توجيه هذه الانتخابات إلى الخارج، لتكون ورقة تفاوض بعد مطالب دولية بالوصول إلى لامركزية تلبي تطلعات مكونات طائفية ومناطق تتخذ موقفًا سياسيًا واضحًا من النظام السوري.
أما داخليًا فتقود الانتخابات والإجراءات المتعلقة بها إلى تكريس مركزية دمشق، والإمساك بخيوط كل مناطق الأرض السورية وملفاتها السياسية والاقتصادية مجددًا، فهل يستطيع النظام بدعم حلفائه تطويع المناطق الخارجة عن سيطرته؟