هل تعود “مدينة المفروشات” إلى الغوطة الشرقية؟
دمشق – ماري العمر
مع استقرار الأوضاع الأمنية في الغوطة الشرقية بدأ أصحاب المهن فيها بإعادة تأهيل ورشاتهم والعمل بما تبقى منها، وعاد عدد من النجارين إلى صناعة الموبيليا، ولا سيما في مدينة سقبا وسط الغوطة، التي اشتهرت بهذه الصناعة قبل الثورة السورية.
وأقفل الكثير من النجارين ورشاتهم الصناعية مع بداية العمل المسلح في المنطقة، وأوقف البقية أعمالهم بعد انقطاع الكهرباء عن المنطقة في مطلع عام 2013.
خلال سنوات الحصار الخمس التي عاشتها المنطقة، اكتفى بعض العاملين في المهنة الأشهر في مدن وبلدات وسط الغوطة، بإصلاح ما يدمره القصف من أبواب وأثاث، والعمل ضمن مشاريع المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة.
واليوم يعود عدد من النجارين الذين بقوا في الغوطة إلى مهنتهم مع عودة التيار الكهربائي إلى المنطقة، والذي يعتبر عصب الورشات، إلى جانب المواد الأولية من أخشاب ومسامير وغراء وطلاء وغيرها.
محمد الخطيب، أحد نجاري مدينة سقبا، عاد لمهنته بعد غياب سبع سنوات، حول فيها صالة العرض الخاصة به إلى محل لبيع الخشب والحطب الخاص بالطهي والتدفئة، بعد غياب المواد الأولية وانقطاع الكهرباء، واضطر إلى تحطيم الكثير من المصنوعات التي كان يملكها وبيعها للاستعمال المنزلي.
ويشير الخطيب إلى أن خسارته تجاوزت مليوني ليرة سورية في بداية الثورة أي ما يعادل حاليًا أربعة آلاف دولار أمريكي، إذ أتلفت الكثير من أطقم الموبيليا بسببب القصف، بينما اضطر لبيع العشرات من غرف النوم والجلوس بأقل من نصف سعرها الأصلي.
وكان الكثير من النجارين في المنطقة يعتمدون على تصدير إنتاجهم إلى المحافظات الأخرى في سوريا، إلى جانب تصدريها بشكل رئيسي إلى دول الخليج، وفق محمد.
محطات مرت بها مهنة النجارة في الغوطة
مطلع الألفية الجديدة ومع تحسن العلاقات السورية- التركية وانفتاح السوق السورية على الاستيراد والاستثمار، دخلت المفروشات التركية والصينية إلى سوريا، ما سبب منافسة يعتبرها أصحاب المهنة “غير عادلة” بين المصنوعات المحلية والمستوردة والتي تعتبر أقل تكلفة وأرخص ثمنًا من المحلية، ما دفع المستهلك لشرائها وعزف عن الصناعة المحلية التي تتفوق على المستوردة بالجودة، إلا أن الأسعار المنخفضة والأشكال العصرية للأخيرة جعلتها أكثر رواجًا.
دفع ذلك أصحاب صالات عرض المفروشات في مدينة سقبا لإقامة مهرجان المفروشات الأول في سوريا، في 15 من تموز عام 2008، واستمرت فعالياته لمدة سبعة أيام وعرضت فيه أعمال من صناعة محلية، وفق “أبو خالد” (55 عامًا) وهو صاحب إحدى صالات المفروشات في مدينة سقبا.
وأضاف “أبو خالد”، الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن مهرجان 2008 نجح في تعريف الزوار الذين ترددوا على المدينة بصناعة المفروشات المحلية ومدى جودتها، وعمد أصحاب صالات العرض إلى الحسومات والعروض لضمان زيادة بيع المفروشات وضمان استمرار المهنة على ما كانت عليه.
ومع انطلاق الثورة مرت المهنة في المنطقة بعدة مراحل، كانت أولاها عزوف الزبائن عن زيارة المدينة بسبب المظاهرات والاحتجاجات التي اشتدت تدريجيًا قبل أن تقتحم قوات الأسد الغوطة الشرقية، في 27 من كانون الثاني عام 2012، لتنعدم حركة البيع والشراء في أحد أكبر أسواق المفروشات في سوريا.
ومع اشتداد النزاع في المنطقة اختفى التجار المستوردون للمفروشات، الذين كان معظمهم من لبنان والعراق والأردن ودول الخليج، وفق “أبو خالد”، مضيفًا أن ذلك سبب كسادًا كبيرًا بالبضاعة لم يتمكن أصحابها من إخراجها من المنطقة ليباع الكثير منها بأقل من نصف سعرها، ويتحول قسم آخر إلى حطب للتدفئة والطهي ما سبب خسارة كبيرة لأصحابها.
واليوم لجأ مئات العاملين بهذه المهنة إلى الدول المجاورة ولا سيما تركيا، إذ يقطن المئات من النجارين فيها ويمارسون مهنتهم التي كانت سابقًا مصدر دخل كبير لهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :