على هامش ألف شهيد
محمد رشدي شربجي
على مدى ست سنوات رأيت يحيى ونبيل شربجي عشرات المرات في المنام، وفي كل مرة كان المضمون نفسه وإن اختلف المكان، أركض مسرعًا باتجاههما وعيوني يملؤها الدمع وقد أفرج عنهما من المعتقل، وهما يقفان بلا حراك، حتى إذا وصلت إليهما ضممتهما إلي، ثم أستيقظ.
لم يكن الأسبوع الماضي أسبوعًا عاديًا على مدينة داريا خصوصًا وسوريا عمومًا، كان الجميع يتوقع ذلك ولا يصدقه، لقد سبق أن وجد أبناء المدينة عشرات من أبنائهم في صور سيزر، ولكن يبقى المرء يمنّي نفسه أن أحباءه قد نجوا، ولكن لم ينجُ أحد.
في يوم واحد قرر النظام إعدام جميع قادة العمل السلمي في داريا، وفي فترات متقطعة أعدم عدة مئات آخرين من أبناء المدينة، يحيى ونبيل ومعن وغياث وإسلام ومجد وعامر ومازن وعبد الحكيم ومئات آخرون من أطهر وأنبل من أنجبت سوريا استشهدوا ولم يصلِ عليهم أحد. السلام عليكم يوم ولدتم ويوم متم ويوم تبعثون أحياء.
لقد اختبرت داريا تجربة قاسية من هذا النوع، كانت يوم المجزرة الكبرى في آب 2012 ولكن حينها كان الاستمرار حتميًا في النفوس، لم يكن يرد في البال أن نتوقف، كانت هناك قلاع للنظام تتساقط في سوريا، كان الجيش الحر يتقدم في معظم المناطق.ال
اليوم التجربة أقسى، وأقسى ما فيها هو العجز أمام هول المصيبة وعظم الأمانة، اليوم يتقدم النظام في كل معاقل الثورة، أخذ بمساعدة الروس مهد الثورة بعد غوطة دمشق وحلب، وما عجز عنه الروس تكفلت أمريكا عبر حزب العمال الكردستاني الذي سيعيد مناطق سيطرته للنظام كما أخذها، بلا قتال، وما عجز عنه هذا وذاك كان من نصيب أخوة المنهج، أصحاب السلفية الجهادية، الذين أحالوا حياة الثوار إلى جحيم وألّبوا عليهم بقية العالم. ثوار داريا يمشون في إدلب خوفًا من الجولاني كمن يتخبطه الشيطان من المس. يا للعار!
من أجل من ذهبوا لا يجب علينا أن نتوقف، على هذه القضية أن تبقى، ونورثها لأبنائنا حتى يمن الله بنصره علينا، ليس سهلًا أن تكون روسيا وأمريكا ومن خلفهما إسرائيل أعداءك، ولكن لا يجب أن نيأس من أجل من ذهبوا، ليس سهلًا أن تجمع شتات السوريين في أصقاع الأرض وتوحدهم خلف مطلب إسقاط النظام وقد فرقتهم بحور من الدماء، ولكن لا يجب أن نيأس من أجل من ذهبوا.
على هامش ألف شهيد ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وباتت الحياة جحيمًا لا يطاق، العجز وتأنيب الضمير سيبقى يلاحقنا في أصقاع هذا العالم القذر، ومن أجل ذلك علينا ألا نفقد الأمل، فليس الأسد أول سفاح في هذا العالم، وسيأتي يوم نراه فيه في موقع القذافي وعلي عبد الله صالح وصدام حسين، إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا، يا رب رحمتك وعدلك… وانتقامك.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :