من يصنع الثورات ؟! الله أم الشعوب ؟!
جريدة عنب بلدي – العدد 24 – الأحد – 15-7-2012
عتيق – حُمص
طال صراعنا مع نظام الأسد، خلافًا لتوقعات خلّفتها في نفوسنا ثورات الربيع العربي الأخرى، لكن طول الأمد لا يعني قوة النظام أو ضعفنا، فالماء يوضع فوق النار ولا يغلي، وليس هناك سوى بعض الوقت، حسب قوة النار أو كمية الماء، حتى يغلي القِدْر، فهذه سنّة الله، وكذا نصرُ الشعوب المظلومة على طغاتها الظالمين.
لكن، يتساءل البعض: أين الله مما يحصل في سوريا؟ ألا يرى الله هذه المجازر بحق الأطفال؟ هل الله راضٍ عن ذلك؟
هذه الأسئلة وما يشبهها (وما يصبّ في فكرتها) تذكّرك دومًا بأن البعض يريد كونًا مفصلًا على مقاسه، ونواميس وقوانين تحكم هذا الكون بما يتوافق مع رغباته ..
فالبعض مثلًا، يريد الأرض بلا شرٍ، وبلا ظلمٍ، وبلا قهرٍ، جنة العادلين وجحيم الطغاة ..
آخرون يريدون أن لا يَظْلِم أحدٌ على هذه الأرض، إلا ويقتصُ الله منه، بالقوى الغيبية، كالملائكة والشياطين، أو بقوى طبيعيةٍ، كالزلازل والبراكين، والأوبئة والأمراض، يريدون أن لا يتعب المؤمنون، ولا تصيبهم المصائب، بل يكون هناك دومًا المساندة الإلهية المباشرة التي تحمل عنّا ما كُلفنا به.
القرآن يخبرنا عن الكون ونواميسه التي وضعها الله، كما هي كما وضعها الله تعالى، لا كما نريدها نحن، وهي سننٌ وقوانينُ لا تتغير ولا تتبدل تحت أي ظرفٍ أو لأي شخصٍ، لا لمظلومٍ مستضعفٍ، ولا لناسكٍ متعبّدٍ، ولا لنبيٍّ مُرسَل {ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }.
لم يخلق الله الأرض والبشر، والخير والشر، والحق والباطل، ثم ليتدخل ناصرًا الحقَ ومُدخِلًا أتباعه إلى الجنة، يقول تعالى عن الغاية من الخلق {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} ويقول تعالى {قال عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }، ثم أعلنها تعالى صريحةً واضحةً: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} الحقيقة قد لا تناسب الكثيرين، وقد تزعجهم، لكن هذا هو ناموس الكون.
سأل غنيٌ فقيرًا: ماذا فعل ربك لأجلك؟ فأجابه: خلقك لتساعدني!!
خلقنا الله لينظر كيف نعمل؟ هل ننصرُ الحق أم لا؟ هل نقوم بواجبنا أم لا؟ ولم يخلقنا ليقوم عنّا بما يجب علينا القيام به.
تقصيرنا في امتلاك أسباب النصر (التي لن ننتصر من دونها)، تراخينا لعقودٍ في السمع والطاعة للطاغية حتى استفحل أمرُه وقوي عودُه واشتد إزارُه، تشرذمُنا وتفرقُنا في مواجهته، تفضيلنا للمصالح الآنية على المصلحة العامة، هذه كلها تعود بالضرِّ علينا وتسبب تأخرَ نصرنا. ولن يتدخل الله لينصرَنا فقط لأننا مؤمنون مظلومون نصرخ «يا الله».
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
كان يمكنه أن يتدخل مباشرةً ليقلب كفة الموازين، لكن ليست هذه سنّة هذا الكون.
فكم قُتل من الأنبياء (وهم أكرم خلق الله)، وكم قُتل من أتباعهم، وكم عُذّبوا على أيدي أقوامهم، لم تكن معهم أسباب القوة والتمكين الكافية، لكن هل هذا يعني رضا الله عما كان يحصل معهم؟ أو عجزه عن عونهم لو أراد؟
بالتأكيد لا، لكنه يعني أن الله تعالى أراد أن يبلونا بالعمل.
ولا يتنافى هذا أبدا مع طلبِنا العونَ من الله والنصرَ منه سبحانه، لكن لن يأتينا هذا العونُ والمددُ إلا إذا استكملنا الأسباب أولا، فإن لم نستكملها، كان الظلم من طرفنا { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، فإذا ما استكملنا الأسباب وطلبنا العون والمدد من الله، نلناه بإذنه فكان نصرًا من الله.
طلبنا النصر من الله، وتأخر هذا النصر. قد يوحي هذا للكثيرين أن الذي تأخر هو مددُ الله الذي ننادي به، لكن الذي تأخر حقيقةً هو جهدُنا والأسبابُ التي نبذلها في سبيل ذلك.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :