سلسلة يكتبها منصور العمري
العدالة الانتقالية هي العدالة التي يفترض الوصول إليها في بلد ما بعد تعرضه لأحداث كبرى كثورات أو حروب وغيرها.
وهي التي تعيد تأهيل المجتمع برمته لتمهد له الطريق ليصبح مجتمعًا صحيًا يحترم الجميع فيه الآخر ويخلو من الانتقام والانتهاكات ردًا على ما مر به سابقًا، وينصرف إلى بناء البلد وتطويره.
حجر الأساس في العدالة الانتقالية هو المساءلة وإنصاف الضحايا والاعتراف بكرامتهم كمواطنين وككائنات بشرية. تجاهل الجرائم الكبرى والانتهاكات الجماعية، يدمر القيم التي يمكن بناء أي مجتمع لائق عليها.
تركز العدالة الانتقالية على وضع الضحايا وكرامتهم أولًا، ثم العمل على الالتزام المستقبلي بسلامة المواطنين العاديين في بلدانهم، وأن يكونوا في مأمن من انتهاكات سلطاتهم، وأن لهم حماية فعالة من الانتهاكات من قبل الآخرين.
الفظائع الجماعية والانتهاكات الممنهجة تدمر المجتمعات ويؤدي إرثها إلى بلد ضعيف متأرجح، وعدم المحاسبة يفرز مؤسسات دولة سياسية وقانونية، مثل البرلمان والقضاء والشرطة والنيابة العامة، ضعيفة وغير مستقرة ومسيّسة ومنحازة وقليلة الموارد، كما أن تجاهل الانتهاكات والجرائم التي وقعت لن يسمح بأي تغيير في الدولة لضمان حقوق وسلامة المواطنين.
معالجة الانتهاكات الجسيمة والجرائم المرتكبة هو ما يميز “العدالة الانتقالية” عن تعزيز حقوق الإنسان والمناصرة بشكل عام.
تتفاوت أهداف العدالة الانتقالية حسب السياق أو البلد تبعًا لما تعرض له المجتمع، لكن لها سمات ثابتة وأساسية بغض النظر عن السياق وهي:
1- الاعتراف بكرامة الأفراد أو الكرامة الإنسانية، أي عدم تعريض الفرد للتعذيب والإهانة والحرمان من الحقوق.
2- تعويض الضحايا.
3- الاعتراف بالانتهاكات، والعمل لمنعها من الحدوث مرة أخرى.
كمثال على ذلك، يجب تغيير القوانين السورية التي تحمي أجهزة المخابرات من المحاسبة، لضمان عدم تكرار ما ارتكبته هذه الأجهزة، ومحاسبة كل فرد منها ثبت ارتكابه أي جريمة.
أما النسبة لملف المعتقلين الذي قتلوا في معتقلات الأسد، فيجب تزويد العائلات بمعلومات كاملة عن وضع كل معتقل وأسباب مقتله، ومكان دفنه أو أي معلومة بشأن رفاته وما الذي حدث لجثته، كجزء أساسي من عملية العدالة الانتقالية، وهو ما لن يفعله الأسد.
الأهداف العامة للعدالة الانتقالية:
1- إنشاء مؤسسات دولة خاضعة للمساءلة واستعادة الثقة بها.
2- تمكين أضعف فئات المجتمع من الوصول إلى العدالة.
3- ضمان أن تلعب النساء والمجموعات المهمشة دورًا فعالًا في السعي لمجتمع عادل.
4- احترام سيادة القانون.
5- تسهيل عمليات السلام وتعزيز الحل الدائم للصراعات.
6- إنشاء أساس لمعالجة الأسباب الأساسية للصراع والتهميش.
7- دعم المصالحة.
لم ولن يتحقق أي مما سبق في سوريا الأسد، ولا يبدو أن المجتمع الدولي يظهر أي اكتراث لهذه النقاط الأساسية. لن يكون هناك عدالة أو عودة لملايين اللاجئين دون تحقيق هذه الأهداف في سوريا، وبالتأكيد لن يسمح الأسد بتحقيق أي منها، لأن يد العدالة ستطاله قبل الجميع، لذلك لا يبدو أن هناك حلًا لما “يسمى أزمة” اللاجئين، ولا بصيص أمل في عدالة محلية سورية.
نتيجة لذلك يجب تكاتف جهود المنظمات السورية المختصة والأفراد، وعائلات الضحايا، والضحايا، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، والمنظمات القانونية للعمل على هدفين رئيسيين هما:
1- محاسبة مجرمي سوريا في المحاكم الدولية ومحاكم دول الاختصاص القضائي العالمي.
2- حماية اللاجئين الذين لا يرغبون بالعودة من إجبارهم على ذلك من قبل الدول المستضيفة.
مراجع
الأمم المتحدة
مركز العدالة الانتقالية