قبيل الذكرى الخامسة لمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية لدمشق، تشن قوات الأسد حملة اعتقالات طالت ممرضين ومسعفين، إلى جانب نساء كنّ يعملن في المجال الطبي بالغوطة قبل سيطرة قوات الأسد عليها، كما طالت الاعتقالات أحد حفاري القبور في مدينة زملكا.
سبق حملة الاعتقالات، احتجاز الأطباء والمسعفين والممرضين إلى جانب عاملين في النشاط الإنساني والإغاثي الذين خرجوا عبر الممرات الآمنة التي افتتحهتها قوات الأسد برعاية روسية على أطراف الغوطة، في آذار الماضي.
وضعت قوات الأسد المحتجزين تحت الإقامة الجبرية في أحياء دمشق المختلفة، لأسباب تتعلق بشهادات وتحقيقات حول مجزرة الكيماوي التي نفذتها القوات، في 21 من آب عام 2013، وفق ما قال مواطن قريب من أحد المحتجزين، يدعى محمد.
وأضاف محمد (28 عامًا) وهو من مدينة سقبا، أن التحقيقات ليست فقط للحصول على شهادات المحتجزين حول مجزرة الكيماوي، بل هناك جانب منها حول المنظمات والمؤسسات المانحة وطرق الحصول على الدعم، إلى جانب أسئلة عن الموظفين في منظمات المجتمع المدني بالغوطة وعناصر الدفاع المدني.
وتركزت التحقيقات حول وثائق (فيديو، صور، أسماء الضحايا) متعلقة باستهداف الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي في 21 من آب قبل خمسة أعوام، كما تدور تلك التحقيقات حول أماكن إسعاف ودفن الضحايا، بحسب محمد.
بدوره أكد منتصر أبو زيد، وهو صحفي من الغوطة الشرقية، أن قوات الأسد والأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري نفذت حملات اعتقال طالت شبانًا في سقبا وحمورية والمرج ودوما ومسرابا، وكان لمدينتي زملكا وعربين النصيب الأكبر منها.
ويشير أبو زيد، المطلع على تفاصيل الاعتقالات، أشار إلى أن النظام يسعى لتحديد أماكن قبور ضحايا مجزرة الكيماوي، والتي كان لمدينة زملكا النصيب الأكبر من الضحايا فيها.
ويسعى النظام لتغيير مقابر الغوطة الشرقية بشكل عام ونقلها إلى منطقة نجها بالقرب من الكسوة بريف دمشق، وفق أبو زيد، مشيرًا إلى أنه حتى لو تمكن النظام من نقل تلك القبور فلا أحد يعرف أصحابها سوى القائمين على المقبرة.
وعلى عكس المتداول، حول إغلاق صفحة مجزرة الكيماوي، لا يبدو أن النظام السوري قد أغلقها، إذ شرع بجمع شهادات حولها، كما حدث في استهداف مدينة دوما الأخير بالسلاح الكيماوي.
مجزرة الكيماوي بالغوطة في العام 2013 قتل فيها 1127 شخصًا موثقين بالأسماء لدى “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أما تقديرات الناشطين فتجاوزت الرقم إلى قرابة 1400، أكثر من ربعهم نساء وأطفال.
الإعلام السوري الرسمي رسم سيناريو لملف استهداف دوما بالكيماوي، في آيار الماضي، معتمدًا على شهادات أطباء من المدينة ممن اضطروا لتسليم أنفسهم للنظام السوري وتسوية أوضاعهم.
ونشرت قناة “الإخبارية السورية”، الرسمية، فيلمًا قالت إنه يوثق “حقيقة ما جرى” في دوما ويظهر خفايا المدينة، أسمته “دوما كواليس الكيميائي”.
في الاستهداف الأول والأكبر للغوطة الشرقية اختلفت رواية النظام بين النفي واتهام المعارضة بارتكاب المجزرة في مناطق سيطرتها، كذلك كان الحال بالنسبة لاستهداف دوما، إذ تضاربت الروايات بين اتهام روسي لدول أوروبية، وبين نفي روسيا والنظام السوري للاستهداف من أصله.
لا معلومات واضحة حول نوعية الشهادات التي يجمعها النظام السوري منذ خمسة أشهر، كذلك لا معلومات مؤكدة عن نواياه التي يجمع لأجلها تلك البيانات والشهادات.
ولكن في فيلم “دوما” عرضت القناة الرسمية أكثر من سبعة أشخاص من دوما بينهم أطباء وطبيبات وفنيو تخدير، وقالت إنهم “تحدثوا عن لحظات عاشوها خلال تصوير الفيديوهات التي انتشرت على أنها حالات اختناق جراء الاستهداف بأسلحة كيمياوية”.
وفي أول الفيديو، ومدته 16 دقيقة، ظهر شخصان قالت وزارة الدفاع الروسية، في وقت سابق، إنهما شهدا عمليات تصوير “المسرحيات” بخصوص الكيماوي في دوما.
لكن هذين الشخصين هما ممن سووا أوضاعهم لدى النظام السوري، وفق ما قالت مصادر متطابقة من مهجري دوما لعنب بلدي.
وللإجابة عن سؤال “كيف تمت العملية؟”، أفردت “الإخبارية السورية” مساحة لأطباء وممرضين وفنيي تخدير للحديث عن الأمر.
وقال الممرض موفق نسرين ومقيم الإسعاف خليل الجيش، اللذان ظهرا في فيديو لوزارة الدفاع الروسية، إن الناس بدأت تصرخ “كيماوي.. كيماوي” إلا أن الحالات كانت اختناقًا إثر حرائق نشبت بفعل القصف.
وتحدثا عن أن عناصر من “الدفاع المدني” روجوا للأمر، مشيرين إلى أنهما لم يكونا يعلمان بالتصوير في منطقة عملهما.
ثم تحدث أحد الأطباء عن أن ترابًا أصفر ملأ بعض الأبنية، نتيجة انفجار الكتل الترابية، عازيًا حالات الاختناق “لنزول الغبار إلى الملاجئ وسوء التهوية فيها”.
ونفى جميع من ظهر في التسجيل المصور استخدام الكيماوي في دوما.
لكن التسجيلات والصور القادمة من دوما بعد الاستهداف، تثبت استخدام غاز كيماوي، وتظهر أعراضًا تشبه أعراض الإصابة بغاز السارين المستخدم في نفس المنطقة، في آب 2013، بحسب ما قالت مصادر طبية عاينت الحالات لعنب بلدي.
وأظهرت التسجيلات عشرات المدنيين القتلى في ملاجئهم، بعد نزولهم إليها بسبب القصف.
وبالنظر إلى الطريقة التي عالج من خلالها النظام السوري الاتهامات الموجهة له حول استخدام الكيماوي في دوما، وحالات الاعتقال والاحتجاز التي نفذها بحق ناشطي الغوطة واعتقال حفاري القبور، يحاول الأسد اللعب بمسرح الجريمة الكبرى في سوريا أو طمسها تحسبًا لأي فتح مفاجئ لذلك الملف المعلق منذ آب قبل خمس سنوات.