العميد الركن أحمد بري
إدلب بوابة الفتح وبوابة خير سوريا، ودرعها الواقية من شرور الأعداء والطامعين وخزانة مقاتليها وكنانة سهامها، فإن انتصرت وأمنت استقرت سوريا وأمنت.
الثورة التي قام بها شعب سوريا الجبار هي الثورة الأعظم، في تاريخ البشرية قاطبة، كونها ضاهت جميع الثورات العظام، بل وسبقتها في التضحيات والصبر والحفاظ على المبادئ، وللإنصاف هي ثورة الأحرار من الشعب السوري.
إن الحق بالمقاومة أصبح من ثوابت ثقافتنا الوطنية، ما دام الاحتلال قائمًا على أرضنا، إنه حق يستمد شرعيته من القانون الطبيعي والشريعة الدينية والشرعية الدولية، وبالتالي ليس من حق أحد أن يتصرف بهذا الحق ما دام الاحتلال جاثمًا على أرضنا والحق بالمقاومة يستمر، ما دام الاحتلال موجودًا، وحتى من منطلق الاستراتيجية السياسية سيكون من غير المنطقي أن يُعلن أي مسؤول في الثورة التخلي عن الحق بالمقاومة لأن هذا الحق ثابت من الثوابت الوطنية، والثوابت لا يجوز التصرف بها إلا بقرار من الشعب وبإرادته الحرة، ومع افتراض أن هذا الحق غير قابل لصيرورته راهنًا ممارسة منتجة لمنجز سياسي فلا يجوز التخلي عنه، لأن هذا التخلي يُفقد القيادة السياسية الراهنة والأجيال القادمة ورقة قوة قد تحتاجها إن فشلت نهائيًا العملية التفاوضية. أيضًا لا يجوز لأي مسؤول أن يسقط الحق بالمقاومة وفي نفس الوقت يطالب المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية لأن الحق بالمقاومة أصبح جزءًا من الشرعية الدولية وكفلته الأنظمة والقوانين.
المقاومون الحقيقيون أثاروا فينا النخوة والعزة وانتشلوا شعبنا من حياة الاستبداد والظلم والبؤس ووضعوه على طريق الدولة والحرية، والأولون من الثوار الشهداء الذين رسموا الطريق أشعرونا بالخجل.
هذه الثورة وبهذه المواصفات والفهم العميق لطبيعة الصراع وأطرافه وتنازعاته الإقليمية والدولية لا بد لها وأن تنتصر. فهي أعطت الصورة الحقيقة لهذا الشعب الجبار الذي حاول النظام وحلفاؤه المحتلون وأجهزة إعلامهم العملاقة تقزيمه أو التقليل من شأنه، ودعت كل الشعوب المحبة للحرية والتقدم والعيش الكريم إلى الانحناء إكراما وإجلالًا لها. إذًا كيف لشعب استطاع النهوض والصبر بعد أن لاقى كل هذه الويلات وخاض كل هذه الحروب وتعرض لحصار هو الأقسى من نوعه في التاريخ لينتهي إلى احتلاله من قبل اقوى دول عاتية، التي عملت على مدار عدد من السنين على تدميره؟ كيف له أن يصمد ويمارس حقه في الحياة ويعطي الدروس بالصمود والإرادة؟ كيف لهذا الشعب وهو ينتفض أن يتغلب على كل وسائل القوة والخداع والطرق الدنيئة والخسيسة والاتهامات الباطلة والإجرام ويواصل مسيرته نحو انتزاع حقوقه المشروعة ورغم كل ما تحمل من أدوات القتل والتدمير والتهجير على شعبنا السوري العظيم، وخاصة اليوم في إدلب الخضراء أن لا يفوت مثل هذه الفرص التي أتيحت له للحفاظ على هذه الثورة وأهدافها وثوابتها، فهو الأمل والرجاء الأخير بعد الله عز وجل. فالتاريخ ليس كريمًا على الدوام في منح الشعوب مثل هذه الفرص الثمينة وأهل ادلب والمهجرون إليها من مختلف المناطق، والذين حافظوا على مبادئهم وعلى دماء الشهداء، أهل لكل معركة باقتدار.
الحرب ربما تدق الأبواب وهذا الأمر يتطلب الشروع بعملية تعبئة واسعة النطاق في أوساط السوريين من جهة، وتطوير فعل المقاومة السورية المسلحة في إدلب تحديدًا من جهة أخرى، تمهيدًا لتطوير موقف السوريين عمومًا للمشاركة في معركة التحرير الكبرى. وهذا لن يتم دون العودة إلى شعار وحدة فصائل المقاومة، ونقله إلى فعل ملموس على أرض الواقع. هنا وعند هذه النقطة لن نعود مرة أخرى إلى هذه المسالة الهامة والتذكير بأهميتها وضروتها من جهة، ومن جهة أخرى التنبيه إلى مخاطر تجاهلها أو العبث بها أو حتى التباطؤ بإنجازها، لما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة قد تهدد مستقبل مشروع تحرير سوريا وانتصار ثورتها، وبالتالي تهدد مستقبل الثورة وربما وجودها أيضًا، إن تجارب الشعوب التي قاومت الاحتلال قد أكدت على أن الانتصار دائمًا يكون مرتبطًا بما تحققه فصائل المقاومة من تنسيق وتعاون فيما بينها، وصولًا إلى وحدتها في جبهة تحرير مشتركة، بينما ارتبطت الانكسارات والهزائم بما أصاب هذه الفصائل المقاومة من اختلافات واحترابات أو انشغالها بالتناقضات الثانوية والخلافات، أو ارتهاناتها لداعميها.
نعم لقد حققت المقاومة السورية انتصارات عظيمة ورائعة ضد النظام المجرم وحلفائه ونالت مكانتها بين دول العالم وشعوبه، على الرغم من كل الظروف الذاتية والموضوعية الصعبة ومساوئ النظام العربي والإقليمي وسقوط التوازن في المعادلة الدولية، لكن تلك الانتصارات العظيمة ستفقد قيمتها ما لم تحقق الانتصار النهائي، فإدلب معركة الفصل أي نكون أو لا نكون. وبالتالي فإنه آن الأوان لأن تتخلى جميع فصائل المقاومة، المنفردة منها والمتحالفة في جبهات، عن نهج وتفكير وعقلية التفرد والإقصاء، والتمترس خلف مرجعياتها، ووضع الحواجز فيما بينهم، خصوصًا وأن هناك قاسمًا مشتركًا أعظم يجمعها، والمتمثل تحديدًا بتحرير سوريا وإعادة بنائها وإقامة النظام العادل، وأن تقوم بدل ذلك بالتقدم خطوات جدية وسريعة باتجاه توحيد الجبهات القائمة على الأقل تحت قيادة عسكرية مشتركة مختصة ولها مصداقيتها.
لا نجادل في العقبات التي تحول دون تحقيق هذه المهمات، وخاصة وحدة فصائل المقاومة، أو تشكيل قيادة ميدانية مشتركة، لكن تذليلها ليس بالأمر الصعب، إذا ما غلّبت هذه القوى مصلحة الوطن على مصالحها الخاصة، وقدمت التنازلات المتبادلة فيما بينها، بدل أن تقدمها لهذه الجهة أو تلك من أجل تحقيق مكاسب فئوية أو ضيقة، وأي تلكؤ بهذا الخصوص سيفوت علينا، كما يقول المعنيون بحروب التحرير، وما تعلمناه من تجارب الشعوب، استغلال هذه الفرصة الثمينة، أو كما يصفونها باللحظة التاريخية، فالتاريخ ليس كريمًا دائمًا في منح مثل هذه الفرص، ولا الشعوب قادرة على القيام بمثل هذه الثورة في أي وقت تشاء. السوريون عمومًا لن يغفروا أو يسامحوا أي تقصير في هذا الخصوص، ولن يقبلوا بأي أعذار أو مبررات، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، بعد أن قدموا كل ما لديهم وضحوا بكل ما عندهم ولم يعد بإمكانهم تقديم اكثر من ذلك.
ليس أمامنا خيار سوى وضع هذه المهمات أمانة بيد أصحابها، ونطالبهم بإنجازها، اليوم قبل غدًا، فهي الطريق الوحيد لتحقيق حلم السوريين بخلاصهم من المحنة التي استمرت طويلًا وعانوا بما لم تعانِ منها جميع الشعوب التي تعرضت للاحتلال أو ظلم وجور حكوماته العميلة. وبخلاف ذلك فان أي فشل في هذا الخصوص، يعني فشل الثورة، والذي سيولد بدوره إحباطًا بين الناس ويشيع في نفوسهم روح اليأس والخنوع ومن ثم القبول بالأمر الواقع. ومن يحاول ‘نكار هذه الحقيقة فهو أشبه بمن يغطي الشمس بالغربال أو لا يفقه شيئًا.
انتصار المقاومة في سوريا انتصار لكل شعوب الارض، وهذه حقيقة ساطعة بلا مبالغة أو تهويل.
إن انتشار السلاح دون استراتيجية عمل وطني لا يعني وجود مقاومة وطنية، كل حركات التحرر الوطني التي حققت الهدف الوطني المتمثل بالاستقلال كانت تعمل في إطار استراتيجية عمل وطني سياسيًا وعسكريًا، هذا ما كان عليه الحال في الجزائر وفي فيتنام وعند جميع حركات التحرر الناجحة، أما الحركات التي كانت تمارس المقاومة خارج إطار الاستراتيجية الوطنية فقد تحولت لأدوات للحرب الأهلية كالعراق وأفغانستان.
وما علينا الإلقاء باللائمة على أطراف خارجية، التي إنْ كان لها أي دورٍ في مآسينا ومصائبنا، فإنه لن يعدو عن كونه دورًا ثانويًا وهامشيًا، بالمقارنة مع حجم التبعات الملقاة على عاتقنا.
كلنا أمل في إدلب ورجالاتها وثوارها ونسائها وحتى أطفالها. إدلب اليوم تمثل سوريا بكل جغرافيتها وتحتوي خيرة أبطالها الميامين. حماك الله ونصرك وكلنا فداء لك.