خطيب بدلة
جاء في مقدمة مقالة نشرتها صحيفة “عنب بلدي”، حول الجانب القانوني لموضوع الاعتقال السياسي، أن النظام السوري يحاول إظهار نفسه بمظهر المتمسك بالقانون وتطبيقه، كما يحصل في ملف المعتقلين وقوائم القتلى التي يُرسلها يوميًا إلى دوائر النفوس.
مِنْ حق “عنب بلدي”، بالطبع، أن تتناول هذا الموضوع بشكل جدّي، ولكن الحديث عن “الجانب القانوني” عند النظام السوري، في الواقع، موضوع هزلي، ولولا كثرةُ الدماء التي يسفكها هذا النظام، والمآسي التي يخلفها، لقلنا إنه موضوع فكاهي، قادر على إضحاك الأمهات اللواتي فَجَعَهُنَّ هذا النظام بأبنائهنّ!
فمع أن الدستور السوري، في الأساس، سيئ، وكتبه أزلامُ حافظ الأسد لتمكينه من تدمير سوريا وقتل شعبها واستمراره في الحكم (إلى الأبد)، لكن الكثير من القوانين التي سنها مشرعو الأسد تخالف منطق هذا الدستور نفسه! كالقانون 49 لعام 1980 الذي يحكم على المنتسب لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، وبأثر رجعي، يعني إذا انتسب أحدهم إلى تنظيم الإخوان قبل صدور القانون، ثم غادر التنظيم، وصار بعثيًا، أو شيوعيًا (ملحدًا)، أو قوميًا سوريًا، يُعدم بسبب جرمه القديم!
والقانون الأساسي للعاملين في الدولة يجيز لرئيس مجلس الوزراء تسريح مَن يشاء من العاملين تحت يافطة الـ “أسباب التي تمس النزاهة”، دون الحاجة إلى قرار معلل، ودون أن يحق للشخص المُسَرَّح الاعتراض على القرار أو اللجوء للقضاء! ويافطة “النزاهة” تُذَكِّرُنا بألوف السوريين الذين نُقِعوا في السجون سنواتٍ طويلة لأسباب “كوميدية”، مثل محاربة الدستور، وإضعاف الشعور القومي، ووهن عزيمة الأمة، ومعاداة أهداف التحويل الاشتراكي.. إلخ.
ولكن، فيما يتعلق بالمعتقلين، هل يشتري النظام السوري شرائعَ الأمم المتحدة، والأعراف الإنسانية، والنواميس البشرية، والقانون الدولي، والدستور السوري، والقانون السوري بـ “قشرة بصلة”؟ لا، أبدًا، بل إن الذين وصلوا ذات يوم إلى باب سجن تدمر كانوا يقرأون العبارة الرهيبة المكتوبة على بابه “يا داخل هذا المكان اِنْسَ الزمان”، ويكتشفون، لاحقًا، أنها العبارة الوحيدة الصحيحة، لأن الأشخاص المنتهية أحكامهم كانوا يُتْركون في السجن بضع سنوات أخرى، دون أن يَعثروا على شخص واحد يصغي إليهم ليبلغوه أن أحكامهم انتهت، وهناك جناح اسمه “جناح البراءة” فيه عدد كبيرٌ من المحكومين (براءة) ولكن حافظ الأسد لم يأذن بإطلاق سراحهم، وكان السجانون يحتفون بزيارة مدير السجن فيُضَحُّون له بأحد المعتقلين، إذ يستمرون بتعذيبه وضربه بأدوات حادة وحجارة ثقيلة حتى يموت، وبعدها -ولأجل أن تكون التضحية به قانونية- يدفعون جثته إلى المهجع، وبعد قليل يَطْرق سجانُ المهجع الباب، ويفتحون له، فيبلغهم أن الرجل توفي بأزمة قلبية!
ولكن هذا الذي كان يحصل على أيام حافظ الأسد كله ما عاد يساوي عشْرَ معشار ما يجري في سوريا المنكوبة على أيام الوريث بشار، ولا داعي لأذكركم بحوادث طازجة ما زالت الدماءُ تقطر منها، من قبيل صور قيصر، وجرائم الكيماوي، وتقارير الأمنستي عن محارق الجثث في سجن صيدنايا، والقوائم التي توزع على دوائر النفوس، التي يبحث لها المجتمع الدولي ذو الشرائع المُنْتَهَكة جهارًا عن تغطية قانونية!