الصمت يدفع المعتدي إلى التمادي
أطفال حولتهم التقاليد من ضحايا “العنف الجنسي” إلى مذنبين
عنب بلدي – حلا إبراهيم
“تكتم على القضية.. لا تخبر أحدًا.. وإلا ستعاقب”، هكذا يقابل بعض الأهالي أطفالهم عند علمهم بتعرضهم لانتهاك يندرج في إطار العنف الجنسي، ومع التلويح بالعقوبة يعيش الطفل جوًا من “العار” والشعور بالذنب والخشية من “فضح” القضية.
وفي مجتمع تسوده العادات والتقاليد تستخدم كلمة “العار” سلاحًا ضد الضحية وطوقًا لنجاة الجاني، ويتحول الأطفال من ضحايا اعتداءات جنسية، قد تصل حد الاغتصاب، إلى مذنبين في نظر ذويهم قبل بقية الناس.
ما هو العنف الجنسي ضد الأطفال؟
يشكل العنف الجنسي ضد الأطفال انتهاكًا جسيمًا لحقوق الطفل، بحسب منظمة الأمم المتحدة لحقوق الطفل (يونيسيف)، ومع ذلك فهو يمثل أيضًا واقعًا عالميًا في جميع البلدان وبين جميع الفئات الاجتماعية، وهو يأخذ شكل الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو الاستغلال في الدعارة أو المواد الإباحية.
ويمكن أن يحدث في المنازل أو المؤسسات أو المدارس أو أماكن العمل أو مرافق السفر والسياحة، وتحذر “يونيسيف “ من أن تسهم الهواتف النقالة والإنترنت، بشكل متزايد، في تعريض الأطفال لمخاطر العنف الجنسي، لأن بعض البالغين يبحثون على الإنترنت سعيًا وراء إقامة علاقات جنسية مع أطفال.
وتوجد زيادة في عدد وتداول صور الاعتداء على الأطفال، وكذلك يرسل الأطفال لبعضهم البعض رسائل أو صورًا جنسية على هواتفهم النقالة، ما يسمى “sexting” أو “الرسائل الجنسية”، الأمر الذي يعرضهم لمخاطر أخرى من الاستغلال.
الصمت يدفع المعتدي إلى التمادي
كان ما حصل في إحدى قرى ريف طرطوس، عما تم تداوله عن قيام أحد سكان القرية باغتصاب 14 طفلًا، مؤشرًا واضحًا على صمت الأهالي الذين لم يتقدموا بأي شكوى ضد الفاعل رغم معرفتهم به، الأمر الذي تسبب بوقوع طفل آخر ضحية له.
وقد أشار وزير العدل السوري، هشام الشعار، في مؤتمر صحفي من طرطوس، في 17 من آب الحالي، إلى أنه لا توجد ادعاءات بخصوص حالات أخرى في الملف بحق المدعى عليه، وقال إن “هذا لا ينفي أنه ارتكب هذا الفعل بحق هؤلاء الأطفال ولا يثبته، ربما وقع وربما لا”.
وجاءت تصريحات الشعار على خلفية ظهور والد الطفل المعتدى عليه في تسجيل مصور، حقق انتشارًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يتهم القاضي الذي أخلى سبيل شخص اغتصب 14 طفلًا بعد 17 يومًا فقط، بالرشوة، والفساد.
ويرى الاختصاصي النفسي أحمد شيخاني، في حديث إلى عنب بلدي، أن القضية مرتبطة برد فعل الأهالي الذين يعتبرون ذلك الاعتداء “وصمة عار”، وبالتالي لا يبلغون عن الجاني.
ويقول شيخاني، “يعير المجتمع الطفل المعتدى عليه بتجارب سيئة، وهذا يرجع لعدم وجود ثقافة التعامل مع هذا النوع من المشكلات، والتي يجب أن تعتبر الطفل ضحية وليس مذنبًا، أو ناجيًا من تجربة سيئة”.
ماذا يقول القانون السوري؟
وزير العدل، هشام الشعار، أشار إلى أن نتائج الفحص الطبي للطفل المبلّغ عن وقوع الاعتداء عليه جاءت سلبية، أي أنه لا توجد عليه آثار أي اعتداء جنسي، منوهًا إلى أن عدم وجود آثار اعتداء لا تنفي وقوعه، بحسب نص قانون العقوبات السوري.
وميز قانون العقوبات السوري بين أنواع للاعتداء بحسب درجتها والتي من أشدها الاغتصاب، ثم يأتي التحرش، والفعل المنافي للحشمة، والتعرض للآداب العامة.
وهذه الجرائم (ما عدا الاغتصاب) جنح، أي لا تزيد عقوبتها عن السجن لمدة ثلاث سنوات.
بينما تصل عقوبة الاغتصاب إلى الأشغال الشاقة مدة 15 عامًا، تشدد إلى 21عامًا إذا كان المعتدى عليه قاصرًا.
وتعلو الأصوات الحقوقية المطالبة بتعديل قانون العقوبات السورية برفع السن التي يتم تشديد العقوبة فيها في حال ارتكاب الاعتداءات الجنسية على الأطفال، فبدلًا من أن يكون معيار اعتبار الطفل قاصرًا يتفاوت بين 12 سنة و16 سنة، بحسب الحالة، يريد الحقوقيون اعتبار المعتدى عليه قاصرًا في سن الطفولة المعتمد في القانون المدني واتفاقية حقوق الطفل، أي من الولادة وحتى سن 18.
أسباب وآثار يخفيها الصمت
غالبًا يعامل الأهل ومن بعدهم المجتمع من وقع ضحية للاغتصاب معاملة المذنب أو الشريك في الجرم، ويصمه بذلك طوال عمره.
ويعزو شيخاني هذا السلوك في المجتمع إلى خشية الأهل مما يعتبرونه “فضيحة”، ومن جهة أخرى يلام الطفل المعتدى عليه لأنه الطرف الأضعف.
أما عن آثار هذا السلوك بالتعامل مع القضية فيوضح شيخاني، “الآثار سيئة جدًا على الطفل، فأحيانًا يمتنع الطفل عن إخبار أهله بسبب خوفه وهذا طبيعي، لأنه لا يدرك أنه غير مذنب، بينما المعتدي يوهم الطفل أنه شريك ومذنب، ويهدده بفضح أمره إن هو أخبر أحدًا، بالإضافة إلى حالات من الخوف من المحيط الاجتماعي، بسبب ما تسبب له من أذى، واضطرابات نفسية تتحول أحيانًا إلى وسواس قهري”.
ومن الآثار الشديدة، وهي “حالات قليلة”، بحسب شيخاني، يمكن أن يتحول من تعرض لاعتداء في طفولته إلى معتد، في محاولة لاختبار هذا الفعل الذي ارتكبه المعتدي منذ زمن، أو من الممكن أن ينعكس لدى المعتدى عليه بسلوكيات جنسية شاذة، إن هي تضافرت مع عوامل أخرى.
رعاية ضحية الاعتداء الجنسي
تختلف أنواع الرعاية بحسب نوع الاعتداء الذي تعرض له الطفل، فهناك التحرش لمرة واحدة أو التحرش المتكرر، وأحيانًا الاغتصاب، وكل هذه الأفعال لها أعراض يجب أن يلاحظها الأهل.
وينوه شيخاني إلى أن هناك حالات يكون فيها المعتدي من العائلة أي المحيط المألوف للطفل، ويتمتع أصلًا بثقة الطفل فلا يعاملون معاملة الغرباء، وهذه تعد حالة من الحالات التي يتستر فيها الأهل على الاعتداء الذي حصل لطفلهم، بحجة عدم إلحاق العار بالعائلة.
في الأصل يجب أن يكون الأهل حريصين على تعامل المحيط القريب منهم مع طفلهم، ويجب ألا يثقوا بجميع الناس حتى الأقارب، هذا النوع من السلوكيات يجب أن يكون مضبوطًا، ويجب الانتباه من علامات قد تظهر على الطفل، منها خوفه من الاختلاط ببعض الناس، واضطراب في سلوكه بالإضافة إلى مشاكل صحية، قد تظهر لديه، على حد قول شيخاني.
ورغم أنها صدمة للأهل إلا أن صوت العقل يجب أن يكون هو المسيطر، فالطفل ليس مذنبًا بكل الأحوال، إنما هو ضحية وناج من اعتداء، ويجب أن يعطى مجالًا للتكلم عن تجربته والتواصل مع الآخرين، وتشجيعه على الانخراط بالمجتمع، لأن ذلك يمنحه شعورًا بالاطمئنان والثقة بمن حوله.
أرقام أممية عن العنف الجنسي ضد الأطفال
بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الربع من مجموع الأشخاص البالغين يبلّغون عن تعرضهم للإيذاء الجسدي في مرحلة الطفولة، وإن واحدة من بين خمس نساء وواحدًا من بين 13 رجلًا يبلغون عن تعرضهم للإيذاء الجنسي في مرحلة الطفولة.
كما يتعرض كثير من الأطفال للإيذاء العاطفي (الذي يُشار إليه في بعض الأحيان بمصطلح الإيذاء النفسي) والإهمال.
وفي النزاعات المسلحة ومستوطنات اللاجئين تتعرض الفتيات، بوجه خاص، للعنف الجنسي والاستغلال والإيذاء من قبل المقاتلين وقوات الأمن وأعضاء مجتمعاتهن المحلية والعاملين في مجال المعونة وغيرهم.
في عام 2002، أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 150 مليون فتاة و73 مليون صبي دون سن 18 سنة أجبروا على ممارسة الجنس القسري أو غيره من أشكال العنف الجنسي التي تنطوي على اتصال جسدي.
ومن المرجح أن هناك ملايين آخرين يتم استغلالهم في الدعارة أو المواد الإباحية كل عام، وفي أغلب الأحيان يتم إغراؤهم أو إجبارهم من خلال الوعود الكاذبة والجهل بالمخاطر. ورغم ذلك فإن الحجم الحقيقي للعنف الجنسي ما زال مخفيًا، بسبب طبيعته الحساسة وغير المشروعة.
كما أن معظم الأطفال والأسر لا يبلغون عن حالات الإيذاء والاستغلال بسبب وصمة العار والخوف وانعدام الثقة في السلطات، وكذلك يسهم عدم التسامح الاجتماعي وانعدام الوعي في ضعف الإبلاغ، بحسب “يونيسيف”.
وتشير أدلة “يونيسيف” إلى أن العنف الجنسي يمكن أن تكون له عواقب خطيرة قصيرة الأجل وطويلة الأجل، وتأثيرات بدنية ونفسية واجتماعية، ليس فقط بالنسبة للبنات أو الأولاد، ولكن أيضًا لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية. وهذا يشمل تزايد مخاطر الأمراض، والحمل غير المرغوب فيه، والضغوط النفسية ووصمة العار والتمييز ومواجهة صعوبات دراسية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :