عنب بلدي – محمد حمص
انتقل هجوم النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، على منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) إلى شكل آخر يبتعد عن المنحى السياسي ليصل إلى صيغة التهديد المباشر بالتصفية.
في حديثه لوسائل إعلام روسية، في 26 من تموز، خيّر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عناصر الدفاع المدني بين المصالحة أو التصفية واصفًا إياهم بالغطاء “للإرهابيين من جبهة النصرة”، مشيرًا في تصريحاته إلى أن الكثير من “الخوذ البيضاء” مسلحون ومن غادر البلاد منهم هم على الأرجح “قياديون في التنظيم”.
وشدد الأسد في تصريحاته على أن “مصير الخوذ البيضاء هو نفسه الذي يواجهه كل إرهابي”.
من هم “الخوذ البيضاء”؟
تأسست منظمة الدفاع المدني، مطلع عام 2013، ومع تصعيد النظام وتزايد استخدامه للقصف الجوي، أسست المنظمة مجموعات نظمت نفسها بهيكلية مراكز تطوعية بسرعة وظهرت أولى مراكزها في مدينة حلب ودوما بريف دمشق ومدينة الباب بريف حلب.
وبعد تشكيل مراكز فردية تجمعت هذه المجموعات على مستوى المحافظة، وبدأت بالتواصل مع بعضها لمساعدة المجتمعات المحلية.
ووصل عدد المتطوعين فيها إلى حوالي 3470 عنصرًا، منتشرين في جميع الأراضي السورية، وتمكنوا من إنقاذ الآلاف من المدنيين إلى جانب نشاطات بالتوعية والأعمال الخدمية التي تقوم بها المنظمة على صعيد المناطق التي تنتشر فيها.
ونال عناصر “الخوذ البيضاء” شهرة واسعة للأعمال التي قدموها، وتم تقديمهم في أفلام وثائقية أبرزها “الخوذ البيضاء” الذي نال جائزة أوسكار عن أبرز فيلم وثائقي العام الماضي.
لماذا يريدهم الأسد تحديدًا
تعرّف الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، سارة كيالي، المنظمة بأنها مجموعة إنسانية تعمل في المناطق المعارضة للحكومة، وكان متطوعوها ينتشلون الجرحى من تحت الأنقاض ويدفنون القتلى ويطفئون الحرائق عندما كان التحالف السوري- الروسي ينفذ هجمات عشوائية على المدنيين في الغوطة وإدلب وأخيرًا درعا والقنيطرة، إضافة إلى كونهم “شهودًا على العديد من فظائع الصراع الدائر في المنطقة”.
وسم النظام السوري وحليفته روسيا المنظمة بـ “الإرهابية”، لكن كيالي اعتبرت هذا الاتهام “عقوبة إعدام حقيقية في سوريا، لا سيما أن قوانين الإرهاب السورية الفضفاضة تمكن الحكومة من احتجاز وتعذيب وإعدام من تعتبرهم معارضين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة”.
وفي تصريحه لعنب بلدي، قال مدير منظمة الدفاع المدني، رائد الصالح، إن النظام لطالما اتبع سياسة التشويه منذ انطلاقة الثورة ضد المتظاهرين والمظاهرات، وعمل على تشويه صورتهم قبل أن يضغط عليهم ليجبرهم على حمل السلاح دفاعًا عن النفس.
وأضاف الصالح أن النظام يتبع نفس السياسة بالنسبة للمؤسسات الناجحة التي تعمل على خدمة المدنيين كبديل عن مؤسسات النظام في المناطق الخارجة عن سيطرته.
وأشار إلى أنه فيما يخص “الخوذ البيضاء”، فقد قدمت “نموذجًا ناجحًا في تقديم الخدمات، وبناء مؤسسات غايتها بناء الإنسان وخدمته وإحيائه”، معتبرًا ذلك “مزعجًا للنظام السوري”.
ويعزو الصالح السبب المباشر لاستهداف المنظمة إلى عملها “على جميع الملفات الإنسانية والقانونية التي تدين النظام وروسيا بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب في سوريا، ومنها استخدام الأسلحة الكيماوية والأسلحة المحرمة دوليًا”.
ومما سبب الحساسية الزائدة من قبل النظام السوري وروسيا، “التعاون الوثيق بين الخوذ البيضاء والمؤسسات المعنية بالشأن السوري التي تقوم بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية”، بحسب صالح، ومنها لجنة تقصي الحقائق واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في ارتكاب الانتهاكات في سوريا.
إجلاء عناصر الدفاع المدني يزعج النظام
وافقت الحكومتان الأردنية والإسرائيلية، الأحد 22 من تموز، على مرور ما يزيد على 300 عنصر من “الخوذ البيضاء” عبر أراضيها لإعادة توطينهم في ألمانيا وكندا، بعد تقدم النظام السوري السريع في الجنوب السوري، وسيطرته على معظم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، محمد الكايد، الأحد 22 من تموز، إن “الحكومة أذنت للأمم المتحدة بتنظيم مرور حوالي 800 مواطن سوري عبر الأردن لإعادة توطينهم في دول غربية”.
وأضاف أن كلًا من بريطانيا وكندا وألمانيا قدمت “تعهدًا خطيًا ملزمًا قانونيًا بإعادة توطينهم خلال فترة زمنية محددة بسبب وجود خطر على حياتهم”، وأكد المسؤول الأردني أن “الموافقة تمت على الطلب لأسباب إنسانية بحتة”.
وقال إن “تنظيم عملية مرور المواطنين السورين يتم بإدارة الأمم المتحدة، ولا تترتب أي التزامات على الأردن”، موضحًا أن “هؤلاء المواطنين السوريين سيبقون في منطقة محددة مغلقة خلال فترة مرورهم التي التزمت الدول الغربية الثلاث على أن سقفها ثلاثة أشهر”.
بدوره، اعتبر الجيش الإسرائيلي، في بيان، أن العملية “خطوة إنسانية استثنائية”، مشيرًا إلى أن “الخوذ البيضاء” مهددون بالقتل من جانب النظام.
فيما اعتبر النظام السوري أن قيام إسرائيل بإخراج عناصر الدفاع المدني من سوريا بالتعاون مع عدة دول، هو “عملية إجرامية تكشف دعمهم للإرهاب”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، أن “إخراج إسرائيل للخوذ البيضاء كشف أمام العالم ارتباطهم بمخططات الدول الغربية، وخاصة أمريكا وبريطانيا وكندا وألمانيا، وتمويل هذه الدول السخي للنشاطات الإرهابية لهذا التنظيم في سوريا”.
وتستهدف قوات الأسد، في غالبية الحملات التي تشنها على مناطق سيطرة المعارضة، مراكز الدفاع المدني والمشافي الطبية، وتصدر تقارير إعلامية تشكك بمصداقية هذه المراكز وتقول إنها تؤوي عناصر مسلحين ممن تسميهم بـ “الإرهابيين”.