عنب بلدي – وكالات
تصدر الاستفراد الروسي بمفاصل الحل في سوريا المشهد السياسي والإنساني مؤخرًا، بالتزامن مع تصريحات أمريكية وتلميحات حول “انسحاب محتمل”، يترك الساحة فارغة لروسيا لتطرح مخططات اللعبة الجديدة، وتحدد أدوات الحل “السياسي” بما يتوافق مع سياستها في سوريا.
ترافقت “السيطرة” الروسية على المشهد السوري مع خفوت في درجة التفاعل الأوروبي، وسط دعوات روسية لإعادة اللاجئين وتشكيل الحل السياسي وفق مسار “سوتشي” الذي ترعاه بشكل أساسي، فضلًا عن تحييد مسار جنيف الذي يحظى بقبول غربي ودولي.
لكن الصوت الأمريكي ما لبث أن عاد ليعلو، بعد أن جمعت الولايات المتحدة الأمريكية 300 مليون دولار من دول حليفة لها، من أجل “إعادة الاستقرار” في سوريا، وخاصة في المناطق التي خرج منها تنظيم “الدولة الإسلامية” مؤخرًا، مع تأكيدات على عدم نية واشنطن “الانسحاب من الصراع في سوريا”.
ومع النبرة الأمريكية الجديدة، عادت بعض الدول الأوروبية إلى التعبير عن مواقف أكثر حدة تجاه روسيا، وإطلاق تصريحات “هجومية” وتحركات لمواجهة “مخطط روسي للاستفراد بالحل في سوريا”.
دول في الاتحاد الأوربي أبدت استعدادًا كبيرًا لعرقلة ملفي إعادة الإعمار وعودة اللاجئين اللذين تخوض روسيا محادثات حثيثة للدفع بهما، وعاد شرط “الحل السياسي” وفق المفهوم الأممي والأوروبي ليواجه مسارات الحل الروسي.
إعادة اللاجئين “أمر مخادع”
أبدت فرنسا معارضتها الشديدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وأعلنت الخميس الماضي، 23 من آب، أن “شروط عودة اللاجئين إلى سوريا لم تتحقق، نظرًا لمعاملة الأسد لأولئك الذين عادوا إلى ديارهم، والهجوم المحتمل على أراضي المعارضة في شمال سوريا”.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أنييس فون دير مول، إن “النظر في عودة اللاجئين السوريين هو أمر مخادع في الظروف الحالية”.
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عرضت أيضًا على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال قمة جمعتهما في 19 من آب الحالي موقف بلادها من عودة اللاجئين، مبديةً رغبة ألمانيا في بدء العملية السياسية في سوريا، حتى يتمكن جزء على الأقل من ملايين المشردين بسبب الحرب واللاجئين من العودة إلى ديارهم.
وكان ممثل وزارة الخارجية الروسية، نيكولاي بورتسيف، قال مطلع الشهر الحالي، إن دولًا أوروبية من بينها بلغاريا وسلوفينيا والتشيك، مستعدة للمشاركة في المشاورات الروسية الأوروبية حول اللاجئين السوريين في حال حدوثها، لكن أيًا من تلك المشاورات لم تسفر حتى اليوم عن أي تقدم في صالح روسيا.
رفض للحديث عن إعادة الإعمار
لم يفلح بوتين بإقناع المستشارة الألمانية خلال لقائهما الأسبوع الماضي للتحرك بشأن الإسهام في ملف إعادة الإعمار، إذ اعتبرت الحكومة الألمانية أن النقاش الذي تديره روسيا بشأن إعادة إعمار المناطق المدمرة في سوريا أمر سابق لأوانه.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتفن زايبرت، عقب لقاء بوتين وميركل، إنه يجب السعي أولًا للتوصل إلى “اتفاق سلام سياسي في البداية” في سوريا.
وكانت الحكومة الفرنسية علقت في تموز الماضي مشاركتها في الخطة الروسية حول مشروع إعادة الإعمار في سوريا، ما لم يوافق الأسد على الانتقال السياسي وإجراء الانتخابات.
وقال السفير الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا دولاتر، “لن نشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يجرِ انتقال سياسي فعلي بمواكبة عمليتين، دستورية وانتخابية بطريقة جدية ومجدية”، مضيفًا أن الانتقال السياسي شرط أساسي للاستقرار في سوريا، وموضحًا أنه لا سبب يبرر لفرنسا والاتحاد الأوروبي تمويل جهود إعادة الإعمار”.
فرنسا اعتبرت أن نظام الأسد يحقق انتصارات عسكرية “دون سلام في البلاد”، بحسب تعبير دولاتر، الذي أكد على ضرورة إجراء محادثات سياسية تتضمن تسوية نهائية في سوريا.
ويتناغم الموقفان الفرنسي والألماني مع الموقف الأمريكي، الذي يشترط الحل السياسي لبدء أي خطوات في إعادة الاعمار، إذ أعلنت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، أنها لن تقدم أي تمويل لإعادة إعمار سوريا قبل بدء محادثات سلام جادة بقيادة الأمم المتحدة، في إشارة إلى مسار “جنيف” للحل في سوريا.