شهادة معتقلة في سجون النظام السوري تنشر بالتزامن بين مجموعة من وسائل الإعلام السورية على جزئين
«الهَتك» مريم .. «شاهدة ملكة» في محكمة جنايات دولية – 1
سوريتنا – عامر محمد
الخميس، الثاني عشر من كانون الثاني عام 2012، اعتقلت مريم (اسم مستعار) أثناء مرورها في سوق شعبي يدعى «سوق المناطي» في حي جوبر بدمشق، واقتيدت إلى فرع المخابرات الجوية في منطقة المزة حيث بقيت هناك لأربعة أشهر، عذبت واغتصبت، وحملت بجنين نتيجة الاغتصاب وفقدته نتيجة التعذيب الوحشي، قبل أن يطلق سراحها بعد أن أجبرت على الاعتراف بقتل ضابط. مرت أشهر بعد ذلك، لتعتقل مريم للمرة الثانية، وتمضي في الاعتقال الثاني أكثر من عام وثمانية أشهر، من جديد عذبت وأوذيت واغتصبت، قبل أن يطلق سراحها وهي تحمل في أحشائها جنينًا لا تعرف من أباه ولا ما تصنع به، وضعت مريم طفلها في مشفى ميداني في النبك بريف دمشق وأسمته محمد، بعد حوالي العام على إطلاق سراحها، تروي مريم لـ «سوريتنا» للمرة الأولى تفاصيل أكثر من عامين أمضتها في المخابرات الجوية، ومريم ليست الوحيدة.
- الاعتقال الأول «من جوبر إلى العدوي»
اقتيدت مريم إلى فرع المخابرات الجوية في منطقة المزة، وبدأ التحقيق معها بعرض صور لرجال ونساء من ذات الحي الذي تسكنه، وتقول إنها كانت تعرف البعض من تلك الوجوه، لكنها أنكرت تلك المعرفة، فبدأ تعذيبها وضربها، تستمر جلسة التعذيب، من نصف ساعة حتى ساعتين، تتعرض فيها المعتقلة لشتى أنواع الضرب والتعذيب، وقالت إنها كانت تقسم بالمقدسات الدينية الإسلامية بأنها لا تملك أي معلومات، لكن ذلك كان يجعل المحققين يعذبونها أكثر.
تقول مريم إنها وصلت إلى مرحلة من الإجهاد نتيجة التعذيب أصبحت فيها ترجو المحققين والعناصر كي يتوقفوا عن تعذيبها وتشير «كنت أرجوهم باسم الله ونبيه، فكان ضربي يزداد إثر ذلك، ثم حاولت أن أرجوهم باسم الإمام علي، إلا أن ذلك لم يوقف تعذيبي بل زاد منه»، إذ كانوا يظنون أنها تسخر من معتقداتهم، رغم أن عددًا منهم لا ينتمي إلى الطائفة العلوية، وتقول إن بينهم لبنانيون عرفتهم من لهجاتهم.
وبعد أسبوع من التعذيب المتواصل، الذي كان من ضمنه الحرق والتعرية والإهانة، شتمت مريم بشار الأسد أمام المحقق، راجية من ذلك التصرف الموت «دعوت الله أن يصيب بشار الأسد بالمرض والموت بوجه المحقق مباشرة كي يقتلني، قلت (الله يشلو ويزلو لبشار الأسد متل ما زلنا) كنت أعلم أن جملة مماثلة لها جواب واحد بالنسبة لهم وهو قتلي، فاقتادوني إلى زنزانة منفردة، وجردت من ملابسي بشكل كامل، في درجة حرارة منخفضة جدًا، ربطت قدماي وعلقت من السقف بشكل مقلوب وتعرضت خلال هذه الفترة لحرقٍ بأعقاب السجائر واعتداء جنسي، فضلًا عن الضرب المتواصل». بقيت مريم في المنفردة لمدة 48 ساعة وتصف المكان الذي احتجزت فيه بالمخيف.
لم يكن ما ترويه مريم في تفاصيله مفاجئًا جدًا لآية مهنا، المعالجة النفسية والمختصة في علم النفس العيادي، والتي اطلعت على قصة مريم، مهنا قالت في إجابتها على سؤال سوريتنا حول مدى تقاطع المعلومات التي أدلت بها مريم مع معلومات سمعتها من معتقلين سوريين آخرين، إن هناك ما يقارب من 60 ٪ من معلومات مريم تتقاطع تمامًا مع ما أدلى به معتقلون سابقون في فروع أمنية سورية أخرى، فطريقة التعذيب وتفاصيله هو أكبر قاسم مشترك بين قصة مريم وقصص أخرى رواها معتقلون سابقون بينهم رجال.
وتصفُ مريم آلية عمليات الاغتصاب بالتالي «يتم النداء على اسم المعتقلة وتُقاد إلى غرفة أخرى وتغتصب فيها، كانت عمليات الاغتصاب مستمرة طوال فترة اعتقالي لمدة أربعة أشهر، وتكون مترافقة مع إهانات وإذلال شديدين، هدف المُغتصبين هو إذلال المعتقلة وليس المتعة الجنسية». تقول الشاهدة إنها تعرضت للاغتصاب بمعدل مرة واحدة في اليوم، واستمر ذلك حتى ما قبل إطلاق سراحها، فيما حملت بجنين في المعتقل وفقدته نتيجة الضرب المستمر، وتذكرُ أن أخريات حملن بأجنة نتيجة ذلك، وأجهضن نتيجة الضرب أيضًا على الصدر والظهر والبطن، فيما لا تستطيع أن تؤكد ما إذا كان المحققون والعناصر يقصدون ضربهن بغرض إجهاض الأجنة أم لا.
تعرضت مريم لاغتصاب خلفي وأمامي، وزاد من حدة وتكرار اغتصابها الحادثة التي شتمت فيها بشار الأسد، وتقول إنها شاهدت وجوه بعض عناصر الفرع المُغتصبين، فيما أخفى آخرون وجوههم، هؤلاء كانوا يختارون المعتقلات لاغتصابهن وفق جدول عبثي، فيما سجل الاغتصاب بحق نساء وفتيات من عمر السابعة عشرة وحتى الخمسين عامًا، قام به ضباط وعناصر على حد سواء.
يستعمل الاغتصاب بشكل ممنهج كسلاح في المعتقلات السورية، كما يؤكد عبد الكريم ريحاوي، رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، حيث يقول إن ما تدلي به مريم يتقاطع بشكل كامل مع عشرات الشهادات الأخرى، وإن الهدف من عمليات الاعتداء الجنسي ليس انتزاع معلومات من المعتقلين، بقدر ما هو محاولات لإذلالهم، ويشير ريحاوي إلى أن مجلس الأمن أصدر قرارًا بملاحقة جناة عمليات الاعتداء الجنسي في المحاكم الدولية وحتى في محاكم سوريا القادمة، مشيرًا إلى أن السلطات السورية تستخدم الاغتصاب كسلاح دائم.
يبلغ عدد المعتقلات اللواتي كن مع مريم في المخابرات الجوية في اعتقالها الأول أكثر من 150 معتقلة، تتراوح أعمارهن بين 17 و 60 عامًا، وتذكر أنها شاهدت أطفالًا معتقلين منهم دون الثانية عشرة، تعرضوا للضرب كذلك من قبل المحققين، لكنها تصفه بالعذاب الأقل، وكانت شاهدة على حالات قتلت فيها المعتقلات من شدة التعذيب والاغتصاب ولا تعلم ماذا فُعل بجثثهن.
يئست مريم من إطلاق سراحها من فرع الجوية، ووصلت لحالة سيئة نفسيًا وجسديًا، وتصف فترة الاعتقال الأولى بأنها قرّبتها من الموت مرارًا وكانت تنتظر حدوثه، فيما تصف اغتصابها بأنه كان متكررًا بشكل يفوق اغتصاب أخريات.
وجه المحققون لمريم تهمة قتل ضابط في الجيش السوري (أيمن جوابرة) خلال اشتباك مسلح في حي جوبر، وتهمة تقديم الذخيرة والسلاح للجيش الحر، ووقعت على التهم وأطلق سراحها في حي العدوي بدمشق مع أربع عشرة معتقلة في وقت متأخر من الليل.
بعد إطلاق سراحها من المخابرات الجوية، توجهت مريم إلى حي جوبر وبقيت هناك لفترة قصيرة، قبل أن يقضي معظم أفراد عائلتها نتيجة قصفٍ -من قبل القوات النظامية- ببرميل متفجر، البرميل دمر ستة أبنية بشكل كامل، فنجت هي مع شقيقها من عملية القصف الذي تم في وقت كانت فيه خارج المنزل، فانتقلت إلى منطقة بين عربين وجوبر، حيث عملت في مهنتها السابقة «التمريض» مع مصابين مدنيين وعسكريين من الجيش الحر، واعتقلت هناك للمرة الثانية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :