ما دور برامج “سبل تحسين العيش” شمالي لبنان
استيلا كاربي
اكتسبت برامج سبل تحسين العيش في المنظمات غير الحكومية الإنسانية أهمية متزايدة على مدى العقود الماضية. وهذه البرامج تتضمن مختلف قطاعات المنظمات الإنسانية، بما في ذلك الحماية والأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وعلى وجه الخصوص، تغيرت استراتيجية برامج سبل العيش الإنسانية التي تستهدف اللاجئين في جميع أنحاء العالم من رعاية اللاجئين ومساعدتهم/حياتهم، إلى صيغة الاعتماد على الذات خلال الستينات والسبعينيات.
والتحدي المتمثل في ترجمة مفهوم “سبل تحسين العيش” من اللغة الإنجليزية إلى لغات أخرى جدير بالاعتبار، ولا سيما فيما يتعلق بالمصطلحات التكنوقراطية، وعمومًا تعتمد اللغات اللاتينية أيضًا على هذه المصطلحات الاجنبية في هذا المجال. وفي المقابلات التي قمت بها في شتاء 2017 مع عمال الإغاثة المحليين في مدينة حلبا في محافظة عكار (شمالي لبنان)، ترجم الموظفون عبارة “سبل تحسين العيش” إلى اللغة العربية باستخدام تعبير أوسع. وللترجمة المفاهيمية غير المناسبة المتقدمة لـ”سبل تحسين العيش” دور رئيسي في تفريغ الخصوصيات التاريخية، فهذا واضح في تصدير استراتيجيات سبل تحسين العيش من خلال البرمجة الإنسانية التي لها الغرض (المتناقض) الذي يتمثل في ضمان العيش على أساس الخصوصيات.
وفيما يتعلق بحالة عكار في شمالي لبنان، تهدف معظم برامج سبل تحسين العيش التي يجري تنفيذها حاليًا للاجئين والمضيفين المحليين إلى إنتاج أشكال مؤقتة وصغيرة الحجم للعمل، معظمها للنساء في المنازل. وبالنسبة للاجئين السوريين الذين قابلتهم في عكار في شباط وآذار 2017، فإن البرامج الإنسانية ليس لها سوى دور “إكسسوار/تزييني/تجميلي” وهامشي، فهي لا تولد أي شكل عمل مستدام، حيث تحولت التدريبات المهنية إلى أنشطة ترفيهية. وبالنسبة لهؤلاء اللاجئين، لا يبدو ذلك مفاجئًا. وهم يدركون فقدان فرص عمل في اقتصاد عكار، ويدركون سياسات لبنان الاجتماعية (وعامة هذه السياسات نفذت بحكم الأمر الواقع وغير الرسمي) التي تنظم حياتهم اليومية، ويدركون القيود القانونية التي يواجهونها كلاجئين في لبنان. فلبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة باللاجئين وعلى بروتوكول عام 1967. في الوقت الحاضر، يسمح للسوريين بالعمل حصرًا في قطاعات الزراعة والبستنة والتنظيف والبناء. هذه هي القطاعات التي عمل فيها العمال النازحون السوريون تاريخيًا في جميع أنحاء لبنان.
ويعتقد اللاجئون الذين أجريت معهم المقابلات أن البرامج الإنسانية تلعب دورًا “تجميليًا”. لذلك يجب أن نفهم الخطاب الإنساني حول سبل تحسين العيش لللاجئين في لبنان، حيث أن النزوح يصبح طويل الأمد. وقال مسؤول في الأمم المتحدة قابلته إن برامج “النقد مقابل العمل” تحولت لبرامج يطلق عليها “دعم المجتمع المحلي”. ويتم ذلك في محاولة لإخفاء ما يحصل عليه اللاجئون ويستفيدون منه ويتعلمونه في المجتمعات المضيفة.
وتهدف النية الإنسانية في المقام الأول إلى خلق وتعزيز مصادر سبل العيش، بدلًا من مشاركة المستفيدين في الأنشطة الترفيهية. ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من القيمة الاجتماعية والعاطفية الممثلة في توفير مساحات لأشكال التبادل الجماعي والتعلم.
وحتى الآن، تم تسجيل 253332 لاجئ سوري لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في هذه المنطقة اللبنانية. على الرغم من ضخامة هذا العدد، إلا أنني أثناء زيارتي الأخيرة في عكار لاحظت أن اللاجئين أصبحوا أقل وأقل بشكل متناقص في الساحة العامة. بعد أن انتقلوا إلى لبنان منذ عام 2011، فإنهم غالبًا يكونون غير موثقين، ويشعرون بعدم قبولهم على المستوى المحلي، وبالتالي يفضلون أن يقودوا حياتهم وراء الأبواب المغلقة.
ومن ناحية أخرى، لبرامج سبل تحسين العيش نتائج إيجابية غير مباشره تتمثل في توفير تجارب جديدة للمجتمعات، حيث يكون الاختلاط ضروريًا ولا يتطلب تقديم أوراق قانونية. ومن ناحية أخرى، فإن التدريب المهني القائم على الأنشطة الصغيرة وأشكال العمل المنزلية التي تستهدف الاكتفاء الذاتي كثيرًا ما تجمد عدم المساواة في اقتصاد غير متكافئ. وعلاوة على ذلك، تهدف معظم برامج سبل العيش إلى إنتاج العمالة الذاتية والأنشطة غير الرسمية، ويتم الترويج لها أساسًا لضمان البقاء البيولوجي بدلًا من روح المبادرة والتنمية الاقتصادية، فأشكال العمل هذه تشكل تحديًا في النظام الاقتصادي الأهلي للحكومات المضيفة على نطاق صغير، ومن غير المرجح أن تثير أشكال معارضة محلية. وبالإضافة لذلك، فإن الأنشطة المنزلية في دورها لا تهدد التفكير الثقافي الذي يشكل الأساس للأدوار الجنسية في العائلة والمجتمع.
وتشير المقابلات مع اللاجئين والسكان المحليين الى أن توقعاتهم كمستفيدي برامج سبل تحسين العيش متنوعة جدًا، وتتراوح بين الرغبة أو الحاجة الى عمل والتدريب كنشاط ترفيهي. فيتعامل أكثر السكان المحليين المستفيدين من برامج سبل تحسين العيش كفرص عمل محتملة ويتعاملون مع المنظمات الإنسانية كوكالات توظيف. وعلى الرغم من أن المنظمات الإنسانية بدأت بهدف أخلاقي يتمثل في إنقاذ الأشخاص الذين تضرروا من الأزمة وتخفيف معاناتهم، فإنها حاليًا تعمل بصورة متزايدة كقوات لحل النزاعات. ولكن لا تستطيع المنظمات أن تعترف نفسها بمقدمي الوظائف رسميًا. وفي كل الأحوال أصبحت المنظمات جزءًا مهما من أسواق العمل المحلية.
فما هو الدور الحالي للمنظمات الإنسانية في ترويج لقاء بين اللبنانيين والسوريين في أماكنِ العملُ قليل فيها؟ وما يكون الهدف النهائي والإنجاز الفعلي لهذا الترويج؟ لقد ساهمت برامج المنظمات الإنسانية في لبنان تاريخيًا في تحديد الاحتياجات البشرية الجديدة والقديمة على أسس عرقية وأحيانًا دينية. إن تقديم المساعدات لللاجئين السوريين في منطقة عكار الفقيرة ليس استثناء من استقطاب السكان المحليين والمغتربين في البداية من خلال التمييز بين احتياجات اللبنانيين واحتياجات السوريين. ويبدو أن المنظمات الإنسانية اليوم تعمل مع هدف الاستقرار المحلي في معالجة التوترات الاجتماعية عن طريق تعزيز البقاء البيولوجي لللاجئين والتنمية الاقتصادية والتوظيف للسكان المحليين.
وعلى الرغم من أن المنظمات قدمت مساعدات إلى جميع السوريين في بداية الأزمة في 2011، وغالبًا بلا شروط ودون تمييز، فإن المنظمات الإنسانية استهدفت تدريجيًا اللاجئين و”المضيفين” اللبنانيين في محاولة للتعويض عن الاحتكاكات الناجمة عن تقديم سابق للخدمات المركزة على اللاجئين فقط في المناطق الفقيرة المزمنة في لبنان.
وفي هذه الأيام، برامج التنمية الاقتصادية المحلية وبرامج سبل تحسين العيش الانسانية مرتبطة إيضاحيا بالاستقرار الاجتماعي وببرامج التماسك الاجتماعي. وبدلًا من الاكتفاء الذاتي كهدف نهائي إيضاحي، فإن السياسات للمنظمات الإنسانية الحالية لسبل تحسين العيش تضع التماسك الاجتماعي والاستقرار كهدف أساسي في البرامج للسوريين واللبنانيين.
لذلك، في حين أن تركيز المنظمات الانسانية يكون على التوترات أو الاستقرار محددًا في سياقات مختلطة عرقيًا، فإن استراتيجيات الاستهداف للمنظمات الإنسانية على أسس عرقية أو دينية تتناقص في العدد، وهي ممثلة بشكل أفضل ضمن إطار المعونات التي تركز على المنطقة و أحوالها وصفاتها. وبعبارة أخرى، فإن جغرافية الضعف الاجتماعي والاحتياجات تستبدل سياسات الهوية (الإثنية والدينية) في معالجة للحاجة وتقديم المعونات. فبرامج التماسك والاستقرار الاجتماعي في المجال الإنساني لا تزال مؤسسة على أساس الهوية العرقية والدينية وفعلًا غالبًا تتعامل هذه البرامج مع المناطق المختلطة عرقيًا، وبالتالي ترغب في أن تحصل المنظمات الإنسانية على نظم إثنية وعرقية متجانسة للاستقرار، وحاليًا تركز أكثرية البرامج على التوترات في المناطق المختلطة.
بما أن أكثرية الأزمات المعاصرة طويلة الأمد، فتظهر برامج بناء اكتفاء الذات لللاجئين. وبالمثل، تستخدم المنظمات الإنسانية في حملاتها لغة “الاستدامة” عن طريق وضع المسؤولية المادية من أجل البقاء البيولوجي والنمو الاقتصادي على المستفيدين أنفسهم. وإذا ازدادت شرعية البرامج الإنسانية في عكار عن طريق التماسك والاستقرار للمجتمع “المضيف”، فإن المستفيدين من اللاجئين مدعوون أيضًا للمساعدة في الحفاظ على هذا الاستقرار المحلي.
وفي البلاد التي ليس فيها قوانين للاجئين، غالبًا تكون المنظمات الإنسانية مثقلة بالمسؤوليات التي يفترض أن تتحملها الحكومات المضيفة. لذلك، أشجّع صناعي الرأي والسياسات على النظر إلى أبعد من القيود القانونية والبنيوية لصحة اللاجئين وعافيتهم وسعادتهم، وبالعكس أشجّعهم على أن يسألوا أنفسهم كيف يشعر الأفراد عندما يتعلمون مهارات جديدة ولا سيما عندما يدركون أنهم من غير المرجح أن يتم توظيفهم في أي وقت قريب. فالإحباط الشخصي والتسليم بالمستقبل المهني قد يقدم إجابات مبسطة وغير مرضية. وحقيقة أن بعض اللاجئين يعتبرون برامج سبل تحسين العيش كأنشطة ترفيهية تفتح طرقًا جديدة لتفكير النظام الإنساني في شكله العملي وشكله المثالي اثناء أزمات طويلة الأمد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :