حمص – عروة المنذر
يعد الخطاب الديني من أبرز وسائل توجيه البوصلة السياسية في الشارع السوري المسلم، فخلال سيطرة المعارضة سيطرت “جبهة النصرة” على الخطاب الديني في ريف حمص الشمالي، فيما أهملت بقية فصائل الجيش الحر هذا الجانب، لتبرهن للشارع ولمموليها بعدها عن أي أيديولوجيا دينية، ولإثبات أن انتماءها إلى سوريا الديمقراطية التي يحلم بها السوريون، ما أتاح الفرصة لوصول المشايخ “المهاجرين” في “جبهة النصرة” إلى منابر المساجد في المنطقة وتحويلها إلى منبر سياسي يخدم أجنداتها ويمدها بالمقاتلين.
بعد سيطرة النظام وصل الصوفيون إلى المنابر، ليوجهوا الخطاب الديني في صالحه، ليصل بهم الأمر إلى الدعاء لقوات الأسد التي كانت تقصف المنطقة منذ مدة ليست ببعيدة.
وسيطرت قوات الأسد على المنطقة بموجب اتفاقيات مع فصائل المعارضة، بعد حصار دام نحو أربع سنوات، انتهى بخروج المقاتلين إلى الشمال السوري في أيار 2018.
الأمن غائب والمساجد ممتلئة
شهدت المساجد إقبالًا واسعًا في ظل سيطرة فصائل الثورة، بغض النظر عمن وصلوا إلى منابر المساجد، فقد ازدحمت المساجد بالمصلين في كل الأوقات عمومًا وفي صلاة الجمعة خصوصًا، وألغي ما اعتاد عليه السوريون من عادات صوفية كان يمارسها المشايخ قبل الثورة، ولم تعد أجهزة الامن ترسل تعليماتها إلى خطباء المساجد، كما كان قبل الثورة.
أبو عمر، مواطن من قرية الزعفرانة قال لعنب بلدي، “رغم عدم رضا المصلين على خطيب جامع القرية بشكل عام إلا أننا مارسنا شعائر الإسلام بكل أريحية، واستمعنا إلى خطبة الخطيب من دون عناصر للمخابرات بين المصلين، وألغي كل ما يدل على الصوفية في تصرفات الخطيب، أو ما قبل الخطبة وبعدها وخلالها، وعلى الرغم من إدخال السياسية بشكل كبير في الخطبة إلا أننا كنا نتوجه إلى المسجد دون الخوف من عيون عناصر الأمن”.
ولعل من أبرز ما أثار سخط المصلين خلال هذه الفترة افتقار المنطقة لأصحاب الإجازات من الكليات الشرعية، فقد وصل إلى المنابر شباب بعمر العشرين ومهاجرون لا يحملون الجنسية السورية.
خالد أبو أحمد، من سكان مدينة تلبيسة تحدث عن انزعاجه من هذه الظاهرة، فـ “أكثر ما كان يزعج في تلك الفترة اعتلاء المنبر شباب لم يبلغوا عامهم الخامس والعشرين، وكل علمهم على يد مشايخ لم يحصلوا على الإجازات الجامعية، ناهيك عن وصول أشخاص من الجزائر ومصر إلى المنابر”.
ودفع ذلك عددًا ليس قليلًا من المصلين إلى تغيير المسجد الذي يقصدونه، بمجرد وصول خطيب أو إمام إلى المسجد، لا يحمل الكفاءة العلمية للصعود على المنبر، وسط غياب أي قانون لاعتلاء المنبر خلال سيطرة المعارضة على المنقطة.
الصوفيون يعودون بقوة
انقلب الخطاب الديني في المساجد رأسًا على عقب، بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة، ليعود المذهب الصوفي المحبب لدى السلطات في سوريا لتصدر المشهد على الساحة الدينية في ريف حمص الشمالي بشكل عام.
وتناقص عدد المصلين بشكل ملحوظ نظرًا للتهجير، وتجنبًا لعيون الأمن المسلطة بشكل دقيق على المساجد في المنطقة، وبسبب دعوات خطباء المساجد لجيش النظام الذي كان يقصف المنطقة منذ أقل من أربعة أشهر.
أبو إسماعيل، من بلدة الفرحانية قال لعنب بلدي، “منذ أن سيطرت قوات النظام أصبحت المساجد مراقبة بشكل دقيق من قبل عيون مخبري الأفرع الأمنية، والخطب تتحدث عن منة الحكومة علينا بنعمة الأمن والأمان، والخدمات التي لم نر منها شيئًا، وسيطر المشايخ الصوفيون على المنابر، وأصبحت الخطبة بمثابة درس توجيه سياسي لكن بصبغة دينية”.
“كله بكوم وأن يدعو خطيب المسجد لمن قتل ابني في كوم آخر”، يضيف “أبو إسماعيل”، فـ “ما إن تنتهي الخطبة حتى يبدأ الخطيب بالدعاء للجيش الذي دمر بيوتنا وقتل أولادنا، ويطلق على أهلنا المهجرين أوصافًا كالإرهابيين والخارجين عن القانون”.
ويتردد مسؤولون، بنيهم محافظ حمص محمد طلال برازي، لحضور الخطب في المساجد في بعض الجمع، ويتحدثون خلالها عن الإنجازات المستقبلية والخطط لإعادة إعمار المنطقة، في وقت لا تزال المنطقة تراوح مكانها، ويصعب تأمين الخبز فيها على أقل تقدير.