الاختفاء القسري في الأرجنتين وسوريا: مسألة الإبادة السياسية
فيرونيكا بيللينتاني
في السنوات الماضية، تعرض السوريون لأخطر انتهاكات حقوق الإنسان. كانت حملة الإبادة التي أطلقها نظام الأسد على السوريين عادة ما توصف بأنها إبادة جماعية. وهذا الوصف يتكرر الآن في أذهان السوريين نظرًا للمعلومات الأخيرة المتعلقة بوفاة الآلاف من المدنيين في سجون الأسد.
ومع فهم الأساس المنطقي لمثل هذا الموقف من السوريين شرح بعض المعلقين كيف أن المصطلح القانوني للإبادة الجماعية لا ينطبق على الوضع السوري، وبالفعل ووفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 لا تطبق الإبادة الجماعية إلا في حالة الأفعال المرتكبة لتدمير، جزئيًا أو كليًا، مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، وليس مجموعة سياسية.
ومع ذلك، من المهم أن نذكر أنه في أول المسودات الأولية تضمنت اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 في تعريفها مصطلح الجماعة السياسية، ولم يتم إزالته إلا بعد ذلك في المسودة النهائية لأسباب سياسية وليس لأسباب تقنية أو قانونية. ففي ذلك الوقت كانت العديد من الحكومات غير متقبلة للموافقة على تعريف أوسع قد يتضمن سلوكًا ضد المعارضين السياسيين الذين رآه الكثيرون في ذلك الوقت (وما زالوا يرون) أنه “ضروري” للحفاظ على السلطة. لهذا السبب ليس من الخطأ القول إنه يمكن أيضًا ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الجماعات السياسية كما هو الحال في سوريا أو في مكان آخر. ولكن لأسباب سياسية فقط لا يتم الاعتراف بهذه الحالة في التعريف القانوني لاتفاقية 1948، فعلى سبيل المثال تمت مناقشة أن الإبادة الجماعية تنطبق على الأرجنتين التي تعتبر مشابهة للسياق السوري.
كانت الأرجنتين تحت حكم ديكتاتوري عسكري من عام 1976 إلى عام 1983، وخلال هذه الفترة، كانت الطغمة العسكرية مسؤولة عن الاختفاء القسري وتعذيب وإعدام أكثر من 30 ألف شخص بالإضافة الى إبعاد الأطفال عن عائلاتهم. ومن بين مختلف الجهود القضائية الرامية إلى محاسبة المجلس العسكري قال بعض القضاة والمحامين إن جرائمهم تشكل إبادة جماعية.
أولًا، جادل العديد من القضاة والمحامين بأن عشرات الآلاف من الضحايا الذين اختفوا قسرًا وقتلوا في الاحتجاز يشكلون مجموعة وطنية محددة على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية، حتى وإن لم تكن متميزة لأسباب عنصرية أو عرقية أو دينية. وقد اعترفت بذلك أيضًا المحكمة الجنائية الوطنية الإسبانية التي أدانت، تحت مبدأ الولاية القضائية العالمية، طيار الجيش الأرجنتيني المسؤول عن المشاركة في رحلات الموت. وقد اعترف القاضي بالفعل بالضحايا بوصفهم مجموعة محددة من الأرجنتينيين الذين تم انتقاؤهم بوضوح من بقية السكان بغرض الإبادة. جميع الضحايا كانوا يتهمون بأنهم ضد الطبيعة المثالية للأمة الأرجنتينية (مجتمع متطرف على الطراز الفاشي آنذاك) وأعداء الدولة ومخربون يسعون لزعزعة الوضع الراهن، وبالتالي كان لا بد من القضاء عليهم تحت ستار ما يسمى بالحرب ضد التخريب. لكن لم يقتصر الاختيار على أفراد محددين فقط، بل امتد ليشمل جميع الأفراد من قطاعات محددة والتجمعات كمناطق جغرافية محددة تعتبر مناوئة للطغمة العسكرية.
وعلاوة على ذلك، قال العديد من القضاة وخبراء القانون إن الحملة المنهجية للاختفاء القسري كانت إبادة جماعية. لأن نظام التدمير الشامل مثل (الاعتقالات والاختفاء، وإبعاد الأطفال عن عائلاتهم، وتخويف أعضاء الجماعة، وفي حالات كثيرة القضاء على الضحايا) لم يتم بشكل عشوائي بل بنية تدمير جزء من المجتمع الأرجنتيني. ولهذا الغرض يذكر بعض المحامين أساليب التعذيب المحددة والمعقدة المستخدمة في تدمير المجموعة المستهدفة والتي تزيل أي سؤال أو شك يتعلق بعدم النية لإبادة جزء من المجتمع. ووفقًا للمحكمة الوطنية الإسبانية فإن هذه الأفعال كانت جريمة إبادة جماعية.
وباختصار، فإن الحالة الأرجنتينية، باستثناء نقل حضانة الأطفال من المتهمين إلى عائلات قياديي الطغمة العسكرية، تشبه بالفعل الحالة السورية وبالتالي يمكن استخدام نفس الحجج في سوريا. ولذلك حتى إذا لم يكن بالإمكان اعتبار الجرائم في سوريا إبادة جماعية بموجب القانون الدولي كما هو موضح من قبل، فإنه لا يزال هناك قاسم مشترك وهو تدمير مجموعة بشرية وطنية محددة مع عمليات إبادة جماعية أخرى معترف بها قانونيًا. ومع ذلك، بموجب القانون الدولي لا تنطبق الإبادة الجماعية على سوريا. ولكن هناك نقطة يجب تذكرها: التعريف الخاص بالإبادة الجماعية لعام 1948 هو تعريف أساسي غير مقيد وبالتالي قد يسمح التعريف الأوسع باستخدام مصطلح الإبادة الجماعية في المحاكم المحلية. ومن يعلم فقد يحدث ذلك في المستقبل في سوريا؟
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :