عنب بلدي – العدد 149 – الأحد 28/12/2014
آمنة رياض – بيروت
تأبى أم عماد ( 50 عامًا) النازحة من مدينة داريا إلى أحد مخيمات اللجوء في لبنان أن تستسلم لظروف النزوح المفروضة عليها، وتعمل جاهدة باستمرار على تجميل ظروفها قدر المستطاع، فحولت خيمتها الصغيرة التي لا تكاد تبلغ مساحتها 25 مترًا مربعًا إلى شقة سكنية مؤلفة من غرفتين ومطبخ وحمام صغيرين جدًا.
وزينت أم عماد الخيمة ببعض اللوحات التي حملتها من بيتها، ثم أضافت بعض اللمسات الأنثوية لتبعث الحياة من جديد في أرواح أولادها المتعبين من مشقة النزوح، محولة اللون إلى الخمري بواسطة بعض الأقمشة التي وضعتها على حيطان الخيمة الخشبية، لتصبح عازلًا ودهانًا من نوعٍ آخر.
تقول أم عماد «منذ قدومي إلى لبنان حاولت جاهدة أن أُخرج نفسي وأبنائي من وحشة اللجوء وأن أنقل تلك اللمسات التي كنت أضعها في منزلي إلى هذه الخيمة الخشبية المتواضعة»، لذا زينت الخيمة بالمصابيح الملونة وجمعت بعض الأخشاب لتصنع منها خزانة ومكتبة صغيرة، وتضيف مبتسمةً «بلمساتي تلك حولت خيمتي إلى شقة سكنية تشبه تلك الشقق التي تزيد أجرتها عن 300 دولار خارج المخيم».
أبو محمد، نازح من منطقة جربا في الغوطة الشرقية لدمشق إلى أحد مخيمات البقاع الغربي في لبنان، دفعه سوء تغطية خيمته الخشبية واهتراء الشادر الذي لم يحمها من مياه المطر وهو ما سمح للرطوبة أن تأكل أخشابها، إلى تجميع بعض النقود ليشتري بها عازلًا للسقف، بعد أن قسمها إلى شقة سكنية تشبه شقة أم عماد.
تحدثنا بشرى حفيدة أبي محمد قائلةً «أحب أن أراقب جدي وهو يعمل منذ 8 أشهر على الخيمة، حيث صنع كل شيء: الخزانة، مكان وضع الأدوية، الرفوف الخشبية في المطبخ، الممر الصغير بين الغرف، الورق الذي زين به الجدران، تلك النافذة الصغيرة في أعلى الخيمة، والحمام الصغير الذي يحلم معظم أهالي المخيم بامتلاكه في خيمهم».
يرى أبو محمد أن على جميع النازحين دون استثناء تخطي العقبات التي تعترض حياتهم، وأن عليهم أن يجعلوا من تلك الخيم الضعيفة الهشة بيوتًا تنبض بالحياة شبيهة بالمنازل التي طردوا منها مجبرين بسبب ظروف الحرب والدمار.
تشاركه الرأي عفاف ( 25 عامًا )، النازحة من مدينة داريا أيضًا إلى المخيم ذاته، وتضيف أنها لم تجد وسيلة لتقنع أبناءها الصغار أن هذه الخيمة هي منزلهم الجديد الجميل، سوى أن تضع تلك البطانيات المزخرفة، التي حصلت عليها كمساعدات للاجئين، على الجدران الخشبية لتبدأ جاراتها بتقليدها «لتصبح تلك البطانيات مظهرًا من مظاهر الدفء والجمال».
كثيرون من أمثال أبي محمد وأم عماد يحاولون النظر إلى الجانب الإيجابي على الرغم من قساوة الظروف وشظف العيش في مخيمات اللاجئين، التي أنهكتها مياه الأمطار وسوء الأوضاع الإنسانية والصحية، فكيف إن عادوا إلى بيوتهم المهجورة والمهدمة؟