منبج – برهان عثمان
من يتنقل على طرقات السفر بين ريفي حلب وإدلب لا بد أن يلاحظ وقوف عمال مستقلين، غير تابعين لمجالس أو شركات، على جانبي الطريق، حاملين معدات يدوية من أجل ردم الحفر على الطريق.
تعاني الطرقات في أغلب المناطق السورية العديد من المشكلات، خاصة بعد غياب الصيانة والإصلاح عنها لسنوات، إذ تنتشر الحفر العشوائية الناجمة عن ظروف الحرب والقصف المستمر وتنقل الآليات الثقيلة (العسكرية والمدنية)، الأمر الذي أثر على جودتها وجعلها تزيد صعوبة التنقل والسفر.
العمال تتراوح أعمارهم بين عشرة و40 عامًا ويبحثون بذلك عن رزقهم، من خلال ردم الحفر مقابل الحصول على ما تجود به أكف سائقي مركبات النقل على طول الطريق، بحسب ما قال عبد الله (42 عامًا)، وهو سائق على حافلة صغيرة لنقل الركاب بين اعزاز ومنبج بريف حلب.
وأوضح عبد الله أن هذه الظاهرة انتشرت خلال السنوات الأخيرة ويعتمد عليها الأشخاص في تحصيل قوت يومهم، مقابل تخفيف عناء السائقين في طرق أصبحت أشبه بالطرق الترابية، بعد زوال مساحات واسعة من الإسفلت عنها وانتشار الحفر.
الأجرة قليلة والمجهود كبير
نسبة البطالة الكبيرة في المنطقة، دفعت بعض المواطنين إلى تحويل هذه المهنة إلى نوع من التسول وملاحقة أصحاب السيارات المارة لتعويضهم، لكن العاملين يرفضون الوصف، ومنهم عمر (19 عامًا) الذي اعتبر أنه يقدم خدمة للسائقين ويستحق الأجر مقابلها، رافضًا تحديد أجر معين أو طلب ذلك من جميع السائقين.
وقال عمر لعنب بلدي، “كل سائق يعطينا على كيفه، لكن الأغلب يدفع بين 100 و200 ليرة سورية”، مضيفًا أن “العمل قليل في المنطقة، والمصروف كبير ونريد العمل بأي شيء يساعدنا على الحياة”.
ويعيش أغلب الأشخاص العاملين في مناطق قريبة من الطرقات التي يعملون عليها في ظروف صعبة ودون توفر الموارد المالية الكافية، وهمهم الأساسي تأمين لقمة عيشهم ومساعدة أسرهم.
لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون على أهمية عملهم، بحسب عمر، الذي أشار إلى أن الحفر في الطريق غالبًا ما تسببت بتعطيل السيارات، وخراب بعض القطع فيها، وقيام العمال بردم الحفر يجنب السائقين بعض مخاطر الأعطال ويخفف من أضرار الطريق على سياراتهم.
“حفر جهنم” في الطريق
عنب بلدي حاورت بعض الركاب للوقوف على رأيهم بهذه المهمة، واعتبروا أن لها فائدة كبيرة، ومنهم محمد عطالله (45 عامًا)، الذي وصف طريق منبج- اعزاز بـ”الجحيم”، بسب سوء أرضيته وحاجته للكثير من الإصلاح.
وقال عطالله إن العمال الشباب يخففون من سوء الطريق على قدر استطاعتهم، وبالتالي يقللون من عناء الناس، واصفًا ما يقدمونه بالخدمة العامة، إذ حضروا حين غابت السلطة التي كان يفترض بها أن تكون مسؤولة عن سلامة وإصلاح الطرقات وتوفير فرص عمل، مشيرًا إلى أن “هؤلاء الشباب كان يمكن أن يكونوا قطاع طرق أو (مشلحين)، لكنهم اختاروا هذا العمل ولو كان بسيطًا، وواجب المجتمع تشجيعهم ودعمهم”.
وفي الوقت الذي تغيب فيه الحماية والدعم للعمال، يرى عطالله أن عملهم يمكن أن يكون أجدى وأكثر تأثيرًا لو حصلوا على الأدوات المناسبة، أو نظموا بشكل بسيط يساعدهم في تحسين عملهم، ويحفظ لهم بعض حقوقهم، ويحميهم من التعرض للأذى والإهانة.
وأثر انخفاض جودة الطرقات سلبًا على المسافرين، وزاد في طول المدة الزمنية التي يحتاجونها للتنقل، فالسفر بين مدينتي اعزاز ومنبج كان يستغرق أقل من ساعتين، في حين اليوم يحتاج إلى أكثر من ثلاث ساعات ونصف.