عنب بلدي – وكالات
إلى جانب ملف اللاجئين وإعادة الإعمار، تتصدر اللجنة الدستورية المشهد السياسي في سوريا على مدار الأشهر الأخيرة، منذ إقرار تشكيلها في مؤتمر “الحوار الوطني” في مدينة سوتشي مطلع العام الحالي.
وبدأت روسيا منذ ذلك الوقت بالترويج لها كنقطة رئيسية من شأنها أن ترسم مستقبل المرحلة المقبلة في سوريا، بعد انتهاء العمليات العسكرية التي تقودها روسيا مع النظام السوري.
الدعوة الأخيرة جاءت من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، والذي دعا الدول “الضامنة” لاتفاق “أستانة” (روسيا وإيران وتركيا) لبحث اللجنة الدستورية في سوريا في 11 و12 من أيلول المقبل في جنيف.
لكنه غض الطرف عن دعوة الطرفين السوريين الرئيسيين لتلك المباحثات، وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن متحدثة باسم الأمم المتحدة، الجمعة 24 من آب.
دعوة دي مستورا تزامنت مع التحركات المكوكية التي تجريها روسيا من أجل إنجاح خطتها المزدوجة بشأن إعادة اللاجئين، وإشراك المجتمع الدولي في إعادة إعمار سوريا.
وطرحت روسيا في مؤتمر سوتشي فكرة الدستور الجديد وسربت جزءًا من مسودته للأطراف المعنية، لكنها لم تستشر أي فريق سوري في تلك المسودة بمن في ذلك حليفها النظام السوري، وفق تصريح سابق لمدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله لعنب بلدي.
وبعد فشل محادثات “أستانة” و”سوتشي” وإطلاق الأمم المتحدة لفكرة اللجنة الدستورية، حرصت روسيا على الضغط على المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا لضمان حصة 50% من أعضاء اللجنة للنظام، و30% للمعارضة والبقية من خبراء دوليين.
لكن اللجنة شكلت أخيرًا بـ 50 عضوًا من النظام، و50 من المعارضة، و50 محسوبين على المجتمع المدني.
وأوضح العبد الله، في تصريح سابق، أن ذلك يعني ضمان روسيا أن أي تغيير حقيقي في الدستور لن يحصل، والتغيير الوحيد المسموح هو المقبول روسيًا.
وكما هو الحال بالنسبة للفريقين السوريين باتت أمريكا خارج سباق اللجنة الدستورية، إذ لم يكن لها أي دور سواء في مؤتمر “الحوار الوطني” أو فكرة تعديل الدستور المنبثقة عن نتائجه، بل كان الموقف الأمريكي ضبابيًا في البداية ليعود ويؤكد على التمسك بمؤتمر “جنيف” والعملية السياسية الناتجة عنه.
ولكن الصمت الأمريكي تجاه اللجنة الدستورية أو “سوتشي”، لا يعني أنها تقف موقف المتفرج على العملية السياسية في المنطقة، ولا سيما أنها حسمت موقفها في البقاء بمواقعها شمال شرقي سوريا.
وهذا ما عبر عنه رئيس “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) ، رياض درار، بتصريحه لصحيفة “روناهي” (الكردية)، الأربعاء 22 من آب، إذ قال إنه “لا مكان لأستانة ولا لسوتشي والحل لن يسير إلا في العربة الأمريكية”.
واعتبر رئيس المجلس، المدعوم من الولايات المتحدة بشكل مباشر، أن أمريكا تعود حاليًا عبر التعيينات الجديدة والتصريحات لتمارس نفوذها في استعادة المبادرة السياسية الدولية، بعد أن قاربت من إنهاء تنظيم “الدولة” شرقي سوريا.
وربط درار العودة الأمريكية بتعيين جيمس جيفري ممثلًا خاصًا لسوريا، وهو المعروف بمواقفه الهجومية ضد روسيا وإيران.
وكانت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أوضحت أن جيفري سيقود الجهود الأمريكية لإعادة تنشيط جهود السلام المتوقفة منذ فترة طويلة والمعروفة باسم “عملية جنيف”.
لكن دي مستورا يأمل بتشكيل اللجنة الدستورية السورية قبل انتهاء العام الحالي، الأمر الذي عبره عنه مستشاره، فيتالي نعومكين، في حزيران الماضي، وقال، “أظن أنه (بدء عمل اللجنة) سيتم العام الحالي. أنا واثق 100% من ذلك”.
وقال دي مستورا للصحفيين قبل أسابيع، “لقد انتهينا من المشاورات بخصوص اللجنة الدستورية (مع الدول الضامنة)، لقد كان اجتماعًا مفيدًا”.
وتحاول روسيا الإسراع في تشكيل لجنة دستورية وتغيير الدستور عقب انتهاء العمليات العسكرية في دمشق والجنوب، مع الدفع باتجاه تنفيذ خطتها الثنائية المتعلقة بإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار في سوريا.
لكن المبعوث الأممي إلى سوريا، دي مستورا، أكد ضرورة تقديم الحل السياسي على مشروع إعادة الإعمار في سوريا، وتجنيب إدلب أي أزمة إنسانية، وذلك خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من الإبهام والغموض اللذين يلفان الموقف الأمريكي الرسمي من اللجنة الدستورية السورية وتشكيلها، ما زالت روسيا تمضي قدمًا بفرض حلها السياسي والعسكري على الساحة السورية.