جريدة عنب بلدي – العدد 24 – الأحد – 15-7-2012
يرتسم في ذهننا أن العنف مرتبطٌ فقط بالآلة القمعية التي تقتل الأفراد، وتُنهي حياتهم الجسدية، ونغفل عن نوعٍ آخرَ من العنف أشدُ وأفتك، إنه العنف اللفظي، الذي ينخر بمشروع التغيير من قواعده، حتى يخرَّ هذا المشروع على أصحابه، ويودي بحياة بعضهم المعنوية، ويدفعهم مكرهين إلى الابتعاد عن المشاركة، أو يقسمهم فئاتٍ متضادة، كلُ فئةٍ تشد على يد الأخرى وإن أخطأت، بحجةِ أن كلَ ابن آدمَ خطاءٌ، متناسيةً أن تكرار الخطأ عن قصدٍ ودون تحديد منهجية عملٍ مسبقًا، يُعد إهمالًا وعدم درايةٍ بل وجُرمًا في أي مشروعٍ وليس مجرد خطأ.
ويتجلّى العنف اللفظي باستخدام الألفاظ البذيئة، والكلمات النابية بين أفراد المشروع، وعدم احترام الرأي الآخر، ووجود دكتاتورٍ بينهم، يُنصّب نفسه الأكثرَ وعيًا، وعلى الجميع أن يأخذوا برأيه وبرأيه فقط، وذلك في الوقت الذي يهمّش -هو- فيه آراء الآخرين، بل ويزيد بأن يتنكر لوجودهم في المشروع، إذ بات يحتكره لنفسه، وكأنه إرثٌ من والده، فهو يرى ما لايراه الآخرون، ويسمع ما لا يستطيعون هم سماعَه، وما عليه إلا أن يلقي الأوامر وبأسلوبٍ لا يمت للرقي بصلة، ليهديهم إلى سبيل رشاده.
ويلعب عامل تقديس الأشخاص، وانتمائهم لعائلةٍ معينةٍ، أو صلتهم بأحد الأشخاص الفاعلين، وربما مستواهم المادي، وما يقدّمونه للمشروع، دورًا كبيرًا في هذا النوع من العنف، متجاهلين أن أسلوبهم هذا ينفّر الكثيرين، ليس فقط من أفراد المشروع أنفسهم، بل أيضًا من أشخاص آخرين لا يحبذون التعامل مع دكتاتورٍ لإسقاط دكتاتورٍ آخر.