عمليات على الأرض وتحركات في الأروقة الدولية.. ملف اللاجئين السوريين بعهدة روسيا

  • 2018/07/29
  • 12:59 م

رهام الأسعد | نور عبد النور | أحمد جمال

بطابع جديّ مرهون باستجابة دولية، أمسكت روسيا طرف الخيط العالق في ملف اللاجئين السوريين، ذلك الملف الذي هز أركان الحكومات وعُقدت لأجله مؤتمرات عالمية، أفضت إلى أخرى لم يتمخض عنها سوى بيانات دعت إلى الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين، دون التطرق جديًا إلى مسألة العودة التي كانت مربوطة دائمًا بالحل السياسي والاستقرار الأمني في سوريا.

استفاقت موسكو مؤخرًا على وجود ما يقارب ستة ملايين سوري، خارج حدود الجغرافيا التي أحكمت قبضتها العسكرية والسياسية على جميع أركانها، معلنة عن خطة هدفها “إنساني” بالدرجة الأولى، لإعادة 5.6 مليون لاجئ إلى سوريا، بموجب الرؤية الروسية القائمة على استتباب الوضع في سوريا.

بتلك الخطة، أعطت روسيا للمجتمع الدولي فسحة سماوية، وربما فرصة للتخلص من عبء كبير، دون اكتراث الأخير بخفايا المساعي الروسية، والتي يتم الترويج لها على أنها “مبادرة طيبة” من القطب الروسي.

إغراءات روسية بين أيدي اللاجئين

منذ أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن خطتها لإعادة اللاجئين السوريين، في 18 من تموز الحالي، بدأ الاهتمام الدولي واضح المعالم تجاه مبادرة جدية، تعتبر الأولى من نوعها منذ أن بدأت موجة اللجوء السوري عام 2011.

استهلت روسيا خطتها المذكورة بحشد تأييد دولي، حين تقدمت بطلبات إلى 45 دولة للحصول على بيانات وأرقام دقيقة عن اللاجئين السوريين المقيمين فيها، مشيرة إلى أن الأرقام الأولية التي حصلت عليها تتطابق مبدئيًا مع إحصائيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

76 مركزًا وخمسة معابر

بعد ذلك، أعلنت موسكو عن إنشائها مراكز إيواء واستقبال وتوزيع اللاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا، بالتعاون مع حكومة النظام السوري، وعددها 76 مركزًا تتسع لاستقبال ما يزيد على 336 ألف لاجئ سوري، يتوزعون على الشكل التالي: 73 ألفًا في محافظة ريف دمشق، و134 ألفًا في محافظة حلب، و64 ألفًا في حمص، وعشرة آلاف في حماة، و45 ألفًا في دير الزور، وتسعة آلاف في القلمون الشرقي.

وتتركز مهام مراكز الإيواء على مراقبة عودة اللاجئين من الدول الأجنبية إلى سوريا، وتقديم المساعدات اللازمة لهم، ثم فرزهم على مناطق إقامتهم الدائمة، وإبقاء الأشخاص الذين لا مأوى لهم في مراكز الإيواء.

وفي إطار التنسيق لتلك المراكز، أسست وزارة الدفاع الروسية مكتبًا في موسكو بالاشتراك مع وزارة خارجيتها، مهمته تنسيق عمل مراكز الإيواء وتنفيذ الفعاليات المخطط لها.

إنفاق دولي لقاء المبادرة الروسية

غموض اكتنف المساعي الروسية المفاجئة بشأن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ربما سيتغاضى عنها المجتمع الدولي على اعتبار أن موسكو حملت على عاتقها أثقل ملف في الأزمة السورية، بعد أن أثبتت للعالم قدرتها على إدارة الملفين العسكري والسياسي في سوريا.

من وجهة نظر الصحفي والمعارض السوري وائل الخالدي، فإن روسيا كانت ولا تزال تستغل أي مناسبة لتسويق نفسها ومشروعها في سوريا على الساحة الدولية، ابتداء من محاربة الإرهاب، وانتهاءً بحماية الحدود الإسرائيلية مع سوريا، مرورًا بوقف إطلاق النار عبر مناطق “تخفيف التوتر”، ثم تشكيل لجنة لصياغة دستور سوري جديد، والآن عبر ملف اللاجئين.

الخالدي قال لعنب بلدي إن موسكو تعي تمامًا أن حجم الإنفاق الدولي في هذا الملف مرتفع جدًا، وبالتالي فإن حجم الابتزاز الروسي سيكون مرتفعًا أيضًا، وأضاف، “حان الآن وقت التلاعب بأهم الملفات التي تزعج المجتمع الدولي بعيدًا عن (داعش) وعن مأساة العصر الإنسانية في سوريا، فليس هنالك ما يزعج المجتمع الدولي بقدر ملف اللاجئين السوريين”.

واعتبر الخالدي أن عين روسيا ستتجه إلى أموال دعم اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا، خاصة في المرحلة الراهنة التي تمر فيها موسكو بأزمة اقتصادية حادة قد ينتشلها الملف السوري منها، ليس ماديًا فقط، بل بتحصيل مكاسب دولية لقضايا سياسية عالقة، عبر استخدام ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا، وورقة أمن إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة، وورقة إيران للضغط على الخليج العربي، على حد تعبيره.

أما المعارض السوري فراس الخالدي، عضو “منصة القاهرة”، فيرى أن أي جهود لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى منازلهم “جهد طيب”، خاصة إذا كان الجهد الروسي في ملف اللاجئين يحمل بين طياته جوانب سياسية جيدة، من ناحية إعادة التوازن الديموغرافي إلى المجتمع السوري ووقف العملية الممنهجة للميليشيات الإيرانية في تثبيت ذلك التغيير.

لكنه قال في حديثه لعنب بلدي إن أمورًا عدة كان يجب أن تتم قبل ومع التحرك الروسي، مشيرًا إلى أن أي خطة روسية أو دولية لإعادة اللاجئين يجب أن ترتبط مباشرة بالحل السياسي بالإضافة إلى ضمانات مرهونة بخروج الميليشيات الإيرانية ووقف تجاوزات العناصر التابعة لنظام الأسد.

وأضاف، “لن نستطيع إعادة اللاجئين قبل إتمام عملية سلام سياسية ودولية تعبر عن هؤلاء اللاجئين والمشردين، خاصة أن السوريين لم يخرجوا من منازلهم بسبب انعدام الكهرباء والماء، بل بسبب وجود نظام قمعي مستبد استباح دماءهم”.

لا إعادة إعمار دون عودة اللاجئين

يتساءل كثيرون عن التوقيت الذي اختارته روسيا لطرح تلك القضية العالقة بشأن عودة اللاجئين، فالدلالات تشير إلى أن الخطة الروسية تزامنت مع فشل موسكو في إشراك كبرى دول العالم ضمن خططها لإعادة الإعمار في سوريا، ذلك الملف الذي استعصى على الحليف الروسي إلى الآن، كون الاقتصاد الروسي عاجزًا عن حمل الملف بمفرده.

إذ تعالت الأصوات الدولية بوجه روسيا في كل محفل دولي، والتي تقول ألا إعادة إعمار في سوريا دون انتقال “نزيه” للسلطة، أو على الأقل حل سياسي يضمن الاستقرار في المنطقة.

مجموعة “الدول السبع” الكبرى، والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، أعلنت في نيسان الماضي أنها لن تشارك بإعادة إعمار سوريا دون انتقال سياسي “ذي مصداقية” لنظام الحكم.

فيما قالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في تصريحات لاحقة في حزيران الماضي، إن بلادها ستشارك في إعادة الإعمار حال تحقق الحل السياسي، ولم تحدد ميركل حينها ما إذا كانت تشترط انتقالًا للحكم في سوريا، كما هو الحال في مجمل التصريحات الأوروبية بشأن إعادة إعمار سوريا، أم أنها ستكتفي بحل يضمن الاستقرار دون النظر إلى الجهة التي ستحكم.

تلك العقبات دفعت موسكو إلى استجداء بلدان “رابطة الدول المستقلة”، والتي تضم 12 جمهورية سوفييتية سابقة، للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، لكن تلك الدعوات لم تتبلور على أرض الواقع، على اعتبار أن اقتصاد تلك الدول لا يزال قيد النمو.

من وجهة نظر الصحفي السوري المطّلع على الشأن الروسي، نصر اليوسف، فإن روسيا تعي تمامًا أن إعادة الإعمار مرتبطة بشكل جدلي بمسألة عودة اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى أن اللاجئ السوري في حال استوطن في مجتمعات اللجوء لن يكون هناك حاجة ملحة لإعادة الإعمار، على اعتبار أن الحكومات المستضيفة للاجئين سترفض التعاطي مع ملف إعادة الإعمار بوجود لاجئين سوريين على أراضيها، يبطلون المزاعم الروسية بشأن استقرار الوضع في سوريا.

اليوسف أضاف في حديث لعنب بلدي أن روسيا تسعى منذ زمن طويل إلى تأمين الأموال اللازمة لإعادة إعمار سوريا، لأنها وإيران عاجزتان عن تأمين تلك الأموال، وبالتالي فإن اللعب على وتر عودة اللاجئين يمكن أن يفتح الباب على روسيا لتحقيق مكاسب مادية من جهة، بالإضافة إلى تصفية حسابات أخرى لها علاقة بمشاكلها مع دول العالم، مقابل تخليص المجتمع الدولي من عبء كبير.

وتقدر الأمم المتحدة حاجة سوريا إلى 300 مليار دولار على الأقل لإعادة إعمار البنى التحتية في البلد، فيما يتحدث رئيس النظام السوري، بشار الأسد عن أن “إعادة البنية التحتية يكلف 400 مليار دولار على الأقل، ويلزم لهذا وقت من عشرة إلى 15 عامًا”.

انفوغراف يلخص الخطة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين (عنب بلدي)

“لا ضمانات”.. مصير المطلوبين للنظام على المحك

تتحدث روسيا بموجب خطتها عن عودة 1.7 مليون لاجئ سوري إلى بلدهم في “الوقت القريب”، يتوزعون وفق بيانات الدفاع الروسية على الشكل التالي: نحو 890 ألف لاجئ من لبنان، 300 ألف لاجئ من تركيا، 200 ألف من الدول الأوروبية، 150 ألفًا من الأردن، 100 ألف من العراق، و100 ألف لاجئ من مصر.

لكن مدى استجابة هذا العدد من اللاجئين للخطة الروسية أثار العديد من إشارات الاستفهام، إذ لم تستطع روسيا بموجب النص الأولي لخطتها أن تبدد مخاوف اللاجئين المطلوبين أمنيًا للنظام السوري، أو أولئك الذين خرجوا من البلد خوفًا من انخراطهم في الخدمة الإلزامية.

فرئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي تحدث سابقًا عن المجتمع السوري “المتجانس” بغياب 5.6 مليون من أبناء ذلك المجتمع، أعلن اليوم فتح بابه أمام اللاجئين، مرحبًا بالخطة الروسية طالما أنها ستجبر دول العالم على الحوار معه، بعد قطيعة دبلوماسية دامت لسنوات، وسط التشكيك بمصداقية ذلك الترحيب “الشكلي”.

يقول الصحفي السوري نصر اليوسف إن روسيا قد تحقق نجاحًا نسبيًا في مساعيها لاحتواء أزمة اللجوء، بوجود لاجئين يعانون أوضاعًا معيشية صعبة، ويضيف “هناك لاجئون في الأردن ولبنان يتمنون العودة إلى سوريا حالما تسنح الفرصة المناسبة لهم”.

وأشار إلى أن بعض الدول قد تمارس ضغطًا على اللاجئين للعودة إلى بلدهم، بموجب الرواية الروسية التي تقول إن الوضع في سوريا يتجه نحو الاستقرار.

فيما يرى عضو “منصة القاهرة”، فراس الخالدي، أن اللاجئين الملاحقين أمنيًا من قبل النظام السوري لن يثقوا بالخطة الروسية التي لم تقدم لهم الضمانات الكافية، والتي قد يتحولون بموجبها من لاجئين إنسانيين إلى لاجئين سياسيين.

ويقول، “ليس هناك أي ضمانات دولية لهم أو حتى مشروع إعانات أممي يعينهم على البقاء”، مضيفًا “مع فقدان كل هذه الضمانات ووجود الميليشيات الإيرانية الإرهابية، يبقى الأمر خطرًا ومن الصعب أن يعود إلى سوريا حتى المجبر على ذلك”.

في حين يرى الصحفي المعارض وائل الخالدي أن اللاجئ يتجلى ضمن الخطة الروسية في نوعين، الأول نوع مغلوب على أمره سيضطر إلى العودة لسوريا بسبب سوء الأوضاع المعيشية في بلاد اللجوء، مشيرًا إلى أن روسيا سوف تقدم لهؤلاء اللاجئين ضمانات “وهمية” ستضرب بها الميليشيات الإيرانية عرض الحائط، على حد تعبيره.

أما النوع الثاني فيشمل، من وجهة نظر وائل الخالدي، السوريين خارج إطار دول الجوار، والذين يملكون هامشًا من الاختيار سيسمح لهم بالرفض أو المماطلة، لحصولهم على حق الحماية وليس فقط حق اللجوء.

عودة اللاجئين في القانون الدولي

أخذت القوانين الدولية على عاتقها تنظيم أمور اللاجئين منذ النصف الأول من القرن العشرين، لكن حماية حقوق اللاجئ تبلورت بصورة فعلية عام 1951، حين أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية دولية تناولت النواحي الجوهرية من حياة اللاجئ.

وتعتبر الدول الـ 139 الموقعة على الاتفاقية ملزمة بحماية اللاجئين بموجب نص الاتفاقية، إذ تحتفظ مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بـ “التزام رقابي” على هذه العملية، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين “الصادقين” اللجوء، وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر (المادة 33).

لكن الاتفاقية نفسها لا تفرض على الدول منح اللاجئين حماية تلقائية أو دائمة، وبموجبها قد تزول عن شخص ما صفة اللاجئ عندما يزول الأساس الذي أدى إلى منحه أو منحها وضع اللاجئ، وتعتبر العودة الطوعية إلى الوطن الحل المفضل للأشخاص اللاجئين وذلك عندما تسمح الأحوال السائدة في بلد المنشأ بالعودة الآمنة، وفق نص الاتفاقية.

وعاء روسي يحتوي مساعي لبنان لإعادة اللاجئين

اتخذ لبنان خطوات استباقية نحو إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، معلنًا عن مبادرات انفرد بها عن المنظومة الدولية، بعد أن ضاق ذرعًا بوجود ما يقارب مليون لاجئ سوري على أراضيه، يشكلون ربع سكان البلد الأصليين.

تلك المبادرات تجلت بتنسيق مثير للجدل بين الأمن العام اللبناني والنظام السوري، نتج عنه عودة أربع دفعات من اللاجئين السوريين إلى المناطق “الآمنة” في سوريا.

الدفعة الأولى من اللاجئين عادت في أواخر حزيران الماضي، وعلى متنها 76 لاجئًا، في حين دخلت الثانية بعد أسبوع وضمت 370 لاجئًا سوريًا، تم فرزهم على قرى وبلدات القلمون الغربي ومدينة القصير في ريف حمص.

أما الدفعة الثالثة فحملت عددًا أكبر من اللاجئين، وعددهم ألف، دخلوا ضمن قوافل تابعة للنظام السوري بتاريخ 23 من تموز الحالي، كما عادت الدفعة الرابعة في 28 من نفس الشهر، وعلى متنها ألف لاجئ أيضًا، عادوا إلى منازلهم في منطقة بيت جن غربي دمشق، بواسطة 35 حافلة.

وفي نفس السياق، اتخذ “حزب الله” اللبناني خطوات نحو إعادة اللاجئين من لبنان إلى سوريا، معلنًا عن تخصيصه مراكز وأرقام هواتف للاجئين الراغبين بالعودة، لكن تلك المبادرة لم تلق أصداء إيجابية، على اعتبار أن الحزب نفسه شريك في تهجير الشعب السوري، لمشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري.

المحامية صباح حلاق، قالت لعنب بلدي إن آلية العودة تبدأ بتسجيل الأسماء عند رؤساء البلديات اللبنانية، الذين يرفعون بدورهم تلك الأسماء إلى الأمن العام اللبناني، ثم يرفعها الأمن العام إلى حكومة النظام السوري، من أجل دراسة الأوضاع الأمنية للأشخاص الراغبين بالعودة وإعطائهم الموافقة، حيث يُنقلون بحافلات توفرها حكومة النظام السوري من لبنان إلى سوريا.

وأشارت المحامية في حديث سابق لعنب بلدي إلى أنه بموجب الدراسات الأمنية رفض النظام السوري عودة عائلات عدة إلى منطقة الزبداني بريف دمشق، إذ لا يقبل النظام عودة اللاجئين المطلوبين أمنيًا أو المنشقين عن جيشه أو الذين حملوا السلاح ضده، وأضافت “عمليًا العائدون إلى سوريا هم من كبار السن والنساء والأطفال”.

تلك الإجراءات اللبنانية انعكست جليًا في صلب الخطة الروسية لإعادة اللاجئين، والتي قد تحقق للبنان ما عجز عن تحقيقه على مدى سنوات، وبصورة رسمية تبعد عنه اتهامات “العنصرية” و”تطفيش اللاجئين”.

روسيا تحشد تأييدًا دوليًا.. دول ترحب وأخرى صامتة

منذ اليوم الأول للإعلان عن الخطة الروسية بدأت موسكو بحشد تأييد دولي تحصل بموجبه على مقابل قد لا يعجز المجتمع الدولي عن دفعه، لقاء التخلص من عقدة اللاجئين السوريين الشائكة.

وقدمت الحكومة الروسية خطتها بشأن إعادة اللاجئين إلى سوريا، خلال قمة هلسنكي، في 16 من تموز الحالي، والتي جمعت الرئيسين، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، لتبدأ بعدها موسكو جولة مكوكية طالت الأردن ولبنان وألمانيا وفرنسا، عبر وفود لمسؤولين كبار من الخارجية والدفاع الروسيتين، تحدثت خلالها عن تضافر الجهود مع الدول لإنجاح الخطة وعودة اللاجئين.

كما تحدثت وزارة الدفاع الروسية عن إرسال فرق عمل إلى الأردن ولبنان وتركيا لإجراء دراسة مفصلة لمسائل عودة اللاجئين إلى الأراضي السورية.

واستخدمت موسكو جميع أذرعها الإعلامية لإبلاغ شركائها الرسميين وإقناعهم بالنهج الروسي للشروع الفوري في العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين والمشردين المؤقتين.

واشنطن حذرة

باعتبارها أول من اطلع على الخطة الروسية، رحبت واشنطن بشكل حذر بتلك المساعي الروسية، إذ أثنى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على خطة موسكو بقوله “من المهم للعالم أن يتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة إلى بلادهم في الوقت الصحيح وبآلية طوعية”.

بينما ردت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، على المطالبات الروسية بموقف إيجابي من واشنطن، بقولها، “نحن ندعم عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، على أن تكون العودة آمنة وطوعية وكريمة (…) لا أعتقد أن الوضع يسمح بذلك حاليًا وفقًا لما تقوله المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

لكن وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، خالف التصريحات السابقة للمسؤولين الأمريكيين، بقوله إنه لن يكون هناك تعاون بين الجيش الأمريكي والقوات الروسية في سوريا في الوقت الراهن، سواء على الصعيد العسكري أو على صعيد اللاجئين.

لبنان أول المرحبين

رحبت الحكومة اللبنانية بشكل رسمي بالخطة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، عبر بيان صادر عن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.

وقال الحريري في بيانه، إنه طلب من مستشاره للشؤون الروسية، جورج شعبان، التواصل مع المسؤولين الروس، للوقوف على تفاصيل الاقتراحات التي أعلنتها موسكو.

وبحسب البيان اللبناني، فإن شعبان التقى، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، واطلع منه على تفاصيل المقترحات بشأن “تنظيم عودة اللاجئين إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل الحرب”.

وكان الحريري رفض مرارًا المبادرات اللبنانية التي رعاها كل من “حزب الله” ووزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، لعودة اللاجئين السوريين، لكن موقفه تغير إلى ترحيب واسع مع انطلاق المبادرة الروسية.

ومن المقرر أن يتواصل التعاون الحكومي اللبناني مع روسيا بشأن ملف اللاجئين السوريين في لبنان، والبالغ عددهم مليون لاجئ تعاني الحكومة اللبنانية من “أعباء اقتصادية” ناجمة عنهم.

الأردن يتنفس الصعداء

بدوره، أبدى الأردن ترحيبه بالخطة الروسية مشترطًا أن تكون العودة “ضمن الضوابط الأممية”، إذ قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن “مسألة عودة اللاجئين مسألة طوعية، ونحن لن نجبر أحدًا على العودة”.

وأضاف الوزير الأردني أن الأردن يحترم الالتزامات القانونية وحقوق الإنسان، منوهًا إلى أنه يبحث مع شركائه لإيجاد بيئة تسمح بالعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم.

ويستضيف الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة، بينما تقدر الحكومة الأردنية عدد الذين لجؤوا إلى البلاد بنحو 1.3 مليون منذ عام 2011.

ودائمًا ما كان الأردن يناشد المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية، لكن أكبر ضغط تعرض له البلد المجاور لسوريا هو موجات النزوح من محافظة درعا، الشهر الماضي، بسبب العمليات العسكرية، وحينها أعلن أنه لم يعد قادرًا على استيعاب المزيد من اللاجئين.

مصر تسجل موقفًا

رغم أنها الأقل تضررًا من أزمة اللاجئين السوريين، أبدت مصر رغبتها في الانضمام إلى الخطة الروسية بشأن إعادة السوريين إلى بلدهم.

الترحيب المصري جاء على لسان رئيس المركز الوطني لإدارة شؤون الدفاع في روسيا، ميخائيل ميزينتسيف، الذي قال إن مصر اقترحت الانضمام إلى العملية الإنسانية لإعادة اللاجئين السوريين، لكن لم يصدر بعد أي تصريح رسمي من الحكومة المصرية.

ويقدر عدد السوريين في مصر بنحو 230 ألف شخص، معظمهم يعيشون على نفقتهم الخاصة، ويفتتحون مشاريع عادت على الاقتصاد المصري بالنفع، وفق تصريحات رسمية من الحكومة المصرية.

أما تركيا التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وعددهم 3.5 مليون لاجئ، فانضمت إلى الدول التي التزمت الصمت حيال الخطة الروسية، إذ ترصد أنقرة تداعيات تلك المساعي بترقب، فيما يجري الحديث عن أن تلك الخطة ستكون محور التعاون الروسي- التركي في الملف السوري.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (DPA)

ضغوط أم ضمانات؟

استجابة أممية سريعة للخطة الروسية

خلق التسارع الروسي في محاولة إنهاء ملفات عدة لصالح النظام في سوريا، تسارعًا أمميًا ودوليًا أيضًا في الاستجابة لهذه التحركات، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على قضية اللاجئين، والتحركات الروسية الرامية إلى الاستحواذ على الملف بإعادة اللاجئين السوريين.

وكانت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أطلقت أول دعم للخطة الروسية، إذ أعلنت في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي يوم الجمعة 20 من تموز، استعدادها للمشاركة في مناقشات مع النظام السوري وروسيا فيما يخص قضية إعادة اللاجئين.

وجاءت استجابة المفوضية بعد يومين من إعلان وزارة الدفاع الروسية إنشاء مراكز إيواء واستقبال وتوزيع اللاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا، بالتعاون مع حكومة النظام السوري.

واشترطت المفوضية التزام “المعايير الدولية” في أثناء تطبيق الخطة الروسية- السورية، مؤكدة على عدم تعرض اللاجئين السوريين للضغط بشأن العودة، قبل توفر الظروف “الآمنة” و”الحياة الكريمة”.

ماذا تغيّر؟

ترك رد الفعل “الإيجابي” الذي أبدته المفوضية تساؤلات عدّة حول سبب هذا الاندفاع باتجاه تسهيل الخطة الروسية والإسهام في تنفيذها، خاصّة كون المفوضية كانت قد أبدت في السابق تحفظًا حول إعادة اللاجئين السوريين من لبنان.

وكانت لبنان اتخذت إجراءات عدة مؤخرًا في إطار “تسهيل” عودة السوريين إلى “المناطق الآمنة”، وفق رواية النظام الرسمية، في إشارة إلى المناطق التي سيطر عليها منذ بداية العام الحالي.

وقابلت تلك الإجراءات أخرى “مضادة” من مفوضية اللاجئين، من خلال استبيانات توجهت بها للسوريين في لبنان، حملت إشارات توعوية حول خطورة العودة إلى سوريا.

لكن بعد الإعلان الروسي، تحول موقف المفوضية بشكل جذري، الأمر الذي أرجعه مدير البرنامج السوري للتطوير القانوني، إبراهيم علبي، إلى “ضغوطات محتملة” على المنظمة الأممية.

وأشار علبي في لقاء مع عنب بلدي، إلى إمكانية وجود “لوبيات ضغط” على الأمم المتحدة في سبيل دعم المخطط الروسي، لكنه أكّد أنه ليس هناك ما يجبر الأمم المتحدة على خرق قوانينها، خاصة في حال لم تكن هذه العودة طوعية.

موظفون تابعون لمفوضية اللاجئين الأممية (UNHCR)

واجب التحرك

يحظر القانون الدولي على أي منظمة أممية أو دولة أن تعيد اللاجئين قسرًا في أي مكان في العالم إلى بلدهم الأصلي في حال وجود أي نوع من أنواع الخطر عليهم.

ووفق إبراهيم علبي فإن الأمم المتحدة وروسيا تكونان قد ارتكبتا “جريمة” من الناحية القانونية في حال أجبرتا لاجئين على العودة إلى مكان غير آمن، مضيفًا “في حال كانت العودة طوعية فهذا أمر عادي وغير إشكالي، ومن الطبيعي أن تساعد الأمم المتحدة على تنفيذها”.

ومن المفترض أن أي مساعدة ستقوم بها مفوضية اللاجئين ستقتصر على الأمور اللوجستية، وما عدا ذلك فإنها لا تستطيع أن تقدم سوى “توصيات ومقترحات وتلتزم عدم العمل في أمور خارج نطاق عملها”، بحسب علبي.

لكن الإشكالية تبقى حول مفهوم “الآمن” بالمنظور السوري، إذ لا تقتصر مخاوف قسم كبير من السوريين على “القصف والدمار” بل تتعدى ذلك إلى الملاحقات الأمنية والأعمال الانتقامية، وهو، وفق ما أشار علبي، يستدعي التحرك لإثبات عدم سلامة العودة لقسم كبير من السوريين.

بين “نفوذ روسيا” و”ثقة اللاجئين”..

كيف ينظر الشارع إلى نجاح الخطة الروسية؟

لا شك أن نجاح المساعي الروسية في إعادة اللاجئين إلى سوريا مرهون بمدى التجاوب الدولي مع الخطة الروسية والفاتورة التي ستحصل عليها موسكو لقاء ذلك، لكن للشارع السوري رأيًا آخر، حين ربط نجاح الخطة بمدى ثقة اللاجئين السوريين بالضامن الروسي، خاصة أن موسكو لم تقدم بعد ضمانات لعودة اللاجئين.

عنب بلدي أجرت استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني، لمعرفة رأي الشارع فيما إذا كانت روسيا ستنجح في مساعيها أم لا، وجاءت صيغة السؤال على الشكل التالي: “برأيك، هل تنجح روسيا في مساعيها لإعادة اللاجئين السوريين؟”.

52% من المشاركين، وعددهم 1800، رأوا أن روسيا لن تحقق مآربها في إعادة اللاجئين إلى سوريا، على اعتبار أن الأمر “ليس بيدها”، وأن السوريين لن يستجيبوا للضامن الروسي، الذي شارك النظام السوري في جرائمه ضد شعبه.

في حين رأى 30% منهم أن روسيا التي هيمنت على الملفين السياسي والعسكري في سوريا قادرة على فرض نفوذها في قضية اللاجئين السوريين وحل تلك المعضلة التي شغلت العالم، إذ قال سامر سامر، أحد المشاركين في الاستطلاع، إن روسيا ستنجح في إدارة ملف العودة، وكتب “على مقياس ما عملت بالسنين الماضية، ومع التواطؤ العالمي، للأسف بتقدر”، فيما قال هارون هاروه، “نعم كل شيء بيدها”.

أما 18% من المستطلعة آراؤهم لم يستطيعوا أن يحددوا موقفهم بعد حيال الخطة الروسية، على اعتبارها غير واضحة المعالم حتى الآن، وعلى اعتبار أن المشهد السوري متقلب وفق مصالح الدول الكبرى، إذ اختارت تلك الشريحة الإجابة بـ “لا أعرف”.

 

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق