د. أكرم خولاني
تعد الحصيات المرارية من مشاكل الجهاز الهضمي الشائعة، وهي غالبًا تكون غير عرضية، فتظل كامنة داخل الجسم دون علم المريض بإصابته بها لعدم ظهور أعراض لها، ولكن بالمقابل يعانى الكثيرون من آلام المرارة وهم يعتقدون أن مصدرها المعدة أو القولون، وقد يمر وقت طويل إلى أن يكتشفوا أن سبب الآلام هي الحصيات المرارية، لذلك وجدنا من الضروري التعريف بالحصيات المرارية وأعراضها وطرق تشخيصها وعلاجها.
ما هي الحصيات المرارية
هي حصيات تتشكل داخل المرارة من مكونات الصفراء، لذلك تسمى أيضًا بالحصيات الصفراوية، والمرارة عبارة عن كيس صغير موجود في الجزء العلوي الأيمن من البطن تحت الكبد مباشرة، يخزن في داخله العصارة الصفراء التي ينتجها الكبد، والتي تساعد على هضم الدهنيات، وتتدفق عصارة المرارة من كيس المرارة باتجاه الأمعاء الدقيقة من خلال قنوات دقيقة وصغيرة تسمى القناة المرارية والقنيّات الصفراوية، ولذلك من الممكن أن تنتقل الحصيات المرارية من داخل المرارة إلى أجزاء أخرى من الطرق الصفراوية.
ويمكن أن تختلف الحصيات المرارية في الحجم من صغيرة مثل حبة الرمل إلى كبيرة مثل كرة الغولف، وكذلك تختلف أعدادها من مريض لآخر، فبعض المرضى تتكون لديهم حصاة واحدة بينما قد توجد عدة حصيات في آن واحد لدى آخرين.
كما تختلف الحصيات المرارية من حيث التركيب، حيث تقسم حسب تركيبها إلى الأنواع التالية:
- حصيات الكولسترول: أكثر أنواع الحصيات المرارية شيوعًا، يكون على الأقل 80% من وزنها كولسترول، ويختلف لونها من الأصفر الفاتح إلى اللون الأخضر الداكن أو البني أو بلون الطباشير البيضاء، وعادة تقيس الواحدة ما بين 2 و 3سم.
- حصيات صباغية: تتكون من البيليروبين و أملاح الكالسيوم التي توجد في الصفراء، وأقل من 20% من وزنها كوليسترول، وعادة ما تكون صغيرة الحجم وداكنة اللون ومتعددة.
- حصيات مختلطة: تتكون من 20-80% كوليسترول، والمكونات الأخرى الشائعة هي كربونات الكالسيوم، بالميتات الفوسفات، البيليروبين وغيرها من أصباغ الصفراء (بيليروبينات الكالسيوم، وبالميتات الكالسيوم، وستيرات الكالسيوم)، وتكون هذه الحصيات بنية اللون، وبسبب ارتفاع نسبة الكالسيوم داخلها، فإنها غالبًا ما تكون مرئية بواسطة الأشعة السينية.
ما أسباب تشكل الحصيات المرارية؟
لا يوجد سبب أساسي لتشكل الحصيات المرارية، ولكن هناك دراسات تشير إلى أن زيادة مستوى الكوليسترول ونقص الأملاح الصفراوية التي تفكك الكولسترول وتمنعه من التراكم أو زيادة الكالسيوم في الصفراء قد يؤدي للحصيات، وكذلك هناك عاملان مهمان في تكونها:
- كيفية ومدة الانقباضات المرارية، لأن عدم انتظام عملية الانقباضات قد يؤدي إلى التفريغ غير الكامل وغير المنتظم للمرارة وهذا قد يسبب زيادة تركيز الصفراء ويسهم في تكوين الحصيات.
- نسبة وجود البروتينات الموجودة داخل الكبد والمرارة والتي قد تؤثر على عملية تحويل الكوليسترول الموجود إلى حصيات.
ولا توجد علاقة واضحة بين الغذاء وتكون الحصيات في المرارة، لكن الأغذية عالية الكوليسترول قليلة الألياف، والأغذية النشوية تعتبر كعوامل مساعدة في تكون الحصيات.
وبشكل عام هناك بعض العوامل التي تزيد من نسبة الإصابة بالحصيات المرارية، وهي:
- جنس النساء، إذ تزيد نسبة إصابة السيدات بمعدل الضعف على الرجال.
- العمر، أكثر نسبة للإصابة عند من هم في سن بين 40 و60 عامًا.
- السمنة، فالأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن أكثر عرضة للإصابة.
- ارتفاع هرمون الأستروجين، نتيجة الحمل أو العلاج الهرموني أو موانع الحمل المكونة من الأستروجين.
- من تعرضوا لفقدان حاد في الوزن ضمن فترة زمنية قصيرة.
- السكري.
- ارتفاع الدهون الثلاثية في الدم.
- فقر الدم الانحلالي (مثل الداء المنجلي وتكور الكريات الحمر الوراثي).
- تليف الكبد.
- التهابات المسالك الصفراوية.
- عدم شرب الماء بكميات كافية.
- استخدام مثبطات مضخة البروتون لفترات طويلة، حيث يؤدي إلى انخفاض وظيفة المرارة، ما قد يؤدي إلى تكون الحصاة.
- وجود قصة عائلية للحصيات المرارية.
- وقد وجدت علاقة بين نقص النوم والسهر ليلًا وتكون حصيات المرارة.
ما أعراض الإصابة بالحصيات المرارية؟
يعتبر مرض الحصيات المرارية من أكثر الأمراض الهضمية شيوعًا، ولكن يمكن لحصيات المرارة البقاء لسنوات في المرارة دون أن تظهر لها أي أعراض (حصيات صامتة)، وهذا النوع من الحصيات يتم اكتشافها عادة عند إجراء التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الفحص بالأشعة المقطعية لحالات مرضية أخرى.
تشكل الحصيات الصامتة 70% من الحالات، وهناك 30% من الحالات فقط قد تسبب أعراضًا ومضاعفات في نهاية الأمر، وأهم الأعراض:
- القولنج المراري: ألم حاد ماغص، في الجزء العلوي الأيمن من البطن (المراق الأيمن)، قد ينتقل إلى الظهر بين اللوحين أو إلى الكتف الأيمن أو منتصف البطن، يستمر لمدة دقائق أو ساعات ثم يزول وحده أو بعد إعطاء مسكن، ثم يعاود من جديد، والعلامة المميزة لهذا الألم أن المريض لا يستطيع الجلوس ساكنًا أبدًا في أثناء النوبة، وإنما يتلوى من شدة الألم، وعادة ما تحدث الهجمات بعد وجبة دسمة، وتحدث غالبًا في الليل.
- ارتفاع حرارة بسيط.
- الغثيان والشعور بالامتلاء، وقد يحدث القيء.
- يرقان انسدادي: ويحدث عند خروج الحصاة من المرارة إلى القناة الصفراوية الجامعة وانحشارها مسببة انسداد القناة أمام مجرى الصفراء، حيث يؤدي ذلك لعدم وصول الصفراء إلى الأمعاء، ما يجعل البراز فاتح اللون (البراز الحواري)، وبسبب عدم وجود تصريف للصفراء فتتجمع في الكبد وتذهب للدم، فيترسب البيليروبين في الجلد والأغشية المخاطية مسببًا اصفرار بشرة الجلد و بياض العينين، كما يطرح مع البول فيصبح داكن اللون.
ما المضاعفات المحتملة للحصيات المرارية؟
- التهاب المرارة الحاد: وهو حالة التهابية تتمثل باحتباس الصفراء داخل المرارة، وغالبًا بسبب عدوى ثانوية بواسطة الكائنات الدقيقة في الأمعاء، كالإيشريشيا القولونية، والكليبسيلا.
- انسداد القناة الصفراوية الجامعة.
- التهاب الطرق الصفراوية الصاعد: نتيجة انسداد القناة الجامعة.
- التهاب البنكرياس الصفراوي: نتيجة انسداد القناة الجامعة أو البنكرياسية أو كلتيهما.
- سرطان المرارة: وهو سرطان نادر، ويكون المرضى المصابون بالحصيات المرارية أكثر عرضة للإصابة به من غيرهم.
كيف يتم تشخيص الإصابة بالحصيات المرارية؟
يمكن للأعراض أن توجه إلى وجود حصيات مرارية أو أحد مضاعفاتها، فمثلًا يشير وجود حرارة مع ألم في المراق الأيمن مع إيجابية علامة مورفي (يضغط الطبيب بيده أسفل الأضلاع في الجهة اليمنى للبطن ويطلب من المريض أن يأخذ شهيقًا عميقًا، فإذا شعر المريض بألم شديد جعله يقطع الشهيق تكون العلامة إيجابية إلى التهاب المرارة، كذلك يشير وجود يرقان مع حرارة وعرواء مع ألم بطني مراقي أيمن (تسمى هذه الأعراض الثلاثة بثلاثي شاركو) إلى التهاب الطرق الصفراوية الصاعد.
ويمكن للطبيب تأكيد تشخيص الحصيات المرارية بتصوير البطن بالموجات فوق الصوتية (إيكو).
قد لا يكشف هذا الفحص عن وجود حصيات في المرارة، ولذلك في حالة اشتباه الطبيب بوجود مشاكل في المرارة أو الطرق الصفراوية قد يوجه المريض لإجراء تصوير رنين مغناطيسي والذي يظهر الحصيات الصغيرة في الطرق الصفراوية.
كما يمكن التشخيص عن طريق تصوير الطرق الصفراوية بالطريق الراجع ERCP، الذي يؤكد سلامة الطرق الصفراوية أو إصابتها.
ومخبريًا يظهر فحص الدم بعض المؤشرات لوجود انسداد بالطرق الصفراوية كارتفاع بيليروبين الدم والترانساميناز، ويمكن أن يلاحظ ارتفاع بالفوسفاتاز القلوية والغاما GT، وهناك مؤشرات أخرى لانسداد قناة البنكرياس مثل زيادة في الليباز والأميلاز.
كيف تعالج الحصيات المرارية؟
الحصيات التي لا تسبب ظهور أعراض عادة لا تحتاج إلى علاج، أما عندما تبدأ الأعراض بالظهور فيجب علاج الحالة:
دوائيًا:
يجب إعطاء المسكنات لتخفيف الألم، ويمكن حل الحصيات أحيانًا عن طريق استخدام حمض يورسوديوكسيكوليك الذي يؤخذ عن طريق الفم، ولكن لا يحبذ الأطباء استخدام الأدوية لتفتيت الحصيات المرارية لأن العلاج الدوائي يجب أن يستمر لعامين حتى تظهر فاعليته، كما أن الحصيات تعود لتتشكل في 40 – 50% من الحالات بعد إيقاف الدواء.
استئصال المرارة جراحيًا:
إن التقدم الشديد في طرق استئصال المرارة جراحيًا وعلى رأسها الاستئصال بالتنظير يجعل هذه العملية حلًا مثاليًا للكثير من الحالات، ويتم إجراء استئصال المرارة عند حدوث التهاب المرارة الحاد، أوفي حال صارت الآلام غير محتملة ولا يمكن التعايش معها، أو عند وجود حصيات مرارية صغيرة متعددة للوقاية من انزلاقها لتسد القناة الجامعة، أو عند حدوث التهاب البنكرياس الناجم عن حصيات المرارة، أو عند وجود عوامل خطورة لسرطان المرارة (حصيات مع سكري، ترسب الكلس في جدار المرارة بسبب التهاب المرارة المزمن، قناة البنكرياس غير الطبيعية).
تصوير الطرق الصفراوية بالطريق الراجع ERCP:
قد تصل حصاة صغيرة إلى القناة الصفراوية بالقرب من الأمعاء وتنحشر في الجزء الأخير من القناة الصفراوية، ما يسبب توسع الطرق الصفراوية مع يرقان وآلام متكررة، وعندها يستطب إزالتها عن طريق الأمعاء، حيث يقوم طبيب الأمراض الهضمية بالدخول عن طريق الفم والمريء والمعدة والاثني عشر حتى مصب القناة الصفراوية إلى الأمعاء ثم يدخل أنبوبًا مع نفخ بالون لتوسيع القناة أمام الحصاة فتخرج، وهذا ما نسميه ERCP.