الأمن لإسرائيل والتحجيم لإيران.. انسحاب أمريكي محتمل يسلم مفاتيح سوريا لموسكو

  • 2018/07/22
  • 3:59 م

الرئيسان الأمريكي والروسي خلال قمة هلسنكي، الاثنين 16تموز 2018 (رويترز)

ضياء عودة | مراد عبد الجليل | نور عبد النور

سبعة أشهر مرت على إنتاج ملف صحفي نشرته عنب بلدي وتحدثت فيه عن عودة الولايات الأمريكية إلى المشهد السوري بزخم، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي قال فيها إن “علاقات بلادنا بروسيا تمر بأسوأ حالاتها”، لينقلب المشهد رأسًا على عقب وتتحول التهديدات إلى تقارب و”علاقة حميمية” بعد القمة التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأعطت صورة لمرحلة جديدة تقبل عليها العلاقات بين الطرفين، لتكون سوريا مسرحًا تترجم عليه النتائج.

جاءت القمة في فترة زمنية تخللتها تطورات كبيرة من الجانب الأمريكي، الذي اختلفت مواقفه بشكل جذري عن السنوات الماضية، وتحولت الاستراتيجية التي تبناها بخصوص الملف السوري منذ السنوات الأولى للثورة إلى انسحاب تدريجي من عدة مناطق في سوريا، بينها محافظة درعا والمناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في منبج والمنطقة الشرقية.

وحتى اليوم تتصدر القمة التي عقدت بين ترامب وبوتين المشهد العالمي، كونها حدثًا بارزًا بين “قطبين دوليين”، تدهورت العلاقات بينهما في السنوات الماضية إثر عدة خلافات، بينها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، وما تبعه من اتهامات وجهت إلى موسكو بشأن التدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.

وتتجه الأنظار حاليًا إلى النتائج التي ستخرج منها على الصعيد الدولي من جهة، والصعيد العربي من جهة أخرى، ويتصدر الملف السوري قائمة التطورات الإقليمية في المنطقة، والذي وصل إلى مرحلة “حاسمة” بعد سنوات من النزاع المسلح بين النظام السوري والمعارضة.

 

منبج ودرع وشرق الفرات

انسحاب أمريكي “مفاجئ” من ثلاثة ملفات

منذ مطلع العام الحالي لم تكن السياسة التي تتبعها أمريكا في سوريا واضحة، بل وسمت استراتيجيتها بالغامضة والمبهمة، ولا سيما فيما يخص المناطق التي تسيطر عليها القوى المحلية التي تدعمها كـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وفصائل “الجيش الحر”.

وربما اتضحت قليلًا في شهر حزيران الماضي، بعد الخارطة التي توصلت لها أمريكا مع تركيا في مدينة منبج، والتي قضت بانسحاب “وحدات حماية الشعب” (الكردية) بشكل كامل من المدينة، على أن يتم تسيير دوريات مشتركة فيها ريثما يتم تشكيل مجلس محلي لإدارة الحياة المدنية والخدمية، الأمر الذي اعتبر انسحابًا مفاجئًا لأبرز القوى التي تدعمها في سوريا.

أعطت خارطة الطريق فكرة كاملة عن تذبذب أمريكي، واتضحت الصورة بأن واشنطن لا يمكن الوثوق بسياستها، وما أكد على ذلك الموقف الذي اتخذته بخصوص مدينة عفرين بعد اعتبارها أن معركة الجيش التركي لا يمكن توقفها لحماية “الأمن القومي”.

لم يقف الأمر عند منبج، فمحافظة درعا كانت عنوان “الخذلان الأكبر” من قبل أمريكا بعد رفع يدها عن فصائل “الجيش الحر”، بالتزامن مع العملية العسكرية التي أطلقتها قوات الأسد بدعم روسي.

واختُصر الانسحاب برسالة وجهت للفصائل العسكرية في درعا جاء فيها، “نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ولا نزال ننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا”.

وأوضحت أمريكا موقفها، “نفهم أنكم يجب اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا”، مضيفة “يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم ومصالح أهاليكم، وهذا التقدير وهذا القرار في يدكم فحسب”.

لم تُكشف أسباب الانسحاب الأمريكي من ملف الجنوب، وبينما ربطه محللون سياسيون بقبول روسيا إبعاد الوجود الإيراني من سوريا، عزاه آخرون إلى تقاطع مصالح بين الروس والأمريكيين في مناطق أخرى، لكن ذلك لم يغير فكرة انسحاب أمريكا، خاصة أنها طرف ضامن لاتفاقية “تخفيف التوتر” التي انضمت إليها درعا، في تموز من العام الماضي.

وبالانتقال إلى البقعة الأبرز التي تدعمها أمريكا في سوريا، وهي المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة “قسد”، لم تكن أيضًا بمأمن من السياسية المتقلبة لأمريكا، فقد وجهت واشنطن رسالة مطلع تموز الحالي للتحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” جاء فيها، “على أعضاء التحالف المشاركة في حمل العبء عسكريًا وماليًا شمال شرقي سوريا”، أي توفير نحو 300 مليون دولار أمريكي، ونشر وحدات من القوات الخاصة لملء الفراغ لدى الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية.

وبحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر غربية فإن ترامب بصدد اتخاذ قرار في بداية تشرين الثاني المقبل، يعلن فيه الانسحاب التدريجي من شمال شرقي سوريا ضمن مدة قد تستمر ثمانية أشهر.

وقالت الصحيفة إن وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) بدأت بدراسات لتعريف الانسحاب العسكري، بحيث يتضمن تقليص الوجود الأمريكي، وزيادة وجود الحلفاء، مع احتمال بقاء رمزي لقوات جوية لتشجيع دول أخرى على البقاء في الأرض.

التغيرات السابقة دفعت “قسد” إلى فتح قنوات تواصل مع النظام السوري، كخطوة استباقية للانسحاب، والذي سيفتح المجال أمام الأتراك للبدء بعملية لاستعادة الحدود الجنوبية، التي تسيطر عليها القوات الكردية بشكل كامل.

وفي أثناء المؤتمر التأسيسي الثالث لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذي انتهى في 16 من تموز الحالي، تم التوافق على البدء بالحوار مع النظام السوري، على أن تفتح مكاتب لها في العاصمة دمشق ومحافظة اللاذقية وحمص وحماة.

أمريكا “تتنازل”.. النظام يتقدّم

التطورات السابقة فتحت باب التساؤلات عن السبب الذي أوصل واشنطن إلى هذه المرحلة الحساسة بالملف السوري، الذي اقترب من نهاية العمليات العسكرية، بانتظار الخريطة السياسية التي سيرسو عليها بعد ثماني سنوات من النزاع المسلح بين النظام السوري والمعارضة.

العهدة لروسيا

يرى مدير مركز العدالة والمساءلة في واشنطن، محمد العبد الله، أن سياسة الولايات المتحدة تتجه بشكل متنامٍ للتنازل عن النفوذ في سوريا وقبول الرواية الروسية- السورية بأن النزاع في مراحله النهائية وفي طريقه إلى الوضع القائم ما قبل النزاع.

ويقول العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، إن الرئيس ترامب قوض الجهود السابقة التي بذلتها الولايات المتحدة لتأييد بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

والتزمت أمريكا في الأشهر الماضية بفكرة أنها لن تسمح لروسيا بالانفراد في الحل وأنه لا حل سياسي دون الموافقة الأمريكية، وأشارت في وقت سابق إلى أنها تعمل على إفشال “سوتشي” قبل عقده، عن طريق إقناع حلفائها في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف به، وهو ما دفع موسكو آنذاك إلى اتهام واشنطن بعرقلة المؤتمر عبر تصريحات تؤثر سلبًا على موقف المعارضة السورية، وتدفع بمجموعات من المعارضة إلى عدم اتخاذ مواقف واضحة من المؤتمر، في إشارة إلى “الهيئة العليا للمفاوضات”.

وقدم المؤتمر الصحفي الأخير لترامب وبوتين، الذي عقد بعد قمة هلسنكي في 16 من تموز، دلالة على تجاهل الزعيمين لنظرة مفصّلة للسياق السوري، وبحسب العبد الله لم يُفلِح ترامب في الاعتراف بعدم ملاءمة السياسة الحالية مع تعقيد الوضع على الأرض، إذ ركز في معرض حديثه على الحاجة إلى “مساعدة الشعب السوري للعودة إلى شكل من أشكال المأوى وعلى أساس إنساني”.

ويعتبر العبد الله أن الضربات العسكرية المباشرة وغير المسبوقة للرئيس ترامب على منشآت عسكرية سورية ردًا على استخدام أسلحة كيماوية في دوما كانت استجابة انتقائية فقط، وأن جرائم الحرب الأخرى أو الجرائم ضد الإنسانية لن يكون لها عواقب ولن تتبعها دعوات جادة للعدالة.

الرئيسان الأمريكي والروسي خلال قمة هلسنكي، الاثنين 16تموز 2018 (رويترز)

الأسد يتحرك

في تقرير نشره مركز “العدالة والمساءلة”، في 20 من تموز الحالي، تحدث فيه أن النظام السوري اتخذ عدة خطوات بالتزامن مع قمة هلسنكي بين ترامب وبوتين.

ومن بين الخطوات عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وملف الأشخاص المفقودين بِطُرُق لها “تأثير مقلق”.

وبحسب المركز، يسعى النظام السوري إلى إيجاد حلول سريعة تُخفق في معالجة القضايا المعقدة بشكلٍ كافٍ في مجالات أخرى أيضًا، بما في ذلك ما يتعلق بالمعتقلين والتعذيب.

وكانت عنب بلدي رصدت مؤخرًا تزايد حالات إعلام أهالي المعتقلين في عدد من المناطق بوفاة أبنائهم في سجون النظام السوري، الذي يستخدم دوائر النفوس للتبليغ، بعد أن كان يسلم متعلقات أبنائهم الشخصية مع ورقة صغيرة تخبر أنهم فارقوا الحياة بسبب عارض صحي.

ويرى المركز القانوني أنه بدلًا من تخلي أمريكا عن كل نقاط الضغط لصالح روسيا، كان ينبغي على الرئيس ترامب أن يعمل عن كثب مع الحلفاء لصياغة رؤية طويلة الأمد للتعامل مع التحديات الهائلة التي يفرضها الصراع السوري، مشيرًا إلى أنه وفي ظلّ غياب القيادة الأمريكية، حان الوقت لتقوم الدول الأوروبية بملء فراغ النفوذ لمنع المصالح الروسية في سوريا من أن تبقى دون رادع.

نفط سوريا لا يفتح شهية الأمريكيين

بالرغم من وجود مؤشرات على خروج القوات الأمريكية من شرق الفرات في الفترة المقبلة، لا تزال الأهداف الاقتصادية عاملًا قد يدفع أمريكا إلى البقاء على المدى المنظور.

الوجود الأمريكي شرق الفرات أرجعه محللون اقتصاديون إلى مساعي السيطرة على النفط السوري الذي تتركز حقوله المهمة بيد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من قبل أمريكا، والتي سيطرت عليها بعدما شنت عملية عسكرية تحت مسمى “عاصفة الجزيرة”، في أيلول العام الماضي.

وسيطرت “قسد” خلال العملية على أهم الآبار وهي حقل “العمر” الاستراتيجي، شرقي دير الزور، الذي يعتبر أكبر حقول النفط في سوريا، وبلغ إنتاجه قبل الثورة السورية حوالي 30 ألف برميل بشكل يومي.

كما سيطرت على حقل “التنك” ثاني أكبر حقول النفط، إضافة إلى حقول الورد، التيم، الجفرة، كونيكو، ومحطة الـ ”تي تو” (T2)، الواقعة على خط النفط العراقي السوري، أما في الحسكة فهناك حقول الرميلان والحقول الواقعة في مناطق الشدادي والجبسة والهول، إضافة إلى بعض الحقول الصغيرة في الرقة.

لكن الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية، عبد القادر العلاف، يرى أن نفط سوريا لا شيء أمام كميات النفط الموجودة في الدول المجاورة وخاصة العراق التي توجد فيها أمريكا.

ويشير العلاف في لقاء مع عنب بلدي إلى أن الغلة السورية من النفط لا تغري الأمريكيين وغيرهم، وأن ما كانت تنتجه سوريا من النفط قبل الثورة لا يفتح شهية الأمريكيين أو غيرهم من أجل بذل جهدهم وبقائهم في المنطقة لأجل ذلك، وإنما وجودهم من أجل شركائهم الأساسيين (قسد)، مشيرًا إلى أن كميات النفط المستخرجة قد تغطي دعمهم لحلفائهم بدلًا من دعمهم بشكل مباشر.

رغم ذلك لا يرى العلاف أن ذلك يعني بالضرورة انسحابًا أمريكيًا من الأرض السورية، بل يرى أنها ستبقى في المنطقة على المدى المنظور لعدة أسباب منها أن وجودها في سوريا مرتبط بنفوذها في العراق، خاصة وأنها معنية ومسؤولة أخلاقيًا ودوليًا عن الملف العراقي، فضلًا عن رغبتها في قطع طريق طهران البريّ.

وأشار العلاف إلى أن واشنطن لم تستطع البقاء في العراق، في حين توجد في سوريا تحت اسم “قسد” ومحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبالتالي البقاء بالقرب من العراق لبسط الأمن هناك وقطع الطريق على النفوذ الإيراني الذي يعرقل مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد.

إضافة إلى قطع الطريق البري الواصل من طهران إلى البحر المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا، والذي يعتبر “جائزة كبرى لإيران”، بحسب ما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، بسبب أهميته الاستراتيجية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، إذ يعتبر حلمًا لطالما سعت إيران إلى تحقيقه لتكريس سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان.

وكانت طهران تخطط لفتح طريق عبر منطقة التنف الحدودية جنوبي سوريا، لكن دخول قوات الولايات المتحدة الأمريكية، وإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة، في 2016، خلط الأوراق، وأرسل تحذيرات إلى إيران والنظام السوري بعدم الاقتراب من التنف، ما دفع طهران للبحث عن منفذ جديد عبر الأراضي السورية لتتجه أنظارها نحو البوكمال.

تمركز القوات الأمريكية في قرية الغنامة بمدينة الدرباسية على الحدود السورية التركية – 1 أيار 2017 – (عنب بلدي)

استطلاع رأي: الدور الأمريكي في سوريا على وشك النهاية

أظهر استطلاع للرأي أجرته جريدة عنب بلدي على موقعها وعبر صفحتها على “فيس بوك” أن أغلب القراء والمتابعين يرجحون قرب نهاية الدور الأمريكي في سوريا.

وطرحت عنب بلدي على قرائها السؤال التالي: “ برأيك.. هل شارف الدور الأمريكي في سوريا على نهايته؟”.

44% من المشاركين في الاستطلاع، الذين وصل عددهم إلى 863، أجابوا بـ “نعم”، بينما أجاب 38% بـ “لا”، وآثر 18% منهم عدم البت، وأجابوا بـ “لا أعرف”.

الرابحون والخاسرون

الانسحاب الأمريكي المحتمل.. “جائزة” و”صفعة”

يرسم الانسحاب الأمريكي المحتمل صورة جديدة للملف السوري على المستويين العسكري والسياسي، إذ يهدد خريطة سوريا بطغيان الأحمر على حساب الأخضر والأصفر، بينما يأخذ بيد روسيا إلى “سوتشي” ملوحًا بمسار “جنيف” وما فيه من ملفات إنسانية وحقوقية وسياسية عالقة لم تتم فكفكة عقدها الأولى بعد.

ويرجّح هذه الصورة غموض الصفقات التي تمت بين روسيا وأمريكا تحت طاولة لقاء ترامب وبوتين في هلسنكي مؤخرًا، بينما يترك عدم الإعلان الصريح عن خطة انسحاب، وبقايا مصالح الولايات المتحدة هامشًا لاحتمال بقاء أمريكي جزئي على الأرض وعلى المستوى السياسي.

وفي حال حدوث هذا الانسحاب فإن أطرافًا محليّة وإقليمية ودولية عدة ستتأثر بطرق مباشرة وغير مباشرة، فبينما سيكون بمثابة جائزة على شكل “دولة” لروسيا والنظام، سيكون “صفعة” تاريخية للمشروع الكردي الذي تحمله “قوات سوريا الديمقراطية”.

روسيا تكسب الأرض والمسار السياسي

يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، ساشا العلو، أن الانسحاب الأمريكي من الأراضي السورية يعني انسحابًا شبه كامل من الملف السوري، وبالتالي تفويض موسكو باستكمال الترتيبات العسكرية على الأرض تمهيدًا لفرض الحل السياسي.

ومن شأن تلك “الترتيبات” أن تطلق يد النظام، باتجاه ما تبقى من الأراضي السورية، بعد أن خسرت المعارضة خلال الأشهر الاولى من العام الحالي مناطق عدة بدءًا من الغوطة الشرقية مرورًا بالقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي وجنوبي دمشق، انتهاءً بدرعا.

ويشير العلو إلى أن ذلك “سينعكس بالضرورة على مسار جنيف، الذي تتمسك به المعارضة، لصالح مسار سوتشي، وبالتالي تحول أولويات الحل من الانتقال السياسي إلى ترتيبات الدستور ومن سلة الانتخابات وضبط المسار السياسي وفقًا للرؤية الروسية”.

إضافة إلى المكاسب العسكرية والسياسية، تتم حاليًا إعادة تعيين بعض الملفات العالقة بما يمنح روسيا دورًا أكبر، ويعطيها الصلاحية لأدوار لم تلعبها من قبل، وخاصة فيما يتعلق بالملف الإنساني وأزمة اللاجئين.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت مؤخرًا إن موسكو عرضت على واشنطن خطة مشتركة لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن إلى سوريا، وذلك خلال قمة هلسنكي، كما شرعت روسيا في تولي مهام التنسيق فيما يخص الدعم الإنساني للمتضررين من الحرب في مناطق سورية عدة.

على حساب المعارضة.. سياسيًا

من وجهة نظر الباحث ساشا العلو، فإن “الانسحاب الأمريكي من سوريا لا يعني خسارة أرض بالنسبة للمعارضة لأن مناطق وجود القوات الأمريكية ليست مناطق للمعارضة أساسًا، لذلك فالأدق القول إن الأثر سيتمثل بتوسيع رقعة سيطرة النظام وموسكو على الجغرافيا السورية، خاصة أن تلك المناطق غنية بالثروات والموارد”.

فيما يرى العلو أن “الأثر الأكبر على المعارضة سيتمثل في المستوى السياسي”، على اعتبار أن روسيا يمكن أن تضع يدها على الأرض وتحرك المسار السياسي وفق رؤيتها.

وبالضرورة فإن ذلك “سينعكس على مسار جنيف، الذي تتمسك به المعارضة، لصالح مسار سوتشي.

مقاتلون أمريكيون يجرون تدريبات على قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” في قاعدة التنف على الحدود العراقية – 22 تشرين الثاني 2017 (وزارة الدفاع الأمريكية)

مصلحة تركية.. و”صفعة” للكرد

يجعل أي انسحاب أو تراجع محتمل للدور الأمريكي من الكرد الخاسر الأول في سوريا، إذ ترتبط مصالحهم بشكل مباشر بوجود القوات الأمريكية، ما يجعلهم في مواجهة الخطر التركي وإعادة سيناريو عفرين في مناطق الجزيرة، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية”.

مقابل الخسارة الكردية الفادحة، فإن “الانسحاب الأمريكي من سوريا ينعكس باتجاه إيجابي على أنقرة، فلطالما كانت المواقف الأمريكية في سوريا معرقلة للدور التركي ومعززة لهواجسه، وتحديدًا لناحية حماية حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ودعمه”، وفق العلو، الذي يرى أن “الانسحاب يعني نهاية مشروع (PYD) بصيغته الحالية، وبالتالي تخفيف الهواجس التركية”.

وفيما يتعلق بدور تركيا على المستوى السياسي، يشير العلو إلى أن “الانسحاب الأمريكي قد يعزز تعاون أنقرة بشكل أكبر مع موسكو، وبالتالي تفعيل الدور التركي بشكل أكبر، خاصة إذا تذكرنا أن التعاون التركي الروسي في سوريا كان أنجح من التعاون الأمريكي التركي، وأكثر

أسست الولايات المتحدة الأمريكية ما يزيد على 15 قاعدة وموقعًا عسكريًا شرقي سوريا.
فاعلية لناحية المصالح التركية، إذ لم تقدم الولايات المتحدة أي تنازلات حقيقية من شأنها أن تخفف هواجس الأتراك”.

ويضرب العلو منبج مثالًا على ذلك إذ كان دخولها “مشتركًا بين تركيا وأمريكا ومحدودًا ومضبوطًا”، بينما في “تل رفعت وعفرين قدمت موسكو أكثر بكثير عبر تعاون كامل مع تركيا للسيطرة عليهما بشكل خالص”.

وعلى المستوى السياسي أيضًا “تتقاطع أهداف وهواجس أنقرة وموسكو، ويعملان على مسار مشترك (أستانة)، بينما لا تتقاطع أهداف الولايات المتحدة مع تركيا في سوريا بشكل كبير” بحسب العلو.

الأمن لإسرائيل والتحجيم لإيران

ركز المؤتمر الصحفي الذي عقد بين ترامب وبوتين عقب قمة هلسنكي على ضرورة ضمان أمن إسرائيل، إذ دعا بوتين إلى ضرورة “عودة الهدوء إلى منطقة الجولان والالتزام باتفاقية فك الاشتباك عام 1974 بعد القضاء على الإرهابيين في جنوب سوريا بشكل نهائي”.

من جانبه “أشاد ترامب بالتنسيق بين العسكريين الروس والأمريكيين في سوريا”، وأكد “اهتمام واشنطن بأمن إسرائيل، وبالتعاون مع روسيا وإسرائيل لتسوية الوضع في سوريا”.

وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت، الخميس 19 من تموز، أن مبعوث الرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف فلاديمير، توجه إلى طهران لعقد اجتماع مع “مجلس الأمن الإيراني” بهدف إطلاع أعضائه على نتائج قمة هلسنكي بين الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.

ورجحت الصحيفة أن لافرنتييف طلب من طهران تنفيذ “تفاهمات” بوتين وترامب، التي تشمل سحب مدافع ثقيلة إلى مسافة 80 كيلومترًا من “خط فك الاشتباك” في الجولان، ووجود قوات النظام، وتفعيل “فك الاشتباك” لعام 1974، وقيام نحو 1200 من “القوات الدولية لمراقبة فك الاشتباك” (أندوف) بتنفيذ ذلك.

ورغم نفي أوساط دبلوماسية إيرانية لهذه التفاصيل، لكن مؤشرات عدة أوضحت مؤخرًا توجهًا روسيًا لتحجيم دور إيران في سوريا.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق