هل تبدد حلم السوريين بالحرية؟!

  • 2018/07/29
  • 3:29 م
متظاهرون في بلدة حاس بريف إدلب

متظاهرون في بلدة حاس بريف إدلب

محمد عبد الستار إبراهيم

وكأن الأمر كان بالأمس، رغم كل الجراح التي عصفت بنا في السنوات العجاف، حين كنت عاملًا في أحد المحلات بالعاصمة عمان عام 2011، وأنا الذي أسكن هذه المدينة منذ أربعة عشر عامًا. قرأت خبرًا على شاشة التلفاز عن مظاهرات في مدينة درعا، كان المشهد مغايرًا، لم نعتد نحن السوريين رؤيته في بلادنا، أعتقد أن آخر مظاهرة خرج بها الشعب السوري كانت ضد الاحتلال الفرنسي؛ ولكن أن نرى مظاهرات مناوئة لحكم البعث؛ إنها قيامة الساعة.

ومن هول المشهد أصبحت أصيح على العجوز “عمي أبو حسين بدنا نرجع لسوريا”، وهو الذي خرج من مدينته حماة عام 1982 بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنه لم يقترب منها. كان يحدثني ذاك العجوز كثيرًا عن حماة وسوريا، فلم يكن يمر يوم دون أن يروي لي قصة من قصصه في سوريا والحنين الذي يأسره، لكني تعجبت يومها من رد فعله، كنتُ متحمسًا وربما متأثرًا بما حدث في تونس ومصر، لكنه لم يعطِ أي أهمية للحدث وقال بالحرف قبل أن يعود إلى عمله: لك عمي الزلمة قوي. وصبّ مرةً أخرى سطلًا من الماء البارد على أشواقه الهائجة.

كنت مثله في الحنين، في آخر زيارة لي إلى سوريا في كانون الأول 2009، وبعد أن وصلت إلى قرار نهائي بعدم العودة إلى الوطن مرةً أخرى حتى لا أخدم في الجيش الذي أبغضه منذ صغري وخرجت ولم أعد إلى اليوم، لكن بعد خروجي أصبحت أفكر بشكلٍ شبه يومي وأسأل نفسي متى سأعود وكيف. فلا مفر سوى أن أسلم نفسي للجيش!

حين بدأت الثورة السورية شاركت في غالبية الاعتصامات أمام السفارة السورية، وعاد الحلم يتجدد والأمل يكبر.. غدًا كلنا سنعود. شاركت في الكثير من النشاطات، وكنت شاهدًا مثل كل السوريين على مذبحة الوطن، وكان الجرح يكبر ولا يندمل وكنا نكبر معه باليوم عشرات السنين بالعذابات والأسى.

لقد كنتُ شاهدًا على أول موجة نزوح قدمت إلى القرى الأردنية المحاذية لسوريا، وكنت أحد الشاهدين على افتتاح مخيم الزعتري، كما كنت شاهدًا على زوال حكم الأسد من منطقة تلو الأخرى، حتى بات الوطن كالعشب الأخضر يلمع بريقًا، والجماهير في الصباح والمساء تصدح: يلا ارحل يا بشار. أنا الذي دمعت عيناه أمام السفارة السورية عندما صدحت مع المعتصمين: يا حافظ قوم وشوف صرنا نسبك ع المكشوف. وكان حلم العودة إلى الوطن من المنفى يكبر ويكبر، نعم منفى لا غربة، لأني لم أختر العيش خارج الوطن طواعية.

وها أنا اليوم كباقي السوريين شاهدٌ على عودة سلطة النظام إلى “مهد الثورة”، وها هو الجامع العمري يعود مجددًا إلى المشهد، وكأن أحداثه الأولى كانت يوم أمس حقًا. شهدنا خسارة مدينة تلو الأخرى كما كنا شهودًا على تحريرها. لقد ذرفنا في الأولى دمعًا من السرور، وفي الثانية ألمًا.

ها أنا أعود مجددًا إلى ذاك الشعور قبل سبع سنوات، والسؤال ذاته يراودني، متى سأعود وكيف؟! وأنا أرى من دمر بلدي يرفع رايته فوق جثاميننا، ونرى مرتزقته وحلفاءه يرفعون إشارات النصر من فوق ركام حضارتنا، وحتى سمائنا أصابها الجفاف.

ويؤسفني القول إن قلوب من كان معنا قد انقلبت علينا، اليوم اكتشفنا أن من كنا نرفعه فوق الأكتاف صارخًا: واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، كان أول من يعود إلى حضن العبودية، لقد أخطأنا في توظيف ثقتنا وكنا عاطفيين لدرجة السذاجة ولم نعترف بأخطائنا منذ اليوم الأول.

المشهد اليوم معقد للغاية بطريقة جنونية، أبكي وبكل ما للكلمة من معنى دمًا على الثورة والوطن، ولكن لأني أؤمن بالعدالة الإلهية وأؤمن بأن الثورة حق، وأني كنت على الحق، والخوف الذي نزعناه من قلوبنا لن يعود. لأن الأسد سقط منذ سقط الخوف من قلوبنا. فالصيحة التي تنطلق من الحنجرة لا تعود، ونحن من قلنا: حرية للأبد غصبًا عنك يا أسد.

الثورة لا تموت وهناك ثكالى ويتامى وجرحى ومقهورون ومعتقلون ومنفيون، ووطنٌ مدمر من بابه حتى محرابه، كله بسبب الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس، ومرتزقته الطائفيين. الثورة لا تموت لأن ما بني على الحق سينتصر به، وإن الباطل كان زهوقًا، وما النصر إلا صبر ساعة.

الثورة لا تموت إلا إذا عاد مشعل تمو وغياث مطر وهاجر الخطيب وزينب الحمصي ويحيى شربجي وغيرهم من ملايين الشهداء. وقتها سأكتب بنفسي نعوة الثورة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي