من يمنع دق آخر مسمار في نعش “رابطة الكتاب السوريين”

  • 2018/08/05
  • 2:11 ص

رئيس ”رابطة الكتاب السوريين“ المستقيل، الشاعر نوري الجراح (فيس بوك)

عنب بلدي – حلا إبراهيم

“يمثل فشل تجربة العمل الجماعي للنخبة المثقفة انحسارًا للقيم التي يدعون الجموع إليها، ولا تخرج رابطة الكتاب السوريين عن سياق بات جامعًا للدعوات الفئوية، على حساب الهدف الجمعي الأسمى، لذا تأتي الانسحابات الجماعية من رابطة الكتاب السوريين لتسدل الستار على تلك التجربة التي وئدت في ظلال واقع يزداد مأساوية، ولتصدر اللجنة العربية المستقلة المشرفة على الانتخابات بيانًا تحمّل فيه المكتب التنفيذي للرابطة والمنتهية ولايته مسؤولية فشل التجربة”.

هكذا أعلن رئيس “رابطة الكتاب السوريين”، الشاعر نوري الجراح، عن انتهاء رئاسته لها، بعد أن غصت مواقع التواصل الاجتماعي على مدى شهرين بالتهم والتخوينات التي تراشقها أعضاء الرابطة، الذين وقف بعضهم مع الرئاسة، مطالبين باحتفاظ الجراح بكرسيه إلى حين انعقاد مؤتمر جديد للرابطة، يتم من خلاله انتخاب رئيس جديد، أو ربما إعادة انتخاب الجراح، في مواجهة المكتب التنفيذي الذي يقول إنه يتمسك بالنظام الداخلي، محاولًا تنظيم انتخابات جديدة.

تأسست رابطة الكتاب السوريين عام 2012 من مجموعة من الكتاب الذين وقفوا ضد النظام السوري بعد اندلاع الثورة، وكان رئيسها المفكر السوري الراحل، صادق جلال العظم، وبعد وفاته عام 2016، أصبح مكان رئيس الرابطة شاغرًا، ولم يقدم أحد على الترشح للمنصب، فتم انتخاب نوري الجراح بالتزكية لعدم وجود مرشحين منافسين، منذ عام 2017.

بداية الخلافات في الرابطة

يقول عبد الرحمن الحلاق، عضو المكتب التنفيذي في رابطة الكتاب السوريين، في حديث إلى عنب بلدي، “وصف الجراح المكتب التنفيذي بالمنتهية ولايته، وغير الشرعي، ونحن بوصفنا مكتبًا تنفيذيًا دعونا لانتخابات واعتبرنا مهمتنا هي تسيير الأعمال، إلى أن يتم انتخاب مكتب تنفيذي جديد، خلال انعقاد المؤتمر العام”.

ويضيف الحلاق، “أعطينا الجراح التطمينات كاملة خلال الاجتماعين الوحيدين اللذين حضرهما من أصل 52 اجتماعًا، ولكنه استمر بمعاملة الزملاء بفوقية، وتسبب باستقالة اثنين من أعضاء المكتب التنفيذي نتيجة شجار نشب بينهما، وطرح فكرة عمل مؤتمر عام”، متسائلًا “كيف يمكن أن يتم مؤتمرعام يجتمع فيه 400 سوري في مكان واحد في ظل ما يعيشه السوريون من صعوبة التنقل والحصول على تأشيرات، هذا الجو غير المؤاتي للسوريين”.

في نيسان الماضي، وبعد عام على انتخاب الجراح، أصدر المكتب التنفيذي بيانًا بانتهاء ولايته، وبالتالي إجراء انتخابات للأمانة العامة، وعندما يعلن المكتب عن انتخابات يتحول دوره إلى مسيّر أعمال، إلى حين انتخاب مكتب جديد، وإعلان الانتخابات بالنظام الداخلي يقتضي بالضرورة ألا يكون في الرابطة أي منصب، بما في ذلك الرئاسة، إلى أن تبت الانتخابات بذلك.

“بعد إعلان إجراء الانتخابات عاد الجراح لتصدر المشهد في الرابطة، فاتفقنا أن نقبل طلبات الترشح وكنا ننوي تسمية لجنة عربية للإشراف على الانتخابات، تتسم بالحيادية، لكن الجراح عين لجنة بناء على إرادته فقط”، على حد قول الحلاق.

وشهدت هذه الفترة مطالبة من قبل الجراح بتأجيل الانتخابات لشهرين، وذلك ليتاح لأكبر عدد من النساء الترشح، ورد الحلاق على هذا المبرر بالقول “عدد النساء في الرابطة 30% ونسبة النساء اللاتي كن مرشحات تقريبًا 30% من نسبة المرشحين”.

وهذا ما دفع المكتب لرفض تمديد الترشيح لعدم جدية هذا السبب، فأصر الجراح على موقفه وعين لجنة أسماها “لجنة تطبيق النظام الداخلي”، علمًا أن مثل هذه اللجان غير موجودة في النظام الداخلي، ثم شكل لجنة ثانية تتعلق بميثاق الشرف، حسب قول حلاق.

كانت نتيجة هذه اللجان مطالبة المكتب التنفيذي بتقريرين مالي وإداري، دون النظر إلى الانتخابات المقبلة.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع رئيس الرابطة، الشاعر نوري الجراح، لكن التواصل تعذر معه، أو مع أي من الكتاب الذين كانوا من ضمن اللجنة التي شكلها.

35 كاتبًا عربيًا وسوريًا لإيجاد حل

حاول مجموعة أدباء سوريين وعرب ترميم الخلاف، فشكلوا ما يسمى بـ “المبادرة العربية”، وهم لا يريدون شيئًا إلا أن تستمر الرابطة، حسب قول الكاتب السوري أحمد جاسم الحسين، وهو أستاذ في الجامعة الهولندية ورئيس مجلس إدارة البيت السوري في هولندا، وأحد منسقي المبادرة لإيجاد حل لقضية الرابطة.

ويضيف لعنب بلدي، “لست عضوًا في رابطة الكتاب، لكني سمعت وقرأت عن الخلاف الذي شهدته، وبصفتي مواطنًا سوريًا وجدت أن هذا الخلاف لا يليق بالدم السوري، ويجب أن يكون هناك عقلاء لمحاولة وأد هذه المشكلة، خاصة أنها تحمل طابعًا شخصيًا، وإيجاد مخارج لما يطرحه كل فريق”.

وبناء عليه، تواصل جاسم منذ حوالي ثلاثة أسابيع مع أصدقاء من الرابطة ومن خارجها وهم 40 كاتبًا عربيًا وسوريا، وتمت مخاطبة الفريقين في الرابطة، ووجدت المبادرة استجابة عالية من المكتب التنفيذي، وخاصة فيما يتعلق بإعداد تقارير مالية وإدارية، والامتناع عن الترشح، في المرحلة المقبلة، وقرر المكتب بناء على ذلك تكليف اللجنة بالإشراف على الانتخابات، بحسب ما قاله جاسم.

وعن اللجنة العربية، يقول عبد الرحمن الحلاق، “وافقنا على كل طلبات اللجنة، بما فيها التقرير المالي والإداري، لأننا نعمل متطوعين على مدى سبع سنوات، بالإضافة إلى أننا نخسر الوقت، وطالبنا أن يقدم كل من نوري الجراح والكاتب إبراهيم الجبين تقريرًا ماليًا عن مرحلة التأسيس فقط، لكنهم لم يستجيبوا”.

انسحابات “فيسبوكية”

بعد أن اجتمع المكتب التنفيذي، لبحث عدم استجابة الجراح للمبادرة، أصدر بيانًا أكد فيه على اعتماد المبادرة العربية كحل وحيد لحل الخلاف، والإشراف على الانتخابات المقبلة، مع التأكيد على عدم ترشيح أحد منهم نفسه لانتخابات المكتب الجديد، وإنما للأمانة العامة فحسب.

وأعقب هذا البيان انسحابات “فيسبوكية” من قبل الجراح ومجموعة من الكتاب، عبر صفحاتهم في موقع التواصل الاجتماعي، معلنين البدء بتشكيل كيان جديد، الأمر الذي اعتبره أعضاء المكتب غير قانوني، لأن الانسحاب يجب أن يكون رسميًا عبر البريد الخاص بالرابطة.

واعتبر أدباء سوريون ما يجري في الرابطة “مهزلة”، مثل الشاعرة رشا عمران، التي كتبت عبر صفحتها في “فيس بوك”، “ما يحدث في رابطة الكتّاب مخجل بحق الثقافة السورية، أما الحديث عن تشكيل جديد للكتّاب بدلًا من حل الخلافات والخروج بصيغة جديدة كليًا للرابطة فهو العار بعينه في الظرف السوري الحالي”.

ما هي رابطة الكتاب السوريين؟

“رابطة الكتاب السوريين أول وليد ديمقراطي للثورة”، هكذا وصفها الشاعر السوري نوري الجراح، في أحد لقاءاته مع صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية، مشيرًا إلى أن “دم الشعب السوري” هو من نادى نخبة من المثقفين السوريين إلى الانتساب للرابطة مسخرين أقلامهم لنقل الواقع السوري وتصويره ضمن إطار أدبي.

تأسست رابطة الكتاب السوريين في أيلول 2012، لتمهد الطريق أمام رابطات نقابية وسياسية ومهنية أخرى، ومنها “رابطة الصحفيين السوريين” و”تجمع التشكيليين السوريين” و”رابطة المرأة السورية” وغيرها.

حسام الدين محمد، نائب رئيس رابطة الكتاب، قال لعنب بلدي إن وجود مؤسسة كبيرة تجمع الكتّاب السوريين أمر مهم في هذه المرحلة، تكون جسمًا ديمقراطيًا يعبر عن إيمان الكتّاب السوريين بوطنية موحدة.

تضم الرابطة 376 عضوًا، بينهم نخبة من الكتّاب والمثقفين السوريين ومنهم إبراهيم الجبين وخلدون النبواني وبرهان غليون وديمة ونوس وابتسام تريسي وواحة الراهب وخطيب بدلة وأحمد عمر، ويعتبر الراحل صادق جلال العظم أحد أكبر مؤسسي الرابطة حين اختير رئيسًا لها عام 2012.

وينتسب إلى الرابطة كتاب من داخل سوريا، وحتى من مناطق سيطرة النظام السوري، ولكن أسماءهم لا تظهر بشكل علني، بناء على طلبهم، وذلك لحمايتهم من أي إجراءات “قمعية” قد يتخذها النظام بحقهم.

تعتبر “رابطة الكتاب السوريين” أن مقرها الافتراضي هو في العاصمة السورية دمشق، ويمثلها أعضاؤها في جميع أنحاء العالم، كما أن لها مكتبًا في لندن يدير مجلة “أوراق” المنبثقة عنها.

وتقسم الرابطة إلى اختصاصات عدة أهمها الأمانة العضوية ورئاسة تحرير مجلة “أوراق” وموقع إلكتروني مخصص لها، فضلًا عن إدارة “جائزة رابطة الكتاب السوريين للإبداع الأدبي”.

فيما تحدث الكاتب أحمد عمر، عضو المكتب التنفيذي في رابطة الكتاب، عن مشكلة ذات طبيعة سياسية، أدت إلى انفصال عدد من الأعضاء عن الرابطة، قبل عامين، على أرضية اختلاف سياسي، فضلًا عن صراع الآراء والقوميات داخلها.

وأضاف أن الرابطة حتى الآن لم تستطع بلوغ التأثير المطلوب، وبصمتها “هشة جدًا” في مجال الثقافة السورية، متحدثًا عن غياب الدعم المالي للأعضاء المنتسبين إليها، فضلًا عن أن مجلتها تصدر بشكل فصلي وليس شهريًا.

الكاتب خطيب بدلة، الذي كان من مؤسسي الرابطة، اعتبر أن وجود مؤسسة تجمع الكتاب السوريين أمر بغاية الأهمية، واصفًا إياها بأنها “تمثل الجانب النظيف من أدب الثورة”، رغم وجود عوائق عدة تمنع وصول تأثيرها للجمهور السوري، وأضاف “تأثيرها سوف يكبر في المستقبل”.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب