عنب بلدي – العدد 149 – الأحد 28/12/2014
أسماء رشدي
تقول م. ش، إحدى اللاجئات السوريات في لبنان، إن الضغوط الاجتماعية التي تواجهها بحكم العادات والتقاليد وكلام الناس، ومحاولة التدخل بطريقة حياتها، وفرض آراء الناس -بحسن نية من وجهة نظرهم-، إضافة إلى بقية ضغوطات الحياة الأخرى المهنية والدراسية والاقتصادية؛ ينتج عنها قلة قدرتها على التركيز وألم في الرأس والرجلين والبطن، دون أن يكون هناك أي سبب عضوي للألم، كما تلجأ للنوم بشكل متزايد؛ كل هذه ما هي إلا علامات على الضغط النفسي الذي تعيشه بشكل يومي.
الضغط النفسي هو رد فعل جسدي طبيعي للأحداث التي تجعلك تشعر بالتهديد أو الإحباط، وهذه الاستجابة للضغط هي طريقة الجسد لحمايتك، وعندما تعمل الاستجابة بالشكل الصحيح فإنها تساعدك على أن تبقى مركزًا ومتأهبًا وقادرًا على مواجهة التحديات؛ مثلًا قد يدفعك الضغط إلى الدراسة للامتحان بدلًا من إضاعة وقتك بمشاهدة التلفاز.
والضغط أمر لا مفر منه في الحياة، وقد يساعد في نمو الإنسان من خلال المواقف والظروف الصعبة وغير المألوفة التي يتعرض لها، تبعًا لكيفية تصرفه حينها. ولكن في بعض الأحيان قد يتوقف الضغط عن كونه عاملًا مساعدًا وذلك عندما يكون مفرطًا وعند غياب القدرة على مواجهته، فإنه قد يسبب بعض الأضرار على المستوى الصحي والمزاجي والإنتاجي والاجتماعي.
قد تنشأ الضغوط من داخل الشخص نفسه بسبب القلق المزمن، التشاؤم، النزوع إلى الكمال، وضع توقعات غير واقعية، الافتقار إلى المرونة، والشخصية السلبية، أو قد تتكون الضغوط من المحيط الخارجي كالعمل، الطلاق، موت شخص عزيز، التعرض لموقف صادم مفاجئ، الأطفال والعائلة.
مثلًا، هناك نسبة كبيرة من الأشخاص لا يحبون عملهم إذ أجبرتهم الظروف على ذلك، وربما بسبب العائد المادي الضعيف غير المكافئ لساعات العمل الطويلة، أو العمل في غير مجال التخصص، أو المعاملة غير اللبقة من المدير، أو توتر العلاقات المهنية بين الزملاء.
كما أن الخلافات والمشاحنات المستمرة بين الشريكين، وعدم التوافق الزواجي لاختلافات عمرية أو ثقافية، أو شخصية، تدخّل أهل الزوج أو أهل الزوجة في الحياة الزوجية، أو الالتزامات المادية، كلها ما هي إلا نماذج للضغوطات النفسية الحياتية.
إن الاستجابة للضغوط تترك تأثيرًا على العقل والجسد والسلوك في نواح كثيرة، فجميع الأشخاص يمرون بتجربة التوتر والإجهاد إلا أن ردة فعل كل شخص للمواقف الضاغطة التي يمر بها تختلف من شخص إلى آخر.
تشير بعض الدراسات إلى أنه هناك 3 طرق عامة يميل معظم الأشخاص لاتخاذها عند معاناتهم من الضغوط النفسية: فالبعض يقاوم الضغط النفسي من خلال الغضب والانفعال الشديد، والبعض الآخر ينسحب ويصاب بالإحباط والاكتئاب، بينما البعض الآخر قد يصاب بالتوتر والتجمد ويصبح غير قادر على القيام بأي شيء تحت وطأة الضغط.
تشكل بعض العوامل الضاغطة عبئًا على أنماط معينة من الشخصيات، في حين تستطيع أنماط أخرى تحملها وتصريفها بالشكل الذي لا يترك أثرًا لدى الفرد، وذلك يرجع إلى المكونات البيولوجية في قدرة التحمل وقوة أجهزة الفرد البدنية، إضافة إلى طريقة تربية وتنشئة وتدريب الشخص منذ صغره على كيفية مواجهة مشاكله، والنماذج التي شاهدها خلال أحداث الحياة اليومية.
ومن المسلّم به أننا لن نستطيع أن نمنع حدوث الأزمات لأنها جزء طبيعي من الحياة، لكن بإمكاننا أن نأخذ منها أفضل ما فيها ونضيفه إلى شخصياتنا وذلك من خلال التعامل الصحيح معها؛ لذا سنتكلم في العدد القادم عن مهارات إدارة الأزمات الضاغطة.