عندما دخلت المرأة السورية سوق العمل، اعتبرها كثيرون أنها حققت إنجازًا غير مسبوق بالنسبة لكثير من دول المنطقة، لكن العادات أطّرتها ضمن مهن محددة تعتبر أنها تناسب طبيعتها الأنثوية، كالطب، والتدريس.
لكنها بدأت مؤخرًا تنافس الرجال في أعمال عدها المجتمع حكرًا عليهم، كأن تقود حافلة ركاب، أو سيارة أجرة، أو حتى تعمل في أعمال البناء.
وكانت آخر النساء السوريات اللواتي اقتحمن وظائف الرجال، ما اعتبره البعض غير تقليدي، مدربة كرة القدم مها جنود.
كان خبر إدارج اسم المدربة مها جنود في الكادر التدريبي لنادي “المحافظة” الدمشقي لكرة القدم، بصفة مساعدة مدرب لتكون أول امرأة تستلم هذا المنصب في تاريخ سوريا، مفاجئًا للكثيرين.
وقالت جنود في حديث لموقع تلفزيون “الجديد” اللبناني، الثلاثاء 28 من آب، إن “تدريبي لفريق الرجال ليس بالأمر الصعب، كون التدريب واحدًا، والذي يسهل مهمتي أنني أعرف اللاعبين جيدًا كوني ابنة النادي منذ 14 عامًا كنت فيها مدربة الفئات العمرية من الناشئات إلى السيدات، وكنا نجري الكثير من المباريات الودية مع فئات النادي من الذكور، لذلك فاللاعبون ليسوا غريبين عني، وهناك احترام متبادل بيننا”.
ويضم الطاقم الفني أنس السباعي مديرًا فنيًا، وعدنان دحلة مدربًا، ومها جنود مساعدة مدرب.
ويلعب نادي “المحافظة” ضمن فرق دوري الدرجة الأولى، ويأتي تعيين جنود قبل بدء انطلاق منافسات الدوري السوري لكرة القدم.
ومها جنود متخرجة في المعهد الرياضي بدمشق، ولاعبة كرة قدم سابقة، وسبق أن تسلمت عدة مهام تدريبية في قطاع كرة القدم النسائية، أبرزها تدريب منتخب سوريا النسائي تحت 15 عامًا، في العام الماضي.
وأضافت جنود، “وصولي إلى هنا جاء نتيجة جهد متواصل، حيث حصلت على رخصة في التدريب والمحاضرة من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم”.
وعن مدى تقبل اللاعبين لدورها في الفريق، قالت، “في اليوم الأول لمحت بعض الاستغراب في عيون اللاعبين، ومع مرور الوقت بدأوا يستوعبون الأمر ويتقبلونه”.
ولعبت جنّود في المنتخب السوري للسيدات بين أعوام 2004 و2008، قبل أن تبتعد عن اللعب بعد تعرضها للإصابة بتمزق غضروفي.
وفي مجال التدريب شاركت جنّود في العديد من الدورات التي أقامها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وحصلت على شهادة تدريب في قطر وذلك بتنظيم من الاتحاد الآسيوي للعبة، وكانت العنصر الأنثوي الوحيد المشاركة في الدورة وجاءت ثالثًا، وهذا المركز أهلها لمشروع مدربي المستقبل بحضور نخبة من المحاضرين الآسيويين.
وتحلم جنود أن تصعد بفريقها إلى الدرجة الممتازة، وتحجز له مقعدًا مهمًا في منافسات الدوري السوري، كخطوة أولى في مشوارها التدريبي في عالم الرجال.
ولم تكن جنود الأولى بين نساء سوريا التي تعمل في وظيفة غير تقليدية، فسبقتها نساء أخريات تميزن بهذه المهن ومنهن:
الحكم أليسار بدور وربا زرقا
نشر نادي تشرين الرياضي في كانون الثاني 2018، صورًا لأليسار بدور حكم الراية في أحد ملاعب اللاذقية، وهي المرة الأولى التي تحكم فيها مباراة للرجال.
أليسار تنحدر من عائلة رياضية فشقيقها عمار بدور الحكم في الدرجة الأولى، وسبق لها أن ترشحت للوصول إلى اللائحة الدولية.
وأليسار وعمار هما أبناء الحكم الاتحادي السابق طلال بدور.
وليست أليسار السيدة السورية الأولى التي حكمت في مباريات للذكور، فسبقتها الحكم ربا زرقا، التي كانت أول سيدة عربية ضمن طاقم تحكيم مباراة كرة قدم.
وشاركت زرقا في مباراة في شباط 2011 لدوري الدرجة الأولى للشباب في درعا، بين الشعلة والاتحاد، كحكم مساعد.
وتعتبر زرقا أول عربية تحصل على الشارة الدولية من الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، وحكمت في مباريات الدرجة الأولى في الدوري السوري.
ولا توجد في قوانين “فيفا” ما يمنع النساء من التحكيم في مباريات كرة القدم للرجال، ولم يشترط في الحكم أن يكون رجلًا.
الكابتن وداد شجاع
في عام 1998 وفي إحدى الرحلات المتوجهة من دمشق إلى القاهرة فوجئ الركاب بصوت نسائي يقول “الكابتن وداد شجاع ترحب بكم على متن الـ (بوينغ 727)، وتتمنى لكم سفرًا سعيدًا ووصولًا بالسلامة”.
كانت تلك أول مرة تقود فيها وداد شجاع طائرة ركاب من مطار دمشق الدولي إلى مطار القاهرة، كأول امرأة سورية تدخل هذا المجال.
وداد شجاع هي ابنة الكابتن السوري عدنان شجاع، وكانت اتجهت إلى مجال الطيران في سوريا قبل أن يتم إيفادها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للتدريب، حتى أصبحت جديرة بقيادة طائرة الركاب “بوينغ 727”.
وتحدثت عن تجربتها الأولى في حوار أجرته معها جريدة “الحياة” اللندنية، نشر في 9 من تشرين الأول 1999، وانتقدت تأخر انضمام النساء العربيات إلى مجال الطيران.
وخلال عملها كقائدة طائرات حلقت شجاع برحلات عدة من سوريا إلى دول أوروبية عدة بطائرات “إيرباص 320”.
وتتحدث الكابتن السورية في لقاءات صحفية عدة عن مدى التشجيع الذي حصلت عليه من عائلتها وأصدقائها، ومن الركاب الذين كانوا يسرون لقيادة امرأة للطائرة التي يستقلونها.
والكابتن وداد شجاع من مواليد محافظة السويداء جنوبي سوريا، عام 1979، وهي أم لولدين.
ولوالد وداد، عدنان شجاع، شهرة كبيرة في مجال الطيران، وذلك بعد أن تمكن في ثمانينيات القرن الماضي من إعادة طائرة الركاب السورية إلى مطار “أورلي” قرب باريس بعد إقلاعها بقليل، بعد أن ضربت صاعقة جوية قمرة القيادة.
وإثر الحادثة منح الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتيران، الكابتن السوري وسام الشجاعة.
أما على مستوى الوطن العربي فهناك الكثير من التجارب لنساء عربيات في قيادة الطائرات المدنية.
–