نور عبد النور | ضياء عودة | حلا إبراهيم
رغم القصف المتواصل، كانت نور (20 عامًا) تجد أسبابًا جديدة للأمل، على هيئة منزل صغير يجمعها بزوجها، وجنين في شهره السادس ينمو في أحشائها، لكن ضريبة هذا الأمل في الغوطة الشرقية كانت أكبر مما تخيلته الشابة.
في العام 2017، وخلال إحدى حملات النظام السوري على مدينة حمورية في الغوطة الشرقية، اختارت قذيفة هاون منزل نور ليكون هدفها المباشر، فاخترقت الجدار لترمي بإحدى شظاياها على ساق الشابة، وتستقر في جسد زوجها، وفق ما تحدثت به لعنب بلدي.
فارق الزوج الحياة على الفور، أما نور (رفضت ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية) فتعرضت لإصابة بالغة تسببت ببتر ساقها اليسرى، لتعود، بعد أن حافظت على جنينها رغم المضاعفات الصحية للإصابة، إلى منزل والديها مع خسارات جديدة.
التحقت نور بقائمة طويلة من مصابي الحرب في الغوطة الشرقية، وصُنّفت ضمن ضحايا الحرب السورية، ولا تزال حتى اليوم، وبعد استقرارها في مدينة دمشق، تبحث عن رعاية تخفف عنها معاناتها.
يصل عدد الأشخاص الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم جراء الحرب في سوريا إلى 86 ألفًا، وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة “هانديكاب إنترناشيونال” (HI)، في كانون الاول من العام الماضي.
ضحيّة.. بين إغماءة وإفاقة
تحولت نور خلال دقائق قليلة من شابة مفعمة بالحياة والحركة إلى ضحية، واضطرت للاعتماد على والدتها وإخوتها لمساعدتها في التنقل وتربية طفلتها الصغيرة، التي ولدت عقب إصابتها بثلاثة أشهر، حالها كحال مليون ونصف المليون سوري تعرضوا لإعاقات دائمة إثر الإصابة وفق تقرير منظمة “الصحة العالمية” ومنظمة “هانديكاب إنترناشيونال”.
ويشير التقرير ذاته إلى أن مليونًا ونصف مليون آخرين يعانون من إصابات متنوعة بفعل الحرب، ما يجعل مجموع مصابي الحرب في سوريا خلال الأعوام الستة الماضية يصل إلى ثلاثة ملايين موثقين.
مناطق سيطرة المعارضة ضمت القسم الأكبر من المصابين، على اعتبار أنها هدف لقصف متواصل من النظام السوري وحليفه الروسي، فيما أدت قذائف الهاون التي سقطت بشكل متقطع على مناطق النظام أو التفجيرات إلى تعرض المئات إلى إصابات تتراوح بين البسيطة والشديدة المسببة للإعاقات.
ولم تصدر عن النظام السوري إحصائيات دقيقة حول مصابي الحرب في المناطق التي يسيطر عليها.
علي الحاج سليمان، من قرية حاس في ريف إدلب، هو أيضًا ضحية لقصف بالصواريخ من طائرات النظام تسبب بإصابته بشلل نصفي، أقعده عاجزًا وهو في بداية العقد الثالث من عمره.
يقول علي في لقاء مع عنب بلدي، “ألقت طائرة حربية صاروخًا في حيّنا وتسبب بإصابات بين المدنيين وأنا منهم، فقدت الوعي إثر الضربة، وحين استيقظت وجدت نفسي في المستشفى”، ويتابع “سمعت الطبيب يقول لعائلتي إن علي أصيب بشلل نصفي، تبددت أحلامي حينها، كنت أرغب بنقل معاناة الشعب السوري حينها، لكني أصبحت الضحية”.
يواجه علي صعوبات كبيرة في الحركة، ويعتمد بشكل شبه كامل على عائلته، ولا تزال الشظية التي تسببت بإصابته موجودة في ظهره تهدده بانتكاس حالته الصحية، مع ضعف الإمكانيات الطبية في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، ومحدودية الدعم الذي تقدمه المنظمات والهيئات والمراكز المعنية بمصابي الحرب في سوريا.
ثلث المصابين من الأطفال
يشير التقرير الصادر عن منظمتي “الصحة العالمية” و”هانديكاب” إلى أن الأطفال يشكلون ثلث مصابي الأسلحة المتفجرة في سوريا، ويتساءل القائمون عليه، “ماذا سيحدث لهؤلاء الأطفال في العشر أو الخمس عشرة سنة المقبلة؟ هل سيتمكنون من الحصول على التعليم؟ هل سيحصلون على فرص اقتصادية ويكونون قادرين على إعالة أسرهم؟ كيف سيتم دمجهم في المجتمع؟”.
تلك التساؤلات، التي تعد بمثابة ناقوس خطر تدقه المنظمتان، تشكل جوهر المخاوف التي تتملك أسرة الطفل محمد العبسي، الذي التقته عنب بلدي في منزله ببلدة معرة حرمة في ريف إدلب.
فقد محمد (12عامًا) يده اليمنى إثر قصف لطائرة حربية استهدفت حيّه قبل نحو عام، وعن تلك اللحظات يقول، “كنت ألعب مع أصدقائي حين نفذت الطائرة الحربية إحدى غاراتها، بُترت يدي فحملتها وركضت باتجاه الشارع العام، حيث تم إسعافي إلى أحد المستشفيات”.
يواجه محمد اليوم مصاعب كبيرة في التأقلم مع الحياة بيد واحدة، ويقول، “كنت أذهب لقطاف الشفلح، ولم أعد أتمكن من فعل ذلك اليوم، يساعدني إخوتي حين أريد الوضوء أو شرب الماء”.
ولا يحظى محمد، وفق ما أكده لعنب بلدي، بدعم كبير من المنظمات والمراكز التي تهتم بمصابي الحرب والتي عاينت حالته ووثقتها، وتتركز أحلامه وآماله حول الحصول على يد صناعية.
الرعاية الصحية “محدودة”
يجمع المصابون الثلاثة الذين التقتهم عنب بلدي على أن الرعاية الصحية التي يتلقونها لا تكفي لإعادتهم إلى حياتهم بشكل طبيعي.
فالشابة نور، تمكنت بصعوبة من تركيب طرف صناعي محلي الصنع على حساب عائلتها، وصلت تكلفة شرائه وإدخاله إلى الغوطة الشرقية نهاية العام الماضي إلى 1000 دولار أمريكي، لتتمكن من استعادة حركتها الطبيعية حينها.
وعقب مغادرتها إلى العاصمة دمشق في آذار الماضي، راجعت نور مقرات منظمة “الهلال الأحمر”، وحصلت على مفصل صناعي جديد، دون أن تتمكن من تركيبه حتى الآن.
وترتاد نور بشكل أسبوعي المشافي الحكومية لتلقي العلاجات الضرورية، لكنها لم تحظَ حتى الآن سوى بجلستي علاج فيزيائي، بانتظار القدَم الجديدة التي من المفترض أن تحصل عليها بشكل مجاني.
أما علي الحاج سليمان فهو يستخدم اليوم كرسيًا متحركًا للتنقل، ورغم ذلك يبقى بحاجة إلى مساعدة من العائلة بشكل أساسي.
ويشير علي إلى أن المساعدات تقتصر على تقديم اللوازم الطبية لتنظيف الجرح الموجود في ظهره إثر عملية جراحية في الفقرات، مضيفًا “تواصلت مع عدد من المنظمات، الجميع يعدني ولكن أحدًا لم يقدم لي شيئًا حتى الآن”.
الألغام في سوريا..
خطر يهدد ثمانية ملايين سوري
تعمل الألغام كسلاح مزدوج خلال الحروب فتكون وسيلة دفاعية في المعارك، وأداة انتقام تستخدمها بعض الجهات العسكرية التي تنسحب من مواقع انتشارها بضغط عسكري، عبر تلغيم الطرقات والشوارع والبيوت قبل الانسحاب.
وتشير منظمة “الصحة العالمية” إلى أن ما يزيد على ثمانية ملايين سوري معرضون لأخطار “مميتة” بسبب الألغام ومخلفات الحرب.
ووفق تقرير صدر عن المنظمة، في نيسان الماضي بمناسبة “اليوم العالمي للتوعية بالألغام”، فإن بين العدد السابق يوجد ثلاثة ملايين طفل سوري معرضين للموت أو التشوهات بفعل المتفجرات التي خلفتها الحروب في البلد.
وقدرت المنظمة أن ما لا يقل عن 361 شخصًا تشوهوا، بسبب مخلفات الحرب بعدة مناطق في سوريا.
ومن أبرز هذه المناطق، مدينة الرقة التي خرج منها تنظيم “الدولة الإسلامية”، في تشرين الثاني الماضي، مخلفًا وراءه أرقامًا “صادمة” من الألغام.
وكذلك شهد ريف الحكسة الجنوبي وضعًا مماثلًا، بالإضافة إلى ريف حلب الشمالي، وجميعها كان التنظيم فيها المسبب الأكبر لانتشار الألغام والمتفجرات.
كما اتبعت “وحدات حماية الشعب” (الكردية) نفس أسلوب التلغيم، بعد بدء حملة عسكرية ضدها في عفرين، شنها كل من الجيش التركي وفصائل من المعارضة السورية.
جهات تعنى بمصابي الحرب ببرامج محدودة
تغيب البرامج والمناهج المختصة لرعاية مصابي الحرب في الشمال السوري، ويقتصر تقديم الدعم الطبي لهم على مراكز ومؤسسات طبية غير معنية بهم بشكل أساسي، بالإضافة إلى منظمات خصصت جزءًا من عملها للعلاج الفيزيائي ورعاية المتضررين بشكل دائم من القصف أو انفجار مخلفات المعارك في عدة طرق على المستويين المهني والنفسي.
ويعتبر الشمال السوري خزانًا بشريًا كبيرًا، وكان قد قصده في السنوات الماضية الآلاف من المدنيين المهجرين من الغوطة الشرقية ومحافظة درعا وريف حمص الشمالي، بينهم مئات الحالات المتضررة من القصف الجوي على مناطقهم، والتي تتفاوت بين الإصابات الخفيفة والمتوسطة والإعاقات الدائمة التي تحتاج لرعاية طبية على المدى الطويل.
وبعد سبع سنوات من النزاع السوري وتقلص العمليات العسكرية يبقى مصير المصابين غير واضح سواء من ناحية الجهة الرئيسية التي ستتولى تقديم الرعاية الطبية الطويلة لهم، أو وضعهم الحالي من حيث ما يتم تقديمه لهم، وخاصة العلاج الفيزيائي والنفسي الذي يعتبر جزءًا أساسيًا في التراتبية العلاجية للمصابين، وخاصة المبتورة أطرافهم.
بحسب ما رصدت عنب بلدي تقدم عدة هيئات ومنظمات خدماتها الطبية لمصابي القصف من المدنيين في الشمال أبرزها: “منظمة سند”، “المشروع الوطني لصناعة الأطراف الصناعية”، منظمة “بلسم”، “رابطة مصابي الحرب”، “منظمة سامز”، بالإضافة إلى منظمات إنسانية أخرى خصصت جانبًا من عملها للعلاج الفيزيائي.
الرعاية موجودة.. البرامج محدودة
رغم الخدمات المقدمة للمصابين، لا توجد المنهجية والبرامج المحددة لتقديمها بالشكل الصحيح، بحسب ما يقول المدير التنفيذي لمنظمة “سند”، وائل أبو كويت. ويضيف لعنب بلدي أن مصابي الحرب يعيشون حاليًا في ظروف مأساوية لعدة أسباب بينها غياب البرامج المتخصصة، والتعامل العاطفي من قبل بعض المؤسسات والمنظمات، والذي يؤدي إلى مشاكل كبيرة ويعطي برامج غير واضحة، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المصابين جراء القصف ومخلفات المعارك، معتبرًا أن تقديم الخدمات لمصابي الحرب يحتاج إلى دولة وتشريعات وقوانين تشرف على هذه العملية.
ينحصر العمل الطبي لـ “سند” بذوي الاحتياجات الخاصة وهم على قسمين، المصابون قبل بدء الحرب كالإصابات الخلقية، والقسم الآخر هم من مصابي القصف والأعمال العسكرية، ويتركز عملها في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وكانت تغطي محافظتي القنيطرة ودرعا قبل سيطرة قوات الأسد عليهما بشكل كامل.
ويوضح “أبو كويت” أن المنظمة التي يديرها تعمل على برامج الحماية والتعليم وسبل العيش، بالإضافة إلى نشاطها الإغاثي عن طريق تحويل بعض الحالات إلى منظمات طبية كبيرة لإخضاعها للعلاج الفيزيائي.
“الخدمات المقدمة قليلة وغير كافية”، ويعتبر “أبو كويت” أن الرعاية ورغم وجودها لا تفي بالغرض، مشيرًا إلى أنه حتى اليوم “لا توجد جهة أساسية تعنى بمصابي الحرب في الشمال السوري”.
وقال إن بعض المراكز المتخصصة افتُتحت في الأشهر الماضية، وينقسم العمل فيها إلى نوعين، الأول منظمات تفتح قسمًا أو برنامجًا لبعض من ذوي الاحتياجات، والقسم الثاني منظمات ناشئة جديدة عقليتها الكاملة إغاثية، وتركز على تقديم الدعم المادي أو الكراسي والعكازات للعجزة.
ويؤكد على حديث “أبو كويت” عبد الرحيم خلوف، مدير المشروع الوطني للأطراف الصناعية في إدلب، والذي يوضح لعنب بلدي أن الرعاية الطبية لمصابي الحرب في الشمال “غير كافية”، لافتًا إلى غياب البرامج المتخصصة بذلك، والتي من المفترض أن تكون على المستوى الطويل.
ويقدم “المشروع الوطني لتركيب الأطراف” عدة خدمات للمصابين، بينها تركيب أطراف سفلية وعلوية، بالإضافة إلى تأهيل كوادر فنية للعمل بمجال الأطراف الصناعية، وبحسب خلوف تقدم جميعها بشكل مجاني للمدنيين المصابين في الشمال.
مراكز منشأة حديثًا
إلى جانب ما تقدمه المنظمات الإنسانية والإغاثية من خدمات لمصابي الحرب، أنشئت على مدار الأشهر الماضية من العام الحالي مراكز متخصصة لتقديم الخدمات الطبية، خاصةً لمبتوري الأطراف، بينها “مركز الخطوات السعيدة” في معبر باب السلامة بريف حلب الشمالي، و”رابطة مصابي الحرب” التي أنشأتها منظمة “بلسم” في الشمال، عدا عن المكتب الذي أعلن عنه المجلس المحلي في مدينة جرابلس مؤخرًا.
ويختص مركز “الخطوات الصغيرة” بريف حلب بتركيب الأطراف الصناعية السفلية للمصابين، أما الأطراف العلوية فلا توجد ضمن برنامجه كون الدعم الذي يتلقاه لا يغطي هذا النوع من الإصابات.
وتقدم الخدمات فيه بشكل مجاني، وبحسب تسجيل مصور تعريفي للمركز توجد آلية للتسجيل والتواصل مع القائمين عليه والأطباء العاملين فيه.
وفي ريف حلب الشمالي أيضًا كان المجلس المحلي في مدينة جرابلس، شمالي حلب، قد بدأ بتركيب أطراف صناعية إلكترونية ذكية، لمبتوري الأطراف في منطقة “درع الفرات، ودعا مكتب الخدمات الاجتماعية في المجلس، أواخر العام الماضي، الراغبين بالحصول على طرف صناعي، للتوجه إلى مقر المجلس في المنطقة، في إطار خطته ضمن المرحلة الأولى لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي تموز العام الحالي أسس مجموعة من مصابي الحرب في الشمال السوري رابطة أطلقوا عليها اسم “رابطة مصابي الحرب”، أعلن عنها بعد حملة “إصابتي ليست عجزًا”، التي أطلقتها منظمة “بلسم”.
مصطفى عبد الغني، قائد حملة “إصابتي ليست عجزًا”، قال لعنب بلدي إن الاجتماع التأسيسي للرابطة عقد في 28 من حزيران الماضي، في مدينة ترمانين بريف إدلب الشمالي الشرقي. وبحسب عبد الغني، تهدف الرابطة “بالدرجة الأولى إلى إعادة تأهيل مصابي الحرب ودمجهم في المجتمع وإثبات أنهم قادرون على أن يكونوا فعالين، في مجتمع أصبح بحاجة إلى جميع الفئات المهمشة فيه”.
وأضاف قائد الحملة أن الرابطة ستكون صوت مصابي الحرب، وستعمل على توحيد مطالبهم وتمثيلهم بشكل رسمي ومنظم في المحافل الدولية.
وستتولى الرابطة مهام أهمها “عقد اجتماعات دورية لمناقشة قضايا المصابين والصعوبات التي تواجههم، بالإضافة إلى تقديم خدمات دعم نفسي للمصابين بحالات اكتئاب وعزلة مترافقة مع إصاباتهم الجسدية، ومن ثم مخاطبة الجهات الفاعلة في المجتمع ببيانات موحدة عنهم”.
وحاليًا تعمل الرابطة في مدينة ترمانين، وسيتم افتتاح مكاتب لها في كل من الدانا وسرمدا بريف محافظة إدلب، على أن يفتتح باب الانتساب قريبًا أمام جميع مصابي الحرب الراغبين بالالتحاق بالرابطة، وفق ما قال مدير حملة “إصابتي ليست عجزًا”.
في مناطق النظام.. الرعاية لأصحاب “الواسطات”
بالانتقال إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري تقدم الخدمات والرعاية الطبية للمصابين بصورة مختلفة، وتتركز بأصحاب “الواسطات” (لهم صلة بمسؤولين في الحكومة السورية ودوائر الدولة)، بحسب ما أوضحت مصادر متطابقة في مناطق النظام لعنب بلدي.
ووفق المصادر فإن مصابي الحرب والعمليات العسكرية لهم أولوية في العلاج عن المرضى العاديين في المشافي الحكومية التابعة للنظام السوري، لكن ومنذ مطلع العام الماضي تقلصت الخدمات التي تقدم لهم بشكل كبير، خاصةً الأطراف الصناعية.
وأشارت المصادر إلى أن سعر تركيب الطرف الصناعي الواحد يتجاوز مليون ليرة سورية، لافتةً إلى أن الأطراف في السنوات الماضية كانت توزع مجانًا لبعض جرحى قوات الأسد وعوائل القتلى، أما اليوم فالأمر يحتاج إلى “واسطة” من جهة ودفع جزء من المبلغ المالي.
وفي تقرير منظمة “الصحة العالمية” ومنظمة “هانديكاب”، فإن أقل من نصف المستشفيات والمرافق الصحية العامة في سوريا لا تزال تفتح أبوابها أمام المرضى، لكن أكثرها يفتقر إلى التجهيزات المناسبة لتقديم الرعاية إلى المرضى الذين يعانون من الإصابات.
كما يوجد مركزان للتأهيل البدني في دمشق وحمص يوفران الأطراف الصناعية، وأشارت المنظمتان إلى أن “القيود البالغة الشدة على إتاحة الرعاية الطبية، تسببت في تحول الإصابات التي يعاني منها كثير من الناس إلى اعتلالات دائمة”.
مصابو الحرب العسكريون..
المعاملة تختلف بين النظام والمعارضة
لم تكن الإصابات جراء الحرب مقتصرة على المدنيين فقط، بل طالت العسكريين بشكل كبير من القوات التابعة للنظام السوري وفصائل المعارضة، ولا توجد إحصائيات تفصل بين المدنيين والعسكريين المصابين جراء الحرب.
وتختلف الخدمات والرعاية الطبية التي تقدمها فصائل المعارضة عن التي يقدمها النظام السوري، سواء من حيث الامتيازات التي يحظى بها المقاتل في حال إصابته بشكل دائم أو مؤقت، والتي تعتبر تعويضًا له بعد مشاركته في العمليات العسكرية.
فيما يخص فصائل المعارضة، تختلف أيضًا الامتيازات بين فصيل وآخر، وخاصةً بين التي تتبنى الرؤية الإسلامية وبين الفصائل على الجانب الآخر والمنضوية في “الجيش الحر”.
وفي حديث مع الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب ناجي المصطفى، قال إن الخدمات المتمثلة بالدعم المالي والرعاية الطبية تقدم للمقاتل المصاب حتى إتمام فترة علاجه، وتبقى سارية بشكل دائم للإصابات التي تسبب عجزًا كاملًا.
وأضاف القيادي لعنب بلدي أن عائلات قتلى فصائل “الجيش الحر” لهم راتب مالي بشكل شهري من الفصيل الذي كان يتبع له المقاتل، مشيرًا إلى إجراءات يتم فيها تحديد نسبة العجز بعد إصابة المقاتل لتحديد حجم الرعاية الطبية التي ستقدم له.
وتتركز التراتبية السابقة في فصائل “الجيش الحر” بشكل أساسي، وخاصة في الريف الشمالي لحلب، والتي انضوت جميعها في “الجيش الوطني” الذي يتلقى دعمًا عسكريًا وماليًا من تركيا.
وبحسب ما قالت مصادر عسكرية لعنب بلدي من ريف حلب يتلقى مصابو الفصائل في ريف حلب الرعاية الطبية في حال إصابتهم خلال المعارك في “دور استشفاء” تم تأسيسها في الأعوام الثلاثة الماضية، وأوضحت أن جميع الفصائل تقدم دعمًا ماليًا وطبيًا لمقاتليها بعد إصابتهم، بالإضافة إلى سللٍ غذائية تقدم لعوائلهم بشكل شهري أيضًا.
بالنسبة لمصابي قوات الأسد يختلف وضعهم عما ذكر سابقًا، ولعل التسجيل المصور الذي نشر في أيار الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي لعنصر من قوات الأسد وهو يتسول في أحد شوارع طرطوس يختصر المشهد الكامل.
صفحات موالية للنظام قالت حينها إن الشاب الذي يظهر في التسجيل “عسكري مصاب يستجدي الناس في شوارع طرطوس ليجمع ثمن عمليته الجراحية”، وأثار حينها غضب كثيرين من مؤيدي الأسد بسبب عدم اهتمام الحكومة بالعناصر المصابين ومعالجتهم مجانًا، باعتبارهم أسهموا فيما يصفونه بـ “محاربة الإرهاب”.
ويتلقى مصابو قوات الأسد العلاج في المشافي العسكرية، لكنها ليست كافية بحسب ما أكد مصدر مطلع لعنب بلدي (رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية)، ويقول إن رواتب المصابين تبقى مستمرة حتى الانتهاء من فترة العلاج.
وفي حال لم تؤثر الإصابة التي يتعرض لها المقاتل على خدمته يعود إلى العمل العسكري من جديد لكن بـ “خدمات ثابتة”، ويوضح المصدر “في حال تخلفه عن الالتحاق بعد الانتهاء من الفترة العلاجية يعتبر متخلفًا عن أداء الخدمة وتتوقف مستحقاته المالية”.
ويسعى النظام السوري إلى تقديم ميزات لذوي العناصر الذين يقتلون في صفوف قواته، في محاولة منه لإظهار الاهتمام بهم، لكن بعض المؤيدين يتهمونه بإهانة عناصره عبر منحهم مساعدات رمزية، كعلب بسكويت أو ساعات حائط أو مواصلات مجانية، كما حصل في مدينة اللاذقية.
وأطلق النظام السوري عدة برامج في السنوات الماضية تخص جرحى قواته، أبرزها في عام 2014 تحت مسمى “جريح الوطن” والذي يختص بتأمين متطلبات الجريح من الرعاية الطبية والمستحقات بما في ذلك تركيب الأطراف والعمليات الجراحية.
وبحسب ما قالت “رئاسة الجمهورية” عبر معرفاتها الرسمية، في 2014، يشمل البرنامج جميع عناصر قوات الأسد، و”يهدف إلى دعم المصاب وعلاجه وبلوغه حقوقه وتأهيله لتمكينه من العودة إلى المجتمع والاندماج فيه معتمدًا على نفسه”.
حقوق مصابي الحرب في القانون الدولي
جاء في القانون الدولي الإنساني العديد من القواعد التي تنص على وجوب معاملة الجرحى معاملة إنسانية، منها اتفاقية جنيف في المواد (3-12-15)، وعدم تعريضهم للتعذيب وإخضاعهم للتجارب، وتأمين الرعاية اللازمة لهم دون تمييز، وجاءت تلك المواد متضمنة عدة أمور منها معالجتهم وحظر الهجوم عليهم، وتحريم الإجهاز عليهم.
الجرحى، وفق تعريف القانون الدولي الإنساني هم “الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة، أو المرض، أو أي اضطراب، أو عجز بدنيًا كان أم عقليًا، والذين يحجمون عن أي عمل عدائي”.
والملاحظ أن القانون لم يفرق بين الجريح داخل الحرب أو خارجها، كما أنه لم يفرق بين الجريح العاجز عن القتال، والجريح غير العاجز عن القتال.
نصت “اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة” عام 2015، على أن “إعادة التأهيل حق أساسي من حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة، بغض النظر عن نوع ودرجة الإعاقة، وعلى المجتمع والدولة والأشخاص والأسرة أن توفر لهم خدمات اعادة التأهيل”.
والتأهيل هو عملية تهدف إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول إلى طاقاتهم الكاملة المتضمنة قدراتهم الحسية والفكرية والنفسية والاجتماعية الى أقصاها، كما تهدف الى توفير الأدوات المساعدة للوصول إلى أعلى درجة من الاستقلالية.
اختلف فقهاء القانون في تعريف “جرحى الحرب” فمنهم من قال إن الجريح “هو كل من كان في ساحة القتال وبه جرح لا يستطيع معه القتال ولا يرجى برؤه”.
ويرى آخرون أن جرحى الحرب “هم من يصابون بجروح مختلفة في أثناء المعركة بفعل استخدام الجيش للأسلحة المختلفة”.
ويذهب رأي آخر إلى أن جرحى الحرب “هم الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية والذين يحجمون عن أي عمل عدائي”.
كما نصت “اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان”، المؤرخة في 12 من آب 1949، في المادة (15) منها، على أنه “في جميع الأوقات، وعلى الأخص بعد الاشتباك في القتال، يتخذ أطراف النزاع دون إبطاء جميع التدابير الممكنة للبحث عن الجرحى والمرضى، وجمعهم، وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة، وتأمين الرعاية اللازمة لهم”.
كما نصت المادة (23) منها على أنه “يجوز للأطراف السامية المتعاقدة في وقت السلم، ولأطراف النزاع بعد نشوب الأعمال العدائية، أن تنشئ في أراضيها أو في الأراضي المحتلة إذا دعت الحاجة مناطق ومواقع استشفاء منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى من أضرار الحرب وكذلك حماية الأفراد المكلفين بتنظيم وإدارة هذه المناطق والموا قع والعناية بالأشخاص المجمعين فيها.
ويجوز للأطراف المعنية أن تعقد عند نشوب نزاع وخلاله اتفاقات فيما بينها للاعتراف المتبادل بمناطق ومواقع الاستشفاء التي أنشأتها.
ولها أن تستخدم لهذا الغرض مشروع الاتفاق الملحق بهذه الاتفاقية مع إدخال التعديلات التي قد تراها ضرورية.