تعا تفرج
حالة تحرش بسبب العلاك
خطيب بدلة
قال الأستاذ كمال إن البشر في الأزمنة البعيدة كانوا يتفاهمون مع بعضهم البعض بلغة الإشارة، ليس من أجل الحب وتذبيل العينين للحبيبات، ولكن من أجل التفاهم، وكانوا لا يجيدون استغلال الصوت الذي يصدره الإنسان من حنجرته، فترى الواحد منهم يزمر بصوته كما لو أنه ولدٌ سَرَقَ المزمار من العرس وشرع ينفخ فيه، ولكن الإنسان، وهو كائن ذكي بلا شك، راح يطور لغة الإشارة شيئًا فشيئًا حتى جعلها منطوقةً باللسان، وكل جماعة بشرية اخترعت لغتها الخاصة، وبقيت اللغات تتطور حتى يومنا.
قال أبو سلوم: عليّ الطلاق في عندنا ناس إذا الواحد منهم استلم الحكي لا يوجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تلجمه. مين منكم بيعرف “أبو هداد”؟
ضحك أبو الجود وسأله: مين أبو هَدَّاد؟ يا ترى تربطه صلة قرابة مع أبو عَمَّار؟
قال أبو سلوم: أرجوكم لا تميّعوا الموضوع، واسمعوني لأحكي لكم الحكاية.
قلنا له: تفضل.
قال: كان أبو هداد رجلًا فقيرًا، على قولة أهل حربنوش (الفقر ناصب حواليه دبكة)، وفي الوقت نفسه ثرثار. والثرثار إنسان يتعرض للخسارة بشكل دائم حتى في مجال الحكي. ففي بعض الأحيان يحكي مئة جملة غير مترابطة، على طريقة الرمي رَشًّا، والشيء الطبيعي أن تتخلل حديثَه بضعُ جمل مهمة ومفيدة، ولكن المستمعين لا يستوعبونها، لأنهم لا يركزون على حديثه كله، ليقينهم بأنه ثرثار، يعني عَلَّاك حاشاكم. وأحيانًا تقوده الثرثرة إلى مهالك الردى، مثلما حصل مع أبو هداد نفسه ذات يوم.
سألناه: أيش صار مع أبو هداد؟
قال: كان عائدًا إلى بيته فرأى تجمعًا كبيرًا من الناس في الساحة القريبة من البيت، فدحش منخاره، كالعادة، بين الناس، وصار يشمشم، ويخمخم، ويسأل، ويلح في السؤال، حتى عرف الحكاية وهي أن جاره أبا مسعود أطلق النار على عنصر في الأمن العسكري اسمه “فلان” وأصابه بجروح بليغة، وعلى الفور شرع أبو هداد يثرثر و”يعلك” قائلًا إن الحق كله على أختنا أم مسعود، كان المفروض بها أن تتصرف دون علم أبو مسعود، وأبو مسعود، أصلحه الله، عقله تنح، وعنيد، وقد نصحناه، أنا وجارنا أبو إبراهيم وأبو سالم وأبو نادر، أن يترك هذا العنصر عن باله، فهو رجل مؤذٍ، وطالما أن أختنا أم مسعود شريفة وضربته بالشحاطة على فمه، فالقصة يمكن اعتبارها منتهية، والدليل أن العنصر فلانًا ما عاد يجرؤ على رفع نظره إلى بلكونها، خشية من أن تضربه بالبابوجة العتيقة على شفاتيره مرة أخرى..
خلاصة الكلام: المخابرات اعتقلوا أبو هداد وأبو إبراهيم وأبو سالم وأبو نادر وأم مسعود، والكل تعرضوا للضرب والإهانة، بسبب ثرثرة أبي هداد، وحينما فهموا القصة، وهي أن فلانًا تحرش بأم مسعود، وأم مسعود دافعت عن نفسها بسلاح “البابوجة”، ثم حكت لزوجها، فقرر أن يقتله.. أطلقوا سراح جميع الذين اعتقلوهم للتحقيق، عدا أبو هداد الذي مكث في الاعتقال أكثر من أبو مسعود الذي أطلق النار على عنصر الأمن.
وهذا كله بسبب العلاك، حاشاكم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :