ضياء عودة | رهام الأسعد | عمار زيادة | نور عبد النور
مظلّة تركية كبيرة تتسع لمنطقة ريف حلب الشمالي المحاذي للأراضي التركية، غطت ما مساحته نحو 400 كيلو متر مربع، وصبغت المنطقة بطابع تركي على المستويات العسكرية والأمنية والمدنية.
البداية كانت قبل عامين، في 24 من آب 2016، حين انطلقت عمليات “درع الفرات” العسكرية التي قادتها تركيا، وقاتل فيها مقاتلون من “الجيش الحر”، سيطروا على مساحات واسعة من ريف حلب الشمالي كانت بيد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قوات سوريا الديمقراطية”.
وعلى الرغم من إعلان انتهاء عمليات “درع الفرات” في آذار من عام 2017، إلا أن الفصائل المعارضة المدعومة تركيًا، سيطرت في آذار الماضي على منطقة عفرين بالكامل، لتضيف 2% من مساحة سوريا إلى المنطقة التي باتت تسمى باسم العملية العسكرية التركية.
عدد سكان ريف حلب الشمالي: 2618845
يتوزعون إلى: 174507 عائلة موجودون في: 338 قرية |
وكان لا بد للدرع الذي صنعته تركيا في الشمال السوري أن يدعّم بأسس أمنية وعسكرية ومدنية، تجعل من ولاء العسكريين والمدنيين على السواء لمن يحميهم ويوفّر في مناطقهم خدمات كبيرة، لم تتوفر في سوريا مطلقًا.
مشاريع استثمارية كبيرة أطلقتها تركيا في ريف حلب الشمالي وفرت مصدر رزق للسكان الذين يحميهم جهاز شرطة مدنية، وتدير أمورهم مجالس محلية بإشراف ودعم مادي تركي، ويدرس أبناؤهم اللغة التركية في المدارس ويشترون منتجات تركية، ويقودون سياراتهم على طرق سريعة أنشأتها تركيا.
إضافة إلى ذلك، تحول الطابع التركي إلى هوية تركية على شكل بطاقات مدنية يتم توزيعها على السكان في مناطق عدة من ريف حلب الشمالي، تحمل معلومات الشخص وترتبط بنظام النفوس في تركيا.
وعلى خلاف أغلب المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في سوريا، شهدت مناطق “درع الفرات” في سوريا تأسيس أول “جيش” منظم، أنهى سبعة أعوام من الحالة الفصائلية وفتح الباب أمام تشكيل جسم عسكري مدرّب وممأسس ومدعوم من دولة يحتل جيشها المركز الثامن في قائمة أقوى جيوش العالم.
مأسسة عسكرية متكاملة شمالي حلب
ثمانية أشهر مرت على تشكيل “الجيش الوطني” من اندماج فصائل “الجيش الحر” في ريف حلب الشمالي، والذي اعتبر حالة “فريدة” من نوعها ضمن التراتبية العسكرية لفصائل المعارضة، عقب انطلاقة الثورة السورية وتحول الحراك السلمي إلى مسلح ضد قوات الأسد وحلفائها.
وبالتزامن مع التعددية الفصائلية التي شهدتها مناطق سيطرة المعارضة في السنوات الماضية، برز “الجيش الوطني” ككتلة عسكرية منظمة على خلاف باقي الفصائل، وكان لتركيا الدور الأبرز في تشكيله ودعمه، وإجبار الفصائل على الانتقال إلى حالة التنظيم بعد العشوائية التي شهدتها عقب بدء تشكيلها.
ويقول القيادي في “الجيش الحر”، مصطفى سيجري، إن ريف حلب الشمالي شهد في العامين الماضيين تشكيل “الجيش الوطني” وجهاز الشرطة المنتشر في جميع المناطق والمعني بالأمور المدنية، إلى جانب الشرطة العسكرية التي تختص بالتجاوزات العسكرية من قبل الفصائل والعناصر فيها.
جاء تشكيل “الجيش الوطني” بعد عملية “درع الفرات” التي سيطرت فيها فصائل “الجيش الحر” على ريف حلب الشمالي والشرقي من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكان إحدى عمليات التنظيم التي بدأتها تركيا في الريف الشمالي لحلب الملاصق لحدودها الجنوبية، إلى جانب الجوانب الأخرى على المستوى الخدمي والمدني والصحي. |
ويضيف سيجري لعنب بلدي أن الخطوات المذكورة جاءت لإعادة مأسسة “الجيش الحر” في المنطقة، ولإنهاء الحالة الفصائلية، مشيرًا إلى أن المنطقة من عفرين إلى جرابلس تنضوي في تشكيل واحد وهو “الجيش الوطني”، ويتم العمل حاليًا على المؤسسة العسكرية المتكاملة، والتي ورغم العمل الكبير الذي تحتاجه، إلا أن القائمين على المنطقة قطعوا أشواطًا كبيرة فيها.
ثلاثة فيالق وثلاث كليات
تمثلت حالة التنظيم التي يعرف بها “الجيش الوطني” بالفيالق المكونة له، والتي تم تقسميها بعد الإعلان عنه بأيام، إذ ينبثق عنه ثلاثة فيالق (الفيلق الأول، الفيلق الثاني، الفيلق الثالث) كانت آخر أعمالها العسكرية السيطرة على منطقة عفرين إلى جانب الجيش التركي.
وفي الفترة التي أعقبت تشكيل الفيالق، جردت الفصائل من مسمياتها، وتم التعامل معها كجيش واحد، على أساس ثلاث فرق في كل فيلق، وثلاثة ألوية ضمن كل فرقة، إضافةً إلى ضم كل لواء لثلاث كتائب من المقاتلين.
ثلاث كليات أُنشئت كمراكز أساسية لـ “الجيش”، كانت أولها كلية “عبد القادر الصالح” التي تسلمتها “هيئة الأركان”، التي تدير “الجيش الوطني”، من فصيل “الجبهة الشامية” في 11 من تشرين الأول 2017، إضافةً إلى الكلية التي وضعت حجر الأساس لها، في 4 من تشرين الأول الماضي، على أن ينشئها “لواء المعتصم”، المنضوي في “الجيش الحر”.
بينما تسلمت “هيئة الأركان” في مطلع تشرين الثاني 2017، كلية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي من قبل “فرقة الحمزة”، بعد حوالي شهر ونصف من إنشائها، وتضم حوالي 2200 مقاتل يتلقون الخبرات العسكرية في قاعات مخصصة وساحات تدريب تم تجهيزها بعد السيطرة على مدينة الباب مطلع عام 2017.
كما ضمت “هيئة الأركان” مئات المقاتلين من “حركة أحرار الشام” في قطاع حلب، تزامنًا مع التنسيق بين كبرى فصائل الشمال السوري.
نائب قائد الأركان، العقيد هيثم العفيسي، تحدث لعنب بلدي عن “خطوات إيجابية” حول التنظيم العسكري يتم القيام بها شمالي حلب، وأشار إلى أن أعداد المقاتلين في منطقة “درع الفرات” تقدر بحوالي 25 ألف مقاتل.
شرطة وطنية للأمور المدنية
التنظيم العسكري الذي بدأته تركيا في ريف حلب لم يقتصر على تشكل “الجيش الوطني”، بل أضيف إليه جهاز “الشرطة الوطنية” والذي تركز عمله على حل المشاكل اليومية التي تعترض الأهالي.
تشكلت “الشرطة الوطنية” في شباط 2017 الماضي، وتلقت تدريبات في تركيا، وتخرّج منها دفعات عدة لتتسلم المراكز الأمنية في المدن والبلدات.
وتشمل التدريبات “التدخل ضد أحداث الشغب” و”قانون الشرطة” و”الانضباط العام”، إضافة للتدريب على “العمليات في الأماكن السكنية”، و”تدمير العبوات الناسفة”، و”الفحص الجنائي”.
وفي حديث لعنب بلدي مع القائد العام للشرطة، اللواء عبد الرزاق أصلان، قال إن الشرطة تتكون من جهازين، الأول “الشرطة المدنية”، والثاني “القوات الخاصة” التي تنحصر مهمتها في حفظ الأمن العام في المنطقة.
وكانت وكالة الأناضول أشارت في تقرير لها نشرته في تشرين الأول من العام الماضي إلى أن 5631 من السوريين بريف حلب خضعوا لتدريبات في خمس مدارس تابعة لأكاديمية الشرطة التركية، منذ كانون الأول 2016، واستلموا مهامهم في مدينة الباب، واعزاز، وجرابلس، بالإضافة إلى المئات الذين استلموا مهام أمنية في مدينة عفرين وريفها بعد إكمال السيطرة عليها بشكل كامل.
شرطة عسكرية ومحاكم
في آذار 2018 الحالي، وبعد ثلاثة أشهر من تشكيل “الجيش الوطني”، أصدرت “هيئة الأركان” جملة قرارات أوقفت فيها عمل المجالس العسكرية في ريف حلب، وأبقت المرجعية لها.
وبحسب القرارات حينها، أوقفت “الأركان” عمل جميع المجالس العسكرية بريف حلب الشمالي، على أن تغلق الفصائل كل السجون التابعة لها وتسلم الموقوفين لديها إلى الشرطة العسكرية التي أعلن عن تشكيلها.
كما تم تشكيل محكمة عسكرية بجميع كوادرها في مدينة الباب، وتشكيل الضابطة العدلية (شرطة عسكرية) في مناطق اعزاز والباب وجرابلس.
وفي استطلاع سابق أجرته عنب بلدي في ريف حلب، دعا الأهالي إلى منح الشرطة العسكرية صلاحيات، وطالبوا بتفعيل دورها والتنسيق “بشكل عال” مع قوى الشرطة والأمن المدنية، “لربط المنطقة بطوق أمني كامل وحمايتها بشكل أفضل”.
وبحسب القيادي في “الجيش الحر”، مصطفى سيجري، تختص الشرطة العسكرية بشؤون الفصائل والتجاوزات العسكرية ومخالفات العناصر، وذلك بعد سحب المقرات العسكرية التي تتبع للفصائل من المدن وتحويلها إلى الكليات والمعسكرات.
ويشير سيجري إلى أن جهازي الشرطة المدنية والعسكرية يرتبطان بشكل مباشر بـ “هيئة الأركان” العامة لـ “الجيش الوطني”.
يتضمن قوام كل فرع للشرطة العسكرية حوالي مئة عنصر، ويقود كل فرع قائد ونائبان له، وفي حديث سابق أجرته عنب بلدي مع الناطق باسم “الجيش الوطني”، محمد حمادين، قال إن مهمة المحكمة والشرطة تتمثل “بضبط الأمور العسكرية والمخالفات ضمن الفيالق وردعها”.
ولفت إلى أن “الشرطة هي الذراع التنفيذية للمحكمة العسكرية”، والتي تضم ستة قضاة على أن يُنتخب قاضٍ عام ورئيس لها قريبًا.
وعن اعتماد القانون في المحاكمات، أشار حمادين إلى أن “القضاة سيحكمون بما لا يخالف الشريعة الإسلامية وبمبادئ الثورة، على أن تختص المحكمة بالأمور العسكرية وقضايا المنتمين لتنظيم (الدولة الإسلامية) أو الخلايا المرتبطة بالنظام”.
اقتصاد ريف حلب بأياد تركية
ربما يكون الملف الاقتصادي أكثر ما يربط منطقة خرجت لتوها من الحرب بدولة تسعى لتثبيت وجودها فيها، فبعد طرد تنظيم “الدولة” من ريف حلب الشمالي، بدت المنطقة فقيرة معدمة دون بنى تحتية أو موارد لانتشالها.
السياسة التركية، بافتتاح مشاريع تنموية والاهتمام بالبنية التحتية وفتح باب الاستثمار، دفعت اقتصاد المنطقة إلى الاستقرار بمراحل متسارعة، لكن ذلك ربط المنطقة في الوقت ذاته بتركيا إلى درجة وثيقة، وصلت حد التأثر بتراجع قيمة العملة التركية مقابل الدولار، إثر الأزمة بين أنقرة وواشنطن.
منطلق لإعادة الإعمار؟
ومن أكبر الاستثمارات التركية إنشاء طرق سريعة بمواصفات عالمية تربط مدن شمالي سوريا، بحسب ما ذكرت صحيفة “يني شفق” التركية، في عددها الصادر في 30 من تموزالماضي، موضحة أن أعمال الطريق السريع الممتد من معبر الراعي الحدودي إلى مركز مدينة الراعي مستمرة.
وقالت الصحيفة إن هناك طريقين آخرين كجزء متصل بالطريق السريع الذي سيصل إلى الراعي، وسيمتد الطريق الأول حتى مدينة الباب، أما الطريق الثاني فسيمتد حتى مدينة جرابلس، مشيرة إلى مخطط لمد الطريق حتى مدينة منبج، بعد تنفيذ الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وخروج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) منها، والتي ستلعب دور البوابة التجارية بين شرقي حلب والعراق بفضل موقعها.
وتعتبر منطقة ريف حلب الشمالي ممرًا للشاحنات بين مختلف المناطق السورية الخاضعة لجهات مختلفة، من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية، في الشمال الشرقي لسوريا، إلى إدلب الخاضعة للمعارضة في الشمال الغربي، ومناطق سيطرة النظام السوري التي تحاذيها من الجنوب.
عنب بلدي تواصلت مع مدير العلاقات العامة والإعلام في المجلس المدني بمدينة الراعي، علاء حمد، وأوضح أن المشروع بتكلفة 60 مليون ليرة تركية وكان بإشراف تركي كامل، بالاعتماد على العمالة المحلية.
الحديث عن الطرقات فتح الباب أمام تحليلات اقتصادية ربطت بين إنشائها ودخول الشركات التركية إلى المنطقة من أجل البدء في إعادة الإعمار، في حين تحدثت الصحيفة عن وجود مخطط لتحويل منطقة تبلغ مساحتها 30 ألف كيلو متر مربع، تمتد من حدود تركيا لتشمل حدود حلب ومنبج، إلى منطقة عازلة بعد استتباب الأمن فيها، لتتحول إلى مركز تجاري يحتضن عمليات إعادة الإعمار في سوريا.
من جهته أرجع الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري، ملهم جزماتي، إنشاء الطرقات إلى مد شريان (اقتصادي) لمناطق ريف حلب، من أجل تسهيل عملية التبادل التجاري بينها وبين تركيا ما ينعكس إيجابيًا على الطرفين.
وقال جزماتي إن مدن ريف حلب لا يحدها غير تركيا ومناطق سيطرة النظام السوري، ولا تتعامل تجاريًا واجتماعيًا حاليًا سوى مع تركيا، معتبرًا أن هذه المناطق لن تستطيع أن تبقى معزولة عن نظيراتها المجاورة الخاضعة لسيطرة النظام، وبالتالي سيكون هناك تواصل بين المنطقتين حتى لو بقيت مناطق ريف حلب تحت الوصاية التركية، متوقعًا إنشاء شبكة طرقات تربط بين مناطق ريف حلب ومدينة حلب.
شركات تركية تقتحم المنطقة
وتفرض شركات تركية خاصة واقعًا استثماريًا جديدًا في ريف حلب الشمالي، بعدما أقمحت نفسها ووضعت موطئ قدم بمشاريع كبيرة في القطاعات الرئيسية للخدمات التي يحتاجها السكان.
وبدأ رجال أعمال سوريون وأتراك جهودًا للتشبيك لإطلاق مشاريع في المنطقة، توجت باجتماع ضم كلًا من رئيس غرفة تجارة ولاية كلس، محمد أوزجوك أوغلو، ورجال أعمال وصناعيين أتراكًا في منظمة “Müsiad”، وتجارًا ورجال أعمال سوريين، ممن لهم مشاريع استثمارية داخل الأراضي التركية.
وتأسست منظمة ”Müsiad” في مدينة اسطنبول عام 1990، وتمثل ما يقارب من 35 شركة وتوظف حوالي مليون و500 ألف شخص، ولديها 75 نقطة اتصال في الأراضي التركية، وتركز في عملها على المشاريع الاقتصادية والاستثمارية الضخمة.
وفي حديث سابق مع وزير الخدمات في “الحكومة المؤقتة”، عبد الله رزوق، أوضح لعنب بلدي أن استثمارات الشركات التركية الخاصة في ريف حلب تتم بصورة فردية بعيدًا عن “الحكومة”، إذ يتواصل كل مجلس مع الشركة الراغبة بالاستثمار ويتفقان على تنفيذ المشاريع المطروحة.
وبالفعل أثمرت هذه السياسة بالوصول إلى عدة اتفاقيات اقتصادية للمجالس المحلية، من بينها مد الكهرباء لمدينة اعزاز عبر شركة ET Energy”” التركية ذات الملكية الخاصة، ومشروع “ضاحية قباسين السكنية”، بين مجلس المدينة وشركة “جوك تورك” للإنشاءات والبناء.
مجلس مدينة الباب وضع حجر الأساس لأول مدينة صناعية في المنطقة، بدعم من تركيا، وبمساحة 56100 متر مربع، كما وقع عقدًا مع شركة “يورو بيتون” يقضى ببناء مجبل لمادة الإسمنت.
ومنتصف آب الحالي، تلقى مجلس الباب عرضين لإيصال الكهرباء، الأول من شركة تركية خاصة والثاني قدمته الحكومة التركية بشكل مباشر.
الرواتب بالليرة التركية
الملف الأكثر ارتباطًا بتركيا على صعيد المواطنين ومعاملاتهم اليومية هو رواتب العاملين في المشاريع الجديدة والموظفين في المجالس المحلية والمدرسين والمؤسسات العسكرية، والتي حولتها أنقرة جميعها إلى الليرة التركية.
وزاد ذلك من ارتباط المنطقة بما يحصل داخل تركيا، على الصعيد الاقتصادي والسياسي، فقد انعكس تراجع الليرة التركية أمام الدولار (من أربع ليرات مقابل كل دولار إلى ست ليرات) على أسواق المنطقة التي شهدت ركودًا ريثما استقر سعر الصرف.
وقد تكون الدعوات المحلية لدعم الليرة التركية في مواجهة العقوبات الأمريكية، أوضح دليل على ارتباط اقتصاد المنطقة وتعاملاتها، من كبرى مشاريعها حتى المعيشة اليومية، بأي ارتباك أو تحول اقتصادي تركي.
رعاية تركية للعملية التعليمية
ظهرت البصمة التركية بصورة جلية في القطاعات الخدمية بالريف الشمالي لمحافظة حلب، وبرزت تداعياتها في جوانب تعليمية وطبية وأخرى خدمية، رغم وجود تصدٍ عفوي يسعى الشمال السوري من خلاله إلى الحفاظ على الطابع الثقافي الأصلي للمنطقة.
مستشفيات حديثة وجامعات تركية ومراكز ثقافية أدخلتها تركيا إلى مدن ريف حلب الشمالي، قسمت الآراء بين من اعتبرها تطورًا يضفي على المنطقة تسهيلات وخدمات “غير معهودة” تعود على السكان بالفائدة، فيما اعتبرها آخرون هيمنة هدفها تكريس الوجود التركي في الشمال السوري.
عين على التربية والتعليم العالي
تتحكم تركيا بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، رغم أن المناهج السائدة في المدارس هناك هي ذاتها مناهج “الحكومة المؤقتة” المعدلة عن مناهج وزارة تربية النظام السوري.
إذ طالت تلك المناهج تغييرات في بعض المضامين والإشارات السياسية، أبرزها في مواد التاريخ والجغرافيا، لأنها تحوي “مغالطات” من وجهة نظر تركيا، إذ تم، على سبيل المثال، إزالة أي كلمات تشير إلى “احتلال عثماني” واستبدالها بـ “حكم” عثماني.
وتحاول تركيا تطبيق نظامها التعليمي في هذه المناطق، الأمر الذي أكّده علي رضا ألتون إل، مدير برنامج “التعلم مدى الحياة” في وزارة التعليم التركية، في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول الماضي، إذ قال إن “الوزارة تعمل على نقل تجربة التعليم في تركيا، وبخاصة نظام التعليم الإلكتروني إلى مناطق درع الفرات خلال فترة قصيرة”.
وتضم هذه المناطق نحو 500 مدرسة، يدرس فيها نحو 150 ألف طالب، وفق تصريحات وزارة التعليم التركية.
بدورها، أصدرت المكاتب التعليمية في مجلس محافظة حلب الحرة، العام الماضي، قرارًا يقضي بإدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، لكنها لم تطبق في جميع المدارس الفاعلة هناك حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، تسمّى العديد من المدارس بأسماء تركية، نسبة إلى قتلى في بعض المعارك خلال عملية “درع الفرات”، فضلًا عن الجمع بين علَمي الثورة وتركيا على أغلفة “الجلاءات” المدرسية.
أما على صعيد الدراسات العليا، فعملت تركيا خلال الفترة الأخيرة على افتتاح فروع لجامعاتها الحكومية في ريف حلب، ومن بينها جامعتا حران وغازي عنتاب، اللتان ستفتحان أبوابهما أمام الطلاب في العام الدراسي المقبل 2018- 2019.
إذ وقع المجلس المحلي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في حزيران الماضي، اتفاقية مع جامعة حران التركية لافتتاح فرع لها داخل المدينة، وبحسب ما قال رئيس المجلس، جمال عثمان، في حديث سابق لعنب بلدي فإن الجامعة ستبدأ باستقبال الطلاب في أيلول المقبل.
وأضاف أن الجامعة تضم عدة أفرع علمية وأدبية تتركز مبدئيًا في كليات الهندسة والعلوم (رياضيات وفيزياء وكيمياء)، على أن يتم مستقبلًا توفير اختصاصات أخرى مثل الطب والاقتصاد.
ومن المقرر أن يقدم فرع جامعة حران في مدينة الباب المنهاج التركي نفسه المعتمد في الفرع الأصلي، ومقره ولاية شانلي أورفا، كما اشترطت الجامعة أن يتقدم الطلاب إلى الفحص الخاص بالطلبة الأجانب “يوس”، من أجل الدخول إلى الجامعة.
كما قررت جامعة غازي عنتاب التركية فتح مدرسة مهنية تتبع لها في مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، في حزيران الماضي، بعد الحصول على موافقة من مجلس الوزراء التركي.
وسيتلقى الطلاب التعليم بلغتهم الخاصة، وتبلغ مدة الدراسة في المدرسة سنتين، فيما يتم التخطيط حاليًا لفتح مؤسسات تعليم عال لمدة أربع سنوات، بحسب الجامعة.
ومع ذلك ينظر البعض إلى أن افتتاح فروع للجامعات التركية في الشمال السوري من شأنه حل مشكلة كبيرة يعاني منها الكثير من الطلاب، ما يشجعهم على العودة للدارسة.
ثلاثة مستشفيات بإدارة تركية
قدمت تركيا دعمًا لقطاع الصحة عبر إصلاح وتوسيع المستشفيات في المنطقة وترميم عدة مراكز صحية، منها مركز احتيملات وصوران ومركز بلدتي دابق والراعي، كما تشرف على افتتاح مستشفى كبير في مدينة الباب تحت إدارتها وتنظيمها، على أن يكون الأكبر والأكثر تطورًا في المنطقة حاليًا.
وبحسب ما قال أحمد العابو، مسؤول المكتب الطبي في مجلس الباب المحلي، فإن المستشفى يضم 200 سرير و40 غرفة معاينات وعيادات، بالإضافة إلى جهاز طبقي محوري وجهازي أشعة وأجهزة إيكو وأربعة أجهزة سنية، كما يضم المستشفى ثماني غرف للعمليات وقسمًا خاصًا للتوليد وحاضنات ومراكز غسيل الكلى.
العابو أضاف في حديث لعنب بلدي إلى أن الأفضلية في التوظيف ستكون للأطباء والممرضين المقيمين في مدينة الباب، كما سيكون هناك فرص للسوريين المقيمين في تركيا.
وتكفلت الحكومة التركية ببناء المستشفى، الذي سيحوي جميع الاختصاصات الممكنة، ومن المقرر أن تتكفل بدفع رواتب موظفيه أيضًا، بحسب ما قال مدير المكتب الإعلامي في مجلس مدينة الباب، عمار نصار، في حديث سابق لعنب بلدي.
كما تشهد مدينتا الراعي ومارع في ريف حلب الشمالي حالات مماثلة، إذ شيدت الحكومة التركية مستشفى في مدينة مارع يتسع لـ 75 سريرًا، وآخر في بلدة الراعي التابعة لمدينة الباب، على أن يتم افتتاحهما قريبًا.
ومن شأن تلك المستشفيات تسهيل الإجراءات على المرضى الذين كانوا في الغالب يضطرون للخروج إلى مستشفيات المعابر والمناطق الأخرى لتلقي العلاج.
شركات تركية تخدّم ريف حلب
إضافة للتعليم والطب، شهدت مدن وبلدات ريف حلب الشمالي افتتاح مشاريع خدمية بإشراف تركي، وعلى رأسها مركز للبريد الحكومي التركي “PTT” في منطقة جرابلس، الذي بدأ بتقديم خدماته البنكية والبريدية في المدينة، في تشرين الأول 2017.
كما افتتحت “PTT” مركزًا آخر في مدينة اعزاز، في نيسان الماضي، يهدف وفق المجلس المحلي في اعزاز، إلى مساعدة المواطنين والموظفين للحصول على رواتبهم عن طريق الصراف الآلي، كما يسهل تبادل الحوالات بين تركيا والمنطقة.
كما افتتحت شركة الاتصالات التركية “تورك تيلكيوم” أول مركز خدمات لها في ريف حلب الشمالي، في تموز الماضي، كخطوة تعتبر الأولى من نوعها في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة.
ومن بين الخدمات التي يقدمها المركز، ومقره مدينة اعزاز، استخراج شريحة اتصال جديدة بدل ضائع، وتبديل الخط من شركة “توركسل” إلى “تورك تيلكوم”، بالإضافة إلى تبديل الخط من اسم لاسم آخر، واستخراج خطوط جديدة على جواز السفر، وفق ما أفاد مراسل عنب بلدي في ريف حلب.
وأضاف أنه تم تدعيم أبراج الاتصالات الموجودة في مناطق الباب واعزاز بشبكة الإنترنت السريع “G 4.5”.
ويعتمد أهالي ريف حلب بشكل أساسي على الشبكات التركية التي يصل مداها إلى داخل الحدود السورية، وأبرزها “توركسل”، “آفيا”، “فودافون”.
وكذلك تعمل المجالس المحلية في الشمال السوري، وخاصة في مدينة اعزاز، على مشاريع عدة لتجهيز حدائق عامة وملاعب صغيرة وألعاب الأطفال بدعم مباشر من بلدية مدينة كلس التركية، فضلًا عن تأهيل الشوارع والطرقات والأوتوسترادات التي حملت طابعًا تركيًا بدءًا من تمويلها والإشراف عليها مرورًا بأسمائها.
مناطق تبدلت أسماؤها
- الطابع التركي يزاحم الكردي في عفرين
- دوار كاوا الحداد (في مدينة عفرين) أصبح اسمه دوار غصن الزيتون.
- دوار نوروز (في مدينة عفرين) أصبح اسمه دوار صلاح الدين الأيوبي.
- ساحة مبنى السرايا (في مدينة عفرين) أصبح اسمها ساحة رجب طيب أردوغان.
- قرية قسطل مقدد (ناحية بلبل في ريف عفرين) أصبح اسمها سلجوق أوباسي.
- قرية كوتانا (ناحية بلبل في ريف عفرين) أصبح اسمها ظافر أوباسي.
- قرية كرزيلة (ناحية بلبل في ريف عفرين) أصبح اسمها جغر أوباسي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :