جيش الخيانة

  • 2018/08/05
  • 1:01 ص

إبراهيم العلوش

في الأول من آب، وليوم واحد فقط من كل عام، يأمر اللصوص الكبار في الجيش أعوانهم الصغار، بإيقاف السرقة من طعام المجندين بمناسبة ما يدعى “عيد الجيش”، ورغم غضب قادة الكتائب والألوية والفرق من هذا الإجراء الذي يحدّ من لصوصيتهم، فإنهم يغرقون المنصات والاجتماعات العسكرية بوابل من الأكاذيب الوطنية والقومية المرصعة بعبادة القائد الأسد حامي الأمة العربية، وما إلى ذلك من سعار حماسي دفع السوريون ثمنه نصف قرن من حياة بلادهم.

في الأول من شهر آب الحالي، استبق قادة الجيش الاحتفالات والخطابات المعهودة، بتوزيع أسماء آلاف المعتقلين الذين استشهدوا في أقبية المخابرات العسكرية والجوية، كعربون وفاء للأب القائد ولابنه الذي جعل من الشعب السوري عدوه اللدود.

ومثلما حدث في حرب عام 1948، عندما انفجرت البنادق المغشوشة على الجنود المصريين وقتلتهم، انفجر هذا الجيش علينا نحن السوريين وقتلنا، فقام طياروه (نسورنا البواسل!) بقصف المدن السورية بلا هوادة بالبراميل، وبالصواريخ وبالسلاح الكيماوي، وقامت الدبابات باحتلال الشوارع والبيوت، وقصف البنية التحتية للمدن، والقرى الفقيرة التي ترفض التبعية لعبودية الأسد، ولمافياته الطائفية، ناهيك عن أدوار الأسلحة العسكرية الأخرى كالمدفعية وألوية الصواريخ المستقلة وغير المستقلة، وتدميرها للبلاد تمهيدًا لتسليمها إلى الإيرانيين والروس، أو من يأتي بدلًا منهم كمندوب أو حليف، كإسرائيل. فالمهم في عقيدة هذا الجيش هو احتقار السوريين، وكَيل التهم لهم، وتعذيب أبنائهم في عملية إبادة جماعية مبرمجة ومدروسة في أقبية مخابرات هذا الجيش ومنذ سنين طويلة.

وعلى عكس ادعاءات علمانية النظام، وحسب مقال الكاتب فؤاد حميرة عن الطائفية، في صحيفة العربي الجديد، فإن استغلال الحس القبلي للكلازية، وهي قبيلة حافظ الاسد، واستغلال حاجة العلويين الاقتصادية، والتلاعب بهم، وتخويف أبناء الطائفة بمقولات وتهديدات طائفية معاكسة، هو ما زج الكثير من ضباطهم في مواجهة بقية الشعب السوري، وهذا هو المحرك الذي صممه الأسد الأب في العقيدة المافيوية لهذا الجيش.

فلم يكن العلم ولا المعرفة العسكرية العميقة، ولا النبل الذي يتسم به الفرسان والمقاتلون، من ضمن عقيدة الأسد، ولا من خياراته، فالحقد كان أهم وقود نووي لهذه القوى المدمرة التي نهبت الشعب السوري طوال نصف قرن، وانتهى بتدمير سوريا، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتهجير نصف سكانها، وتعذيب نخبها، وجعل سوريا بؤرة للإرهاب وللعصابات التي كان قد استقدمها النظام لاستعمالها ضد الأمريكيين في العراق.

تبلورت العقيدة المافيوية، التي أرساها حافظ الأسد، عبر خدمة قطعات الجيش في لبنان، واعتمادها النهب والسلب والترويع، خلال 30 سنة من الجرائم المستمرة ضد اللبنانيين (1976 – 2005)، وقد وصل الأمر بضباط الجيش إلى تكسير رخام الأرضيات لاقتلاع عروق النحاس وبيعها بالكيلو غرام رغم غلاء الرخام والتزيينات النحاسية، بالإضافة الى أعمال النهب والاستغلال الجنسي والابتزاز المخابراتي والشراكة في زراعة الحشيش وتهريب المخدرات، وما رموز مثل غازي كنعان، ورستم غزالة، إلا علامات في تطور هذا النظام، واستكمال عقيدته المافيوية التي ابتدأها الأسد الأب، وعلي دوبا، ومحمد الخولي، وبقية قادة الجيش الأسدي المؤسسين لهذا الخراب.

في هذه البيئة تمت عملية استزراع حزب الله بالتعاون مع الإيرانيين، لينمو بهذا الشكل المافيوي الذي يجمع أساليب المخابرات الأسدية مع الفتاوى الإيرانية، ويعتمد التهريب والإتجار بالمخدرات ورفع شعارات المقاومة، كأسلوب حياتي أفضى إلى إسهامه الفعالة بالدمار والتخريب في سوريا.

الأول من آب هو عيد هذا الجيش، وهو بالمصادفة عيد الربا الفاحش في سوريا، فمعظم مؤسسات ومكاتب الربا الفاحش تعتبر يوم الأول من آب هو يوم السداد للمبالغ المستقرضة مع إضافة أربعين بالمئة على أصل المبلغ، وهو يوم أسود في حياة المعوزين والفقراء من أبناء الأرياف والمدن. وكان الكثير من أثرياء الضباط وقادة الأجهزة المخابراتية يستثمرون سرقاتهم في هذه السوق السوداء اقتصاديًا وأخلاقيًا، إذ تتراوح أرباحها من أربعين إلى ستين بالمئة أحيانًا، ناهيك عن أساليب الابتزاز والتهديد والتزوير المرافقة لها.

الخلاص من بنية هذا الجيش ومصادرة أموال أثريائه ومعفشيه، هو السبيل الوحيد لإرساء السلام في سوريا، فأموال قادة الجيش وقادة مخابراته المنهوبة يجب أن تصادر وتوضع في صناديق دعم الأيتام والأرامل من كل أطياف الشعب السوري، بما فيها مصادرة أموال عائلة الأسد، وهذه الأموال، إن تمت إعادتها للشعب السوري، كفيلة ببناء نطاقات واسعة من البنية التحتية الصحية والخدمية وتعزيز مؤسسات الرعاية الاجتماعية لضحايا النظام.

ورغم كل الكلام عن تثبيت الأسد وتصويره كمنتصر، فإن الروس والإيرانيين هم من سيقومون بالتخلص منه، لإزاحة عقبة سياسية، وعسكرية، وأخلاقية سوداء من طريق وقف الحرب في هذا البلد وبدء جني الأرباح لهم، بالإضافة إلى حرمان السوريين من محاكمة عائلة الأسد ومن حجز أموالها، تمهيدًا للاستيلاء عليها من قبلهم، ولمنع كشف تفاصيل جرائمها، وجرائم قادة الجيش، وذلك تمهيدًا لإعادة توزيع هؤلاء القادة ضمن الحصص القادمة لدولتي الاحتلال الروسي والإيراني.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي