خطيب بدلة
متحسرًا، أنهى العم “أبو نعمان” حكايته المتعلقة بفساد أخلاق ولده نعمان، فلكزه صديقه “أبو محمد” في خاصرته، كناية عن شدة المَوانة بينهما، وطلب منه أن يبوس يده ويضعها على رأسه، لأن ابنه ما زال يطلع ويدخل، ويسافر ويعود، على عكس ابنه “محمد” المبتلى بالسهر إلى وقت جهجهة الضوء، من دون أن ينجز خلال هذا السهر الطويل شيئًا قيمتُه فرنك سوري واحد، ثم ينام مثل القتيل، ولا يفيق حتى يكون اللي ضرب ضرب، واللي هرب هرب.
نط “أبو قدور” من مكانه وقال لهم ما معناه إنهم إذا “مَشَّطوا البلد تمشيط”، بالطول والعرض، فلن يعثروا على بلوى تشبه بلواه بابنه الأصغر “نداف” الذي يسير في الأزقة بشكل عرضاني، مثل الجحش الداشر، ولا هَمَّ له غير العدوان على الناس، وهو، أي أبو قدور، يكون جالسًا في بيته بأمان الرحمن، فيسمع طرقًا قويًا على الباب، يفتحه فيجد أحد أبناء أخيه قد جاءه لاهثًا ليعلمه أن نداف قد “زاور” أحد مجايليه، وضرب شابًا آخرَ بالسكين الكندرجية، وتركه يتخبط بدمه وهرب، بينما هُرع الناس إلى المصاب وحملوه إلى المستشفى.. ويضيف قائلًا:
– يا عمي أبو قدور أنت وحظك.. فإما أن يموت الفتى المغدور ويدخل ابنك نداف السجن لمدة 15 سنة، أو أن يبقى حيًا ويكتفي القاضي بسجنه ثلاث سنين!
قال أبو إبراهيم: ولكن حظ ولدك نداف اعتدل في الآونة الأخيرة يا أخي أبو قدور. كأنك لا تعرف؟
دهش أبو قدور وقال: حظ ابني نداف اعتدل؟ كيف يعتدل حظه وهو لا يزال موقوفًا في فرع الأمن الجنائي؟
قال أبو إبراهيم: نعم، هو لا يزال موقوفًا في فرع الأمن الجنائي. ولكن، إذا أنت ما عندك مانع أنا سأقول الشيء الذي عندي.
قال أبو قدور: طبعًا ما عندي مانع، تفضل.
قال أبو إبراهيم: يا شباب، سيأتي يوم نموت فيه، وننزل في القبر، ويهيل المشيعون فوقنا التراب، ثم نُحاسَب أمام الله تعالى على أفعالنا وأقوالنا.. ولأنني رجل أخاف الله، وأرتجي عفوه، سأحكي لكم ما سمعته من الناس عن السيد نداف دونما زيادة أو نقصان. يا شباب، أنا سمعت أن رئيس فرع الأمن العسكري كان يبحث عن إنسان وسخ، حقير، واطي، كلب، لا يحلل ولا يحرم، وأن يكون أحبَّ شيء إلى نفسه هو إلحاقُ الأذى بالناس.. فاتصل برئيس فرع الأمن الجنائي طالبًا منه التنقيب في ملفات الموقوفين الجنائيين الوسخين الذين مروا على هذا الفرع، وأن يدله على أكثرهم وساخة، فأعطاه اسم المحروس نداف ابن صديقنا أبو قدور! وقال له:
– على كفالتي يا سيادة العميد، والله إذا بتدور البلاد زنكه زنكه ودار دار، ما بتلاقي أوسخ ولا أتفه ولا أحقر من نداف!
فضحك رئيس الأمن العسكري وقال له:
– الله يكتر الوسخين يا صديقي. فهم يلزمون لنا كثيرًا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ قطرنا العربي السوري الذي يتعرض للمؤامرات الإمبريالية الصهيونية الرجعية وأذناب الاستعمار.