قلق سوري من عودة قرار منع “البالة”

camera iconطفل يعرض ملبوسات للبيع في حي الجسر الأبيض في دمشق - 24 شباط 2017 (عدسة شاب دمشقي)

tag icon ع ع ع

دمشق – ماري العمر

وسط العاصمة السورية دمشق شارع ضيق، بالرائحة فقط تستطيع أن تهتدي إليه، تلك الرائحة المميزة لملابس قديمة أضيفت إليها مواد معقمة وحافظة، لتباع إلى الفقراء.

ارتبط اسم شارع “الإطفائية” القريب من منطقة البرامكة وسط دمشق، ببسطات “البالة” (الملابس المستعملة)، رغم أنه في الأصل حي سكني، فيكفي أن تسمع من أحدهم أنه ذاهب إلى الإطفائية لتعرف أنه سيغوص بين “كومات” تلك الملابس المتجمعة فوق البسطات، لعله يفوز بقطعة “لقطة”.

ويعتبر سوق الملابس المستعملة “البالة” في سوريا، وخاصة في مدينة دمشق المكتظة بالسكان، من أهم الأسواق التي يقصدها معظم المواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة، وهذا ما أثار قلقهم بعد صدور قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في 10 من تموز، بمنع استيراد “البالة”، والتي سارعت بعد يومين لتصدر قرارًا تتراجع فيه عن القرار السابق، وتلغي منع الاستيراد.

ورأى سوريون في قرار منع استيراد “البالة” أنه يستهدف الفقراء، ويتخوفون من التراجع عن القرار الأخير، ومنع البالة ثانية، فيقول خالد (46 عامًا) لعنب بلدي، وهو عاطل عن العمل، “فلتراقب الوزارة المواد المهربة الأخرى من كحول وبضائع تركية الصنع، بدل أن تمنع البالة بحجة حماية المستهلك”.

وعبر ناشطون عن وقوفهم ضد قرار منع البالة، فكتبت الممثلة السورية نسيمة الضاهر، عبر حسابها في “فيس بوك”، “البالة أكتر مكان لبست منه وتسوقت فيه وكان في بياعين يخبولي القطع الظريفة، اليوم رح تصير البالة الملابس اللي تعفشت من بيوت السوريين”، وتابعت “قاطعوا الملابس المعفشة رح يضل عرق صاحبها فيها ويحرقكن”.

البالة “مقامات”

في الماضي كان سوق الملابس المستعملة ملاذًا الفقراء، ليرتدوا ما يدفئهم في الشتاء، ويسترهم في الصيف، وقلما عاش سوري من أبناء أصحاب الدخل المتوسط، دون أن يشم رائحة تلك الملابس على جسده، خاصةً أنها تفوق في جودتها الملابس الوطنية المنشأ.

لكن في السنوات الأخيرة انتشرت محلات “البالة” غير المستعملة، والتي لا يجرؤ عادة زبائن البسطات على دخولها، فترى على واجهتها أحذية جلدية بأسعار تقارب أسعار السوق فيختلط على الزبون المستجد الأمر، إن كان يهم بدخول محل بالة أو إحدى الماركات.

هذه المحلات التي افتتحت في منطقة التجارة بدمشق، بالإضافة إلى خلف قصر العدل، روادها من الطبقة المتوسطة وأحيانًا الثرية. وعلى حد قول سامر (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، وهو أحد أصحاب تلك المحلات، هؤلاء “يسعون وراء الألبسة التي تحمل الماركات العالمية، بالإضافة إلى جودتها العالية، وعدم وجود قطعة أخرى مماثلة لها في السوق، وهذا تفضله النساء غالبًا، وطبعًا يجدون الفرق بأن هذه الملابس جديدة وليست مستعملة، وتباع بأسعار أقل من مثيلاتها”.

ويعيش 69% من السكان في سوريا في فقر مدقع، واستنفدت القدرة على التكيف لدى الكثير من الناس في المجتمعات المحلية الأكثر تضررًا، بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA))، نهاية عام 2017.

البالة سلاح الفقراء

وعن أسعار تلك الملابس يضيف سامر، “سعر الكنزة في السوق المحلية يتراوح بين 300 وسبعة آلاف ليرة سورية (بما يعادل 18 دولارًا) بينما سعر الكنزة الأكثر جودة وبماركة عالمية بألف أو 1500 ليرة (ما يعادل ثلاثة دولارات)”.

ويرى سامر أن أسواق البالة وعلى الرغم من تفاوت الأسعار فيها بين البسطات والمحلات، تظل أرخص من السوق المحلية، وخاصة خلال سنوات الحرب نتيجة تدني مستوى المعيشة لدى كثير من السوريين، بعد تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي من 45 ليرة إلى 500 ليرة للدولار الواحد.

ويؤيد هذا الكلام مروان (38 عامًا)، وهو موظف في مؤسسة للقطاع العام، ويقول “تستحق البالة الشكر، فبعد أن ارتفعت أسعار الألبسة مع تدني المدخول الشهري، أصبحت البالة سلاح الفقراء في محاربة الغلاء، فهي ذات جودة عالية وأسعارها أقل، فسعر الجاكيت 35 ألف ليرة بينما سعره في البالة لا يتجاوز خمسة آلاف ليرة”.

ويعتبر استيراد الثياب المستعملة في سوريا محظورًا بموجب القوانين الرسمية، ومع ذلك انتشرت تلك المهنة على نطاق محدود عبر تهريبها إلى البلد، لكنها راجت أكثر بعد عام 2011.

وغالبًا يتم استيراد الملابس المستعملة إلى سوريا عن طريق التهريب من لبنان، أو مطار دمشق الدولي، وذلك إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في حين يتم استيرادها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عبر تركيا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة