عنب بلدي – السويداء
لم يكن وافد أبو طرابة، المولود في عام 1969، شخصًا عاديًا في السويداء، فقد شكل على مدى فترة إقامته في المحافظة حالةً فريدة، وكان “صاحب مهنة” برز كشخص متعلم استطاع تحقيق أثر اجتماعي ومهني “فريد”.
في 7 من آب الحالي، أعلن النظام السوري عن وفاة “أبو طرابة”، وهو الشاهد الوحيد على اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، بعد أن اعتقل من قبل مخابرات النظام واتهم بالوقوف وراء حادثة الاغتيال، بعد عرض اعترافاته على شاشة التلفزيون السوري.
جاء الإعلان عن الوفاة بصورة غير رسمية عن طريق كتاب موجه من محكمة الميدان العسكرية الثانية إلى دائرة النفوس في السويداء تعلمها بأنه “فارق الحياة” في أيار عام 2016، ويشير الكتاب إلى وفاته بشكل طبيعي، معللًا التأخير بإعلام النفوس بواقعة الوفاة بـ “أن الظروف لم تسمح”.
ورغم ذلك رفضت عائلة “أبو طرابة” إقامة مراسم تأبين لابنها، وتمسكت ببراءته من التهم المنسوبة له، وقالت إنها علمت قبل يومين من صفحات التواصل عن وفاة “أبو طرابة”، لكنها لم تحصل حتى الآن على تقرير طبي مفصل عن سبب الوفاة ولم تتسلم جثمانه أصولًا.
مضايقات مطلع الثورة
استطاع “أبو طرابة” من خلال علاقاته في السويداء قبل الثورة السورية أن يكون المسؤول الأول عن تصليح جميع السيارات الحكومية والأمنية، ما جعل المجتمع حينها يتهمه بارتباطه بالأمن، ليترشح فيما بعد لانتخابات المجالس المحلية، وحقق فوزًا فيها رغم أنه غير مدعوم من “قائمة البعث”.
ظل “أبو طرابة” موظفًا في البلدية حتى بداية الثورة السورية عام 2011، وتعرض لمضايقات كثيرة بسبب مواقفه ووقوفه الدائم في وجه الفساد، وحين قدم استقالته لم تُقبل، بل تعرضت سيارته لإطلاق نار، ما دفعه للتفرغ للعمل الإغاثي وخدمة اللاجئين.
2013 نقطة تحول
بعد دخول “الجيش الحر” إلى السويداء في عام 2013 بقيادة الملازم المنشق خلدون زين الدين، واندلاع معارك لعدة أيام، شارك “أبو طرابة” في تسهيل وتسيير العمليات العسكرية، والتي انتهت بمقتل خلدون و20 عنصرًا من السويداء ودرعا.
وفيما بعد اضطر وافد لمغادرة المحافظة بشكل غير شرعي، وقيل حينها إنه سافر بعد ذلك إلى الأردن ومنها إلى لبنان فتركيا حيث افتتح هناك محلًا لتصليح السيارات، لكن النظام السوري ظل يروج أنه في اللجاة مع مقاتلي “الجيش الحر”.
دخل “أبو طرابة” إلى السويداء خلال فترة غيابه مرتين، الأولى في نهاية 2014 والثانية قبل ثلاثة أشهر من اغتيال البلعوس، إذ إن وجود “حركة رجال الكرامة” وحفاظها على المطلوبين داخل حدود السويداء خلقت عند وافد أملًا في بقائه بين أهله.
وبشهادة رجال حارته كان وافد في منزله لحظة التفجير الذي استهدف موكب البلعوس، أيلول 2015، ما ينافي اعترافه على شاشة التلفزيون السوري بأنه كان في الجبل حينها.
بينما تقول أسرته إن أول خروج له يومها كان في الساعة العاشرة ليلًا بعد إسقاط التمثال الأكبر لحافظ الأسد وسط الساحة الرئيسية في المحافظة، وهذا ما كان أملًا لدى الأهالي بأنه نهاية حكم الأسد في السويداء.
بعد أيام من التفجير ذهب “أبو طرابة” إلى مضافة البلعوس ليحتمي هناك، بعدما بدأت بوادر إعادة ترتيب المدينة واستعادة سيطرة القوى الأمنية التابعة للنظام السوري عليها تظهر.
لكن بعض الشبان طلبوا منه مرافقتهم إلى حجرة الشيخ ركان الأطرش بدعوى أنه طلب رؤيته، لكنه لم يصل إلى الحجرة، بل تم تسليمه لميليشيا “كمال جنود” التابعة للأمن العسكري عن طريق ابن أخت كمال، والذي كان مقاتلًا مع مشايخ الكرامة، لتكشف خيانته لاحقًا ويطرد من الفصيل.
وكانت السويداء شهدت حراكًا شعبيًا عقب اغتيال البلعوس، ما أدى إلى شل الحركة المؤسساتية، وكان النظام على وشك السقوط هناك، بحسب ما قاله الصحفي المنحدر من السويداء، عهد مراد، لعنب بلدي.
وأضاف مراد، “يعتبر أبو طرابة الشاهد الوحيد على كذب رواية النظام عن التفجيرين، إذ تم إجباره على الشهادة الزور عبر التلفزيون الرسمي”.