إبراهيم العلوش
كيف نستطيع أن نقول “كل عام وأنتم بخير”، كيف نستطيع انتزاع هذه الجملة البسيطة والجميلة في صباح العيد، هل لا تزال في النفس مساحات للفرح وللأمل؟ أم أن مستنقع الخراب طاف ووصل إلى كل أرجاء النفس، وصار التلفظ بهذه المعايدة يحتاج إلى إعادة التدرب عليها على أيدي المخابرات والإيرانيين والأمريكيين والروس والأتراك!
هل نستطيع أن نتواجه ونقولها لبعضنا، هل نحن حقًا قادرون على أن نتلفظ بها، ونطوي صفحة الخراب التي بيننا، المؤيد والمعارض، الشرطي والمواطن، المقاتل الذي يرافق الإيراني والروسي، والمقاتل الذي يرافق التركي والأمريكي، هل نستطيع أن نختلس لحظة من صباح العيد ونقول لبعضنا كل عام وأنتم بخير!
كل عام وأنتم بخير.. هي الجملة السحرية التي توقف هذا الخراب، وهي التي تعطي لليتامى وللأرامل متسعًا من الوقت لتذكّر الغائبين، وهي التي تعطي لذوي المخطوفين دفقة أمل بعودة ذويهم، وهي التي تجعل المظلومين يؤمنون بقرب محاسبة ومحاكمة الظالمين من كل الأنواع والأشكال والأطراف.
هل نحن السوريين قادرون على قول هذه الجملة السحرية دون استشارة الإيرانيين، أو الروس، أو الأمريكيين، أو الأتراك، هل نحن السوريين قادرون على قولها دون أن نستحضر جبال الأحقاد والثارات وحقول المقابر، هل نحن قادرون على التنفس في صباح العيد النقي، وقبل أن تبدأ الإذاعات والتلفزيونات شحنها الطائفي، وقبل أن يستيقظ سدنة الحقد لإشعال النار بيننا من جديد، فنحن لسنا خونة، ولسنا كفرة، ولسنا عبيدًا للأسد، ولا لغيره.
ولم نحمل الزهور صباح الثورة إلا من أن أجل أن نكون جميعًا أحرارًا، فكنّا نأمل أن تحل الكرامة في أرضنا بعد طول ذل واستعباد، ولم نكن نريد الحرية لنا وحدنا، لقد مات أبناؤنا من أجل سوريا، وليس من أجل إذلال السوريين، ولا من أجل تصنيفهم كطوائف، وككفرة، ولا كخونة أو كعبيد للأسد.. فهل نقول “كل عام وأنتم بخير” لبعضنا ونعود إلى لحظة حب وسواء بيننا وبينكم، بيننا نحن السوريين الأهل والأحبة، وليس بين القتلة والمجرمين والتكفيريين، نريد أن نقول “كل عام وأنتم بخير” من أجل إعادة إعمار أنفسنا، وتجاوز جبال الأحقاد بيننا، فجميعنا نموت ولا يبقى سالمًا إلا عائلة الأسد والروس والإيرانيون والأتراك والأمريكيون ومن يتفرج على مأساتنا المفتوحة على العدم.
كل عام وأنتم بخير.. في صباح العيد نستحضر بهجتها، مثل منطقة حرة بين الحدود، مثل لحظة أمل بين صيحتين لمعتقل في المنفردة منذ سنوات، مثل ومضة ضوء يشعلها خبر جديد عن مفقود في نفوس أهله وأحبته، مثل حركة يد جديدة لمشلول بعد طول اليأس.. مثل ابتسامة العائدين من الحرب لأطفالهم.
كل عام وأنتم بخير.. لكل من ظل في نفسه شيء من الحب أو الأمل أو الفرح، فنحن لا نستجدي أحدًا.. ولكننا نطلب اختصار المآسي على الجميع، ونعيد تقديم باقات الزهور لمن يحبها، ولمن يجرؤ على الفرح والخلاص.. فالحق سينتصر والناس ستغلب الظلم، والحرية ستكون لبلدنا، بأيدي السوريين أنفسهم، وليس بأيدي الآخرين، وكل هذه الدماء التي أريقت ليست رخيصة علينا ولا عليكم، ولن تنتهي إلا ببناء بلد حر يحفظ كرامة الجميع.
الأمهات أعددن حلويات العيد وفاحت رائحتها على الجيران، فهل يأتون لقول “كل عام وأنتم بخير”… الأيتام يفتقدون آباءهم، ويحاولون استعادة وجوههم الباسمة التي ادخروها كذكرى أخيرة، والأرامل يكسرن الحزن صباح العيد، ويبتسمن لأطفالهن، ولمن قال كل عام وأنتم بخير..
نحن محكومون بالأمل، كما قال سعد الله ونوس، وليس بدوام الظلم والاستبداد، نحن محكومون بالأمل، وليس بدوام الأسد، والتشبيح، والتكفير والتعفيش، ولا برفرفة الأعلام الغريبة فوق تلال بلادنا.. نحن نريد السلام ووقف إطالة قوائم الأرامل والأيتام!
كل عام وأنتم بخير.. نطلقها بديلًا عن أصوات القذائف، وبديلًا عن أصوات البراميل المتفجرة، وبديلًا عن أحقاد السجّانين، وبديلًا عن زعيق التكفير والتخوين والردة وبديلًاعن متاهات التاريخ السوداء.
إنها “كل عام وأنتم بخير”، فمن يجرؤ على الرد بمثلها ويكسب المستقبل له ولأولاده ولبلده ولنا جميعًا!
كل عام وأنتم بخير.. كنا نقولها لبعضنا دون معلم، ودون استشارة المخابرات، ولا الشرعيين، ودون استشارة الروس، ولا الأمريكيين، أو الإيرانيين، والأتراك… فهل نستطيع تمريرها لبعضنا صباح العيد رغم كل هذا الخراب؟!