مقاه وحلويات وألبسة مستعملة.. العيد يزور الطبقة من جديد
الرقة – برهان عثمان
في مقهى على ضفاف بحيرة الطبقة، يجلس أكرم (34عامًا) مع عائلته، مستمتعًا بصوت الموسيقى ومشهد غروب الشمس الذي يصبغ البحيرة بلون ذهبي، بينما يقضي أولاده الثلاثة الوقت في اللعب، مجسدين المعنى الحقيقي لبهجة العيد التي لم يختبروها من قبل.
تصل إلى أكرم، وهو أحد النازحين من مدينة دير الزور إلى الطبقة، أصوات الأطفال الذين يستمتعون باللعب، ممتزجة بضجيج قادم من السوق المزدحم والمقاهي القريبة، لتعود تلك الأصوات به إلى مرحلة ما قبل دخول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى المنطقة.
“أنا سعيد لأن أطفالي بدأوا باستعادة طفولتهم وحياتهم الطبيعية”، يقول أكرم لعنب بلدي، ثم يستذكر الفترة التي سبقت نزوحه من مدينة دير الزور، وأيام الحصار التي عاشها مع عائلته وعوائل أخرى في منطقة عايد، التي كانت تشكل الحد الفاصل وخط المواجهة الأخير بين عناصر قوات “سوريا الديمقراطية” وعناصر التنظيم في مدينة الطبقة.
ويشير أكرم إلى أن المواجهات الأخيرة استمرت لمدة ثمانية أيام، عانت فيها العائلات الموجودة في المنطقة من الجوع والعطش والرعب، قبل أن تتقدم “قسد” وتسيطر على المدينة خلال شهر أيار من العام الماضي.
“عُمرٌ جديد”
“كان أولادي يلتصقون بي بينما تعبر القذائف فوقنا ونحن محاصرون بين الطرفين”، بهذه الكلمات يصف أكرم حال أطفاله خلال فترة الحصار، مشيرًا إلى أن الفترة التي تلت خروج التنظيم لم تكن أفضل بكثير، إذ تم نقل المدنيين إلى مخيم قريب ووُضعوا في العراء، قبل أن يسمح بدخولهم إلى مدينة الطبقة التي كانت خالية من أبسط الخدمات.
عاش أكرم مع أطفاله أشهرًا صعبة ومؤلمة، لكنه يرى نفسه اليوم أكثر استقرارًا، إذ أصبح لديه دخل جيد بعد أن وجد عملًا في إحدى الإدارات المدنية التابعة للإدارة الذاتية.
ويعيش في مدينة الطبقة اليوم، جزءٌ كبير من سكانها الأصليين الذين نزحوا خلال فترة سيطرة التنظيم، إضافة إلى نازحين من دير الزور ومناطق قريبة أخرى، كما أعادت الإدارة الذاتية بعض الخدمات الأساسية إلى المدينة، ونشطت حركة الأسواق فيها.
ذلك الاستقرار الذي بدأ يطبع المدينة هو “العيد الحقيقي” من وجهة نظر أكرم، الذي قال لعنب بلدي، إن “العيد هو ضحكة الأطفال وفرحهم وتنقلهم بأمان”، مضيفًا، “لقد كتب لنا عمر جديد، لنعيش هذه الأيام والأعياد”.
رائحة الحلويات تفوح مجددًا
بعد سنوات نسيت فيها السيدة حميدة السعيد طقوس العيد، أصرت خلال عيد الأضحى أن تعيد رائحة كعك العيد إلى منزلها من جديد.
تقول حميدة السعيد (45 عامًا) لعنب بلدي، “اشتقنا لزحمة الناس وتهاني العيد وأجواء الفرح.. المناسبات السعيدة استعادت رونقها وطعمها”.
أقراص “الكليجة” والحلويات المتنوعة حضرت في منازل أغلب أهالي مدينة الطبقة، كما حضرت في زيارات الأهل والجيران التي انقطعت خلال السنوات الماضية.
وتشير حميدة السعيد إلى أن أوضاع الكثير من الأهالي والنازحين في المدينة تسير نحو الاستقرار رغم مخاوفهم من عودة النظام، فالعيد بالنسبة لهذه السيدة هو توفر التعليم والماء والكهرباء والدواء، لافتةً إلى أن حالة الاستقرار والأمان النسبي التي تعيشها المنطقة أدت إلى استئناف الحياة الاجتماعية من جديد وحسّنت من وضع الأهالي.
الألبسة المستعملة تصنع عيدًا
بالقرب من المركز الثقافي، الواقع في الحي الثاني من مدينة الطبقة، تجمع مئات الأشخاص في الفترة التي سبقت عيد الأضحى عند المحال التي تبيع الألبسة المستعملة، وهو ما يشير إلى تحسن الأوضاع المادية للأهالي.
يقول محمد السعيد )51 عامًا)، وهو صاحب محل بقالة في المدينة، إن حركة البيع والشراء تحسنت بشكل كبير في المدينة، مضيفًا أن هذا التحسن انعكس في موسم العيد بشكل إيجابي دخلًا إضافيًا على العاملين في قطاعات التجارة والنقل والخدمات.
ويرى السعيد أن فترة الأعياد حرّكت الأسواق وأنعشت الدورة الاقتصادية، وأدت إلى زيادة في العرض والطلب على السلع المختلفة داخل أسواق المدينة.
وكانت “الإدارة الذاتية” وفرت عقود عمل لمئات من سكان الطبقة لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر، بأجور مادية تتراوح بين 80 و120 ألف ليرة سورية.
كما ساعد انتشار المنظمات المدنية وورش الإصلاح والترميم والبناء بإيجاد العديد من فرص العمل في مختلف القطاعات، وهو ما حسّن الحالة المادية لبعض السكان ونشط بالتالي حركة التجارة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :