سلسلة يكتبها منصور العمري
في المقالات السابقة من سلسلة العدالة للسوريين، تحدثت عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية مثالًا، وفي مقالات سابقة شرحت جرائم أخرى ترتكب في سوريا:
مقتل عبدالله تيسير العيسى.. جريمة تشاركية لعدوّين في سوريا، “التعفيش” في القانون الدولي، هجمات التحالف وقوانين الحرب، تسييف.. النوم على حد السيف.
في هذا العدد، سأتحدث باختصار عن جرائم أخرى ترتكب في سوريا، من قبل جميع الأطراف، مع مراعاة أن نظام الأسد هو المرتكب الأكبر بما لا يقارن ببقية الأطراف، ولكن هذا لا يبرر ولا يخفف مطلقًا من وطأة الجرائم التي ترتكبها الأطراف الأخرى وضرورة المحاسبة وتحقيق العدالة للجميع. لأكمل في المقالات المقبلة الحديث عن تجارب أمم تعرضت لجرائم كبرى مشابهة لما تعرض له السوريون، وخاضت معارك طويلة في سبيل تحقيق العدالة للضحايا.
الجرائم المرتكبة في سوريا
استهداف المدنيين، والهجمات العشوائية التي تطال المدنيين والبنى المدنية كالمشافي والمدارس والمكاتب الإعلامية وغيرها، واستخدام البراميل المتفجرة والذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة والكيماوية وغيرها من الأسلحة العشوائية والمحظورة دوليًا، ومنع المساعدات الإنسانية وسرقتها، وحصار المدنيين وتجويعهم، والإخلاء القسري، والتشريد التعسفي، بما فيه ترحيل السكان، وعمليات الطرد الجماعي، والنزوح الجماعي، وغير ذلك من الممارسات التي تنطوي على تشريد إجباري وغير طوعي للناس من أراضيهم ومجتمعاتهم. الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والقتل تحت التعذيب وظروف الاعتقال غير الإنسانية والتعذيب، والإعدامات الميدانية والموجزة والتعسفية. الخطف، وطلب الفدية، والسجون السرية، وملاحقة المعارضة والصحفيين، وتجنيد الأطفال.
كل طرف في سوريا له طابع إجرامي يميزه عن البقية، باستثناء نظام الأسد الذي لم يترك جريمة تعرفها البشرية تقريبًا إلا وارتكبها في إطار مساعيه للاحتفاظ بسوريا مزرعة خاصة له.
فرض كل طرف هذه التسميات على نفسه من خلال ممارساته الغالبة، وهذا لا يعني أنه لم يرتكب جرائم أخرى.
نظام الأسد
تشمل مفردة “نظام” في تعبير “نظام الأسد” الأسد نفسه رأس النظام، وأذرعه الأمنية والسياسية، و”الجيش العربي السوري”، والحكومة السورية، والبرلمان السوري. جميع هؤلاء مسؤولون عن الجرائم الذي يرتكبها هذا النظام.
يمكن إطلاق التسميات أدناه على مكونات نظام الأسد والأطراف الأخرى في سوريا، كل حسب الطابع الإجرامي أو الانتهاك الغالب على ممارساته:
الحكومة السورية: حكومة جرائم ضد الإنسانية. وزير الداخلية، الأمن السياسي والسجون المدنية: وزير التعذيب. وزارة الدفاع، السجون العسكرية: وزير المسلخ البشري. الجيش العربي السوري: جيش التعفيش. المخابرات: خط إنتاج قتلى تحت التعذيب، مخابرات الإرهاب. البرلمان السوري: برلمان الدمى. وحدات حماية الشعب: وحدات تجنيد الأطفال، وصيد المعارضين والصحفيين. الجيش الحر: النهب. داعش: الذبح والسرقة والاغتصاب، أو داعش الأسد. النصرة: الخطف ومطاردة الصحفيين. حزب الله اللبناني الطائفي: حصار المدنيين، الابتزاز، أو حزب إيران في لبنان. الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية: حصار المدنيين، أو ميليشيات إيران. الحرس الثوري الإيراني: تكتيكات جرائم الحرب. سلاح الجو الروسي: سلاح قصف المشافي، سياسة الأرض المحروقة، قصف البنى المدنية والمدنيين. التحالف الدولي للأضرار الجانبية غير المتناسبة، وإنكار المجازر. القوات التركية: تجاهل جرائم من تدعمهم. الائتلاف السوري لتهديد الصحفيين وتمثيل الداعمين.
تحميل المسؤوليات في القانون الدولي
عندما يغلب طابع إجرامي ما على طرف محدد، فهو مؤشر قوي على أن هذا الطابع نتج عن تكرار الجريمة في سياسة ممنهجة ومتعمدة، وليست ممارسات فردية.
فما مسؤولية القادة عن الأفراد الذين يتبعونهم؟
يجب أن تدرج الدول، أو القيادات المسؤولة أحكام القانون الإنساني الدولي في قوانينها العسكرية والتعليمات الموجهة إلى القوات المسلحة ومدونة الانضباط العسكري، ويجب عليها أن تضمن معرفة قادتها من العسكريين بهذه الأحكام.
مثلًا، على قادة الجيش الحر، ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، المسؤولة هيكليًا عن الجيش الحر في سوريا، مسؤولية القيادة أيضًا. عدم السيطرة الفعلية لوزارة الدفاع ورئيس الوزراء على القوات المقاتلة في سوريا، لا يبرر لها أو يبعدها عن المسؤولية عن الجرائم المرتكبة، ويمكن محاسبة وزير الدفاع ورئيس الوزراء على هذه الجرائم إن لم يتخذوا إجراءات كافية تمنعها، كالنهب واختطاف المدنيين والصحفيين وغيرها، طالما هم في مناصبهم فهم مسؤولون.
كما تلتزم السلطات السياسية والعسكرية باتخاذ التدابير الضرورية لضمان احترام التزامات القانون الإنساني.
تلتزم الدول والقادة بالبحث عن أشخاص يزعم أنهم ارتكبوا أو أمروا بارتكاب انتهاكات وجرائم وإحالتهم إلى المحاكم.
فمثلًا حين أعلنت قيادة “الجيش الحر” محاسبة أحد عناصره لاعتدائه على مشفى مدني وترويع المدنيين، تكون قد أبعدت نفسها عن توجيه تهمة بهذه الجريمة إليها، وهي مسؤوليتها في النهاية، أما إن لم تحاسب المرتكب، فتصبح شريكة له.
منذ بدء نظام الأسد بارتكاب جرائمه مع انطلاق الثورة السورية، لم نسمع عن حالة واحدة لمحاسبة مجرم، بل على العكس، يحصن الأسد مجرميه ضد المحاسبة بالمراسيم والقوانين.
الدول والقيادات مسؤولة عن جميع الأعمال التي يرتكبها أفراد قواتها المسلحة، وعن أشخاص أو كيانات مفوضة بالقيام بقدر من السلطة، أو أشخاص أو مجموعات تعمل في الواقع بناء على تعليماتها أو تحت إشرافها أو سيطرتها، أو أشخاص أو مجموعات خاصة تعترف بها الدولة أو القيادة وتتبناها كتصرفات صادرة عنها.
كما أن الدول والقيادات تتحمل مسؤولية تحقيق العدالة بالطرق القانونية والإجراءات القانونية الواجبة، لأي شخص تعرض لجريمة أو انتهاك، ضمن الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. فمثلًا إن تعرض شخص لجريمة في مناطق سيطرة القوات التركية أو المدعومة من تركيا، على هذه القوات وعلى تركيا أن تحقق في جرائم الحرب التي يزعم ارتكابها من قبل مواطنيها أو قواتها المسلحة أو على أراضيها ومحاكمة المرتكبين. لا يغفل القانون عن الطبيعة الهرمية للقيادات والجيوش وأجهزة المخابرات وغيرها من التنظيمات الجماعية، لذلك يضع التزامات محدّدة على القادة، ويحملهم المسؤولية الجنائية على المستوى الشخصي عن أفعال وتجاوزات ارتكبوها بأنفسهم، وأيضًا عن أفعال ارتكبها مرؤوسوهم أو شخصيات تحت سيطرتهم الفعلية، حتى لو كانت غير رسمية.
يتحمل القائد المسؤولية كالتالي:
إن ارتكب بنفسه الجريمة أو أصدر أمرًا بارتكابها.
إن علم بارتكاب جريمة ولم يحاسب مرتكبها، أي إن عرف بها أو توفرت لديه معلومات تمكنه من استنتاج بأن مثل هذا الانتهاك أو الجريمة كانت ترتكب أو سترتكب. مثالها حين أعلم صحفي أمريكي بشار الأسد بما يحدث في صيدنايا، نعلم أن الأسد وعصابته يعلمون بكل الجرائم المرتكبة في سوريا، فهم من يأمر بارتكابها، ولكن في القضاء يجب توافر دليل مادي على هذه المعرفة، ويكفي أن نرى أحدهم يُعلم الأسد بجريمة ما كاستخدام البراميل، حتى تكون دليلًا ماديًا على علمه بها وعدم إيقافها، وبالتالي مسؤوليته الجنائية عنها.
إن لم يكن يعلم بارتكاب الجريمة، بسبب فشله في اتخاذ إجراءات تمنع ارتكابها، فهو مسؤول أيضًا.
مراجع
هيومن رايتس ووتش
اللجنة الدولية للصليب الأحمر