برهان عثمان – دير الزور
لا يكاد عبد الله (27 عامًا) يصدق أنه استطاع الخروج من مناطق النظام عبورًا إلى مناطق “قوات سوريا الديمقراطية”، وصولًا إلى مناطق “الجيش الحر” في العون. رحلة متعبة من بلدة العشارة في ريف دير الزور القريبة من الحدود السورية العراقية إلى مدينة اعزاز بريف حلب، كلفته أكثر من 40 ألف ليرة و20 ساعة من السفر المتواصل.
“هناك كنت اشعر أنني في سجن محاط بأسوار من حواجز الميليشيات وأتباعها”، يقول عبد الله لعنب بلدي، بعدما وصل إلى مراده إثر محاولتين للعبور منعه حاجز سد تشرين من إتمامهما، وأجبره على العودة، هذا الحاجز الذي يعتبر الأكثر تشددًا وتدقيقًا، وخاصة على أهالي دير الزور.
تسيطر “قسد” منذ أكثر من عام على مناطق واسعة من ريف دير الزور (خط الجزيرة)، بعد معارك عنيفة خاضتها ضد تنظيم “الدولة”، الذي انحسر وجوده إلى جيب صغير في المنطقة يمتد على عدة قرى حدودية مع العراق هي (الباغوز والهري والشعفة)، أما بقية مناطق المحافظة فهي خاضعة لسيطرة قوات النظام.
رحلة متعبة تزيدها الإجراءات تعقيدًا
يصف عبد الله ريف دير الزور الشرقي بـ “المنطقة غير المستقرة”، فهناك تفجيرات واشتباكات بشكل دائم، ودون أن يحدد الشاب بشكل مباشر الطرف الآخر الذي يهاجم كلًا من “قسد” وقوات النظام يشير إلى أنهم عناصر لتنظيم “الدولة الإسلامية” يستفيدون من غضب الأهالي ورفضهم لكل من النظام و”قسد”.
تذمُّر أبناء دير الزور مرده إلى المعاملة السيئة التي يتلقونها على الحواجز، والانتهاكات بحقهم، وغياب أي بوادر لإعادة الإعمار وتأهيل مناطقهم وبناها التحتية، رغم أنها تتمتع بحقول نفطية تعد الأكبر في سوريا، تستفيد منها الأطراف المتصارعة.
رحلة شاقة ومتعبة خاصة في مناطق سيطرة “قسد”، حيث يتم التدقيق على أبناء دير الزور والكثير منهم يتم إرجاعهم من حاجز السد، ولذا يلجأ بعضهم إلى الخروج من الطرف الآخر عابرين حاجز قرقوز، أو إلى التهريب الذي يكلفهم 30 ألف ليرة، لعبور حاجز السد وصولًا إلى منطقة العون.
لا يفهم حسن (24 عامًا) ابن دير الزور سبب هذا التشديد، قائلًا لعنب بلدي، “نحن متهمون سلفًا ونعاني من التمييز على الحواجز الكردية، لا لشيء فقط لأننا من دير الزور”.
يروي الشاب أنه كان يتعرض للتحقيق والتفتيش عند كل حاجز دون بقية الركاب، “أنا مضطر لشرح سبب سفري وتسليم جوالي للتفتيش والخضوع لتحقيق مفصل عني”.
لا يخفي أغلب المسافرين من أبناء المحافظة ضيق صدورهم من “المعاملة السيئة”، التي يتعرضون لها، واصفين ذلك بالتعسف غير المبرر، فليس كل أبناء دير الزور من “الدواعش” (نسبة إلى تنظيم “الدولة”)، ومحملين العناصر الكرد في “قسد” ما يتعرضون له من مضايقات، كما يشرح الشاب بقوله، “هذا التدقيق ليس ناتجًا عن مخاوف أمنية، بل هو استهداف لأهالي منطقة بعينها، نتيجة رفضهم الخضوع لقوانين قسد وقواتها، ووجود حساسيات قديمة مع الديريين”.
“إرهابي” حتى يثبت العكس
وهذا ما أكده لعنب بلدي عدد من الناشطين في المنطقة موسعين هذا الاستهداف والتسلط ليشمل حتى العاملين مع “قسد” بما فيهم المجلس المدني التابع لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسية لـ “قسد”، في دير الزور، الذي علق عمله أكثر من مرة احتجاجًا على نقص صلاحياته وعدم توفير الدعم الكافي له أسوة بباقي المجالس التابعة لـ”مسد”.
معاناة أهالي دير الزور مع “قسد” لا تقتصر على القادمين من دير الزور بقصد العبور إلى مناطق أخرى، بل تمتد لتشمل النازحين المقيمين في الحسكة والرقة، بحسب علياء المحمد (32 عامًا)، والتي تقيم منذ عدة سنوات في مدينة الرقة ثم نزحت إلى مدينة الطبقة، حيث عانت كثيرًا في الحصول على أوراق الكفالة واستئجار منزلها قائلة، “تصرفاتهم وكلامهم معي كأني أجنبية، ولست سورية أعيش ضمن بلدي” شارحة أن أبناء دير الزور يعاملون كـ “إرهابيين مفترضين” حتى يثبت العكس، وتوضع أمامهم العراقيل التي تمنعهم من التنقل بحرية والاستقرار في غير مناطقهم.
تقول الشابة إن أول سؤال عند كل حاجز هو “في معكن حدا ديري”، ثم يتم إنزالهم من المركبات التي يستقلونها ليتم تفتيشهم، لينهال عليهم سيل من التهم بالانتماء إلى “الجيش الحر” والفصائل الجهادية، وتفتش أوراقهم وأغراضهم.
ماذا يقول عناصر “قسد”؟
خلق ذلك تململًا واسعًا في أوساط الديريين، وبحسب عدد من العاملين مع “قسد” الذين تواصلت معهم عنب بلدي فإن ذلك قد أنشأ فجوة بينهم وبين أهالي دير الزور والعديد من أعضاء المجلس المدني، وبينما يدرك بعض العناصر المسلحون التابعون لـ “قسد” ذلك لا يستطيعون فعل شيء حيال هذا الأمر.
وجهة نظر لا يتفق معها بعض عناصر “قسد”، ومنهم محمد، أحد المتطوعين العرب ضمن التشكيل، قائلًا لعنب بلدي، “من الطبيعي أن يتم التدقيق على القادمين من مناطق داعش”، مؤكدًا علمه بأن وجود التنظيم محصور في مناطق معينة، لكنه يصر على أن أمن وسلامة بقية المناطق له الأولوية، مذكرًا بالهجمات التي يتعرض لها عناصر “قسد” في مناطق مختلفة.
ورغم رفض هذا الشاب تعميم تهمة الإرهاب على كل أهالي المحافظة، يعطي الأولوية للتدابير الحمائية والوقائية، مبررًا ما يتعرض له أبناء منطقته من تمييز، ونافيًا وجود أي تعسف في معاملتهم.
وينكر أغلب العاملين مع “قسد”، الذين حاورتهم عنب بلدي، أي ضغوط مفروضة عليهم من الإدارة الكردية وأي إساءة للمدنيين، مؤكدين التزام عناصرهم بالقانون وتقديمهم مصلحة المدنيين.