عنب بلدي – خاص
يعود النظام السوري إلى حراسة حدود الجولان المحتل من قبل إسرائيل مجددًا، بعد سبع سنوات من انسحابه لصالح فصائل المعارضة، والتي احتفظت بمساحات واسعة من محافظة القنيطرة في السنوات الماضية، إلى أن توصلت لاتفاق رعته روسيا بعد تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي.
جاء الاتفاق بعد سيطرة قوات الأسد والميليشيات المساندة لها على مساحات واسعة في الريف الغربي لدرعا، بموجب اتفاقيات “مصالحة” توغلت من خلالها ودخلت الحدود الإدارية للقنيطرة، بالتزامن مع قصف جوي من الطيران الروسي الذي استخدم أجواء الجولان المحتل في طلعاته.
خروج المقاتلين، والقبول بالتسوية لمن يرغب بالبقاء، كان على رأس بنود الاتفاق، والتي فرضت على فصائل المنطقة بذات السيناريو الذي طبق في معظم المحافظات السورية، لكن المفارقة في سيناريو القنيطرة تكمن بالمكاسب التي حظيت بها إسرائيل بعودة النظام إلى حدوده قبل عام 2011، مع دخول الروس كطرف مراقب لاتفاقية “فض الاشتباك”.
تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية منذ عام 1967، ولا يسمح للقوات السورية بدخول المنطقة الفاصلة بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1973.
وطوال السنوات الماضية اتهم النظام السوري إسرائيل بدعم فصائل المعارضة على حدود الجولان المحتل، وإدارة معاركها داخل سوريا، لا سيما في ريف القنيطرة والمناطق المحاذية لها. |
مواقع عسكرية تدخل اتفاق 1974
دخل الاتفاق حيز التنفيذ، في 20 من تموز الحالي، بخروج أكثر من ألفي مقاتل من “هيئة تحرير الشام” مع عائلاتهم إلى محافظة إدلب، وبموازاة ذلك، سيطرت قوات الأسد على مناطق واسعة في المحافظة بينها قرى وبلدات: تل أحمر غربي، تل أحمر شرقي، رسم قطيش، رسم الزاوية، عين زيوان، عين العبد، كودنة، والأصبح، في المنطقة الممتدة بين ريفي درعا والقنيطرة.
وبعيدًا عن الخطوط العريضة التي أعلن عنها من جانب النظام والمعارضة حول الاتفاق، برزت بنود خفية، أعطت الصورة الكاملة للوضع الذي ستستقر عليه الخريطة في القنيطرة المحاذية للجولان، والتي رسمت بشكل أساسي ضمن التفاهمات الروسية- الإسرائيلية بعد عدة جلسات بين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ويعتبر ملف القنيطرة حساسًا قياسًا ببقية مناطق الجنوب السوري، كونها منطقة محاذية للجولان المحتل من إسرائيل.
وبحسب البنود التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط”، يدخل “اللواء 90″ و”اللواء 61” التابعان لقوات الأسد برفقة قوات الشرطة الروسية إلى خط وقف النار والمنطقة منزوعة السلاح وفق اتفاق 1974، وتكون آلية الدخول والتنسيق من طرف الوفد المفاوض وفي القطاعين الجنوبي والشمالي.
وجاء فيه تشكيل لجنة لمتابعة أمور المعتقلين، وضمان حرية الرأي والتعبير تحت سقف القانون.
وبعد خروج الحافلات التي تنقل المقاتلين ورافضي التسوية إلى إدلب، تُسلم نقطة الأمم المتحدة في بلدة أم باطنة وتدخل الشرطة الروسية إلى نقطة الأمم المتحدة في بلدة رويحينة.
وتعتبر هذه البنود مرحلة الاتفاق الأولى، وسيتم الاتفاق على المرحلة الثانية بعد إتمام تنفيذ ما سبق.
ووقعت اتفاقية “فض الاشتباك” بين النظام السوري وإسرائيل، في 31 من أيار 1974، بعد حرب تشرين، في جنيف بحضور الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد السوفيتي.
ونصت حينها على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في حرب تشرين، وتبادل أسرى الحرب بين الطرفين، ووقف إطلاق النار، والامتناع عن جميع الأعمال العسكرية برًا وبحرًا وجوًا.
وفي وقت سابق حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قوات الأسد من الاقتراب من المنطقة العازلة على الحدود، بحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، في 10 من تموز.
التلال الاستراتيجية بيد الروس
ما ميز العمليات العسكرية في الريف الغربي لدرعا من قبل قوات الأسد أنها استهدفت التلال الاستراتيجية الموجودة في المنطقة، والتي من شأن السيطرة عليها الإمساك بمفاصل الجنوب بشكل كامل، ومن أبرزها تل الحارة، تل الجابية، وتل الجموع، الذي لا يزال تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
لكن وبحسب الاتفاق المبرم، لا توجد أي سيطرة بالمعنى العسكري لقوات الأسد على التلال، بل أدرجت ضمن الوصاية الروسية في المنطقة، كخطوة لمراقبة تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار على الحدود الفاصلة بين الجولان المحتل والقنيطرة.
وإلى جانب ما ذكر سابقًا، نص الاتفاق على إنشاء منطقة عازلة ثلاثية الشريط بطول 80 كيلومترًا، ويكون القطاع الأول بعرض عشرة كيلومترات، وبمساحة 235 كيلومترًا مربعًا، ويمتد على الجانب السوري من حدود الجولان يعمل فيه مراقبو “أندوف” والشرطة العسكرية الروسية.
أما القطاع الثاني فتحتفظ فيه قوات الأسد بـ 350 دبابة وثلاثة آلاف جندي بسلاح خفيف، والقطاع الثالث بـ 650 دبابة و4500 جندي وسلاح خفيف، إضافة إلى مدافع محدودة العدد وبمدى محدد لا يتجاوز المرحلة الأولى.
ويسمح الاتفاق أيضًا بملاحقة قوات الأسد مدعومة بالجيش الروسي لتنظيم “الدولة الإسلامية” في حوض اليرموك، على أن تعود إلى مواقعها بموجب تفاهمات “فك الاشتباك”.
كما يضمن سيطرة روسيا على تل الحارة في ريف درعا، والذي يصل ارتفاعه إلى 1200 كيلومتر للإشراف على الجنوب السوري وشمال إسرائيل والرقابة على تنفيذ التفاهمات.
ويعتبر تل الحارة أعلى التلال المرتفعة في ريف درعا الشمالي، ويشرف على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة، وكان له دور في السيطرة على هذه المناطق سريعًا بعد السيطرة عليه، في تشرين الأول 2014.
“فرسان الجولان” لحماية الحدود
في أواخر كانون الثاني الماضي نشرت صحيفة “The Intercept” الأمريكية تفاصيل اجتماع فصائل من درعا مع ممثلين عن إسرائيل، الذي ناقش نقاطًا مختلفة على رأسها “المنطقة الآمنة” في المنطقة.
ووفق ما ترجمت عنب بلدي حينها فإن إسرائيل تعمل على توسيع نفوذها جنوبي سوريا، من خلال سعيها لإنشاء منطقة آمنة تمتد من مرتفعات الجولان المحتل إلى عمق محافظتي القنيطرة ودرعا.
ونقلت الصحيفة معلوماتها عن معارضين سوريين ومصادر حكومية سورية وإسرائيلية، ومنظمة أمريكية غير حكومية تشارك بشكل مباشر في مشروع المنطقة الآمنة في المنطقة، كما قالت.
وبحسب ما ذكرته الصحيفة فإن إسرائيل بدأت المرحلة الثانية من إنشاء المنطقة، بتدريب قوة من حوالي 500 مقاتل من المعارضة، المفترض أن تكون قوة حرس حدود، على أن تسيّر دوريات بدءًا من جنوب بلدة حضر ذات الأغلبية الدرزية، عبر القرى التي تسيطر عليها المعارضة في كل من جباتا الخشب، التي ستكون مقرًا للقوة، وبير عجم والحميدية والقنيطرة.
والتقى المسؤولون خلال جولتهم مع قادة عسكريين في “لواء الجيدور”، “جيش الأبابيل” (العامل بدعم أردني- أمريكي)، وفصيل “فرسان الجولان”.
كما جرى اجتماع في أيلول العام الماضي داخل بلدة رفيد بريف القنيطرة، وحضره قادة عسكريون وممثلون عن الفعاليات المدنية والطبية في المنطقة، إلى جانب ممثلين من “لواء الجيدور” و”فرسان الجولان” و”جبهة ثوار سوريا” لمناقشة مزيد من التعاون، وفق الصحيفة.
ما ذكرته الصحيفة طبق حرفيًا بموجب اتفاق القنيطرة الحالي، إذ سيبقى فصيل “فرسان الجولان” في مواقعه على الحدود مع الجولان، بعد موافقة روسية، وتعهدات بمنع أي صدام عسكري مع النظام السوري، على أن يتركز عمله في المنطقة الحدودية بعد تلقي التدريبات المناسبة.
ويشابه السيناريو الحالي ما تم تطبيقه في منطقة بيت جن بعد بقاء القيادي في المعارضة إياد كمال الملقب بـ “مورو” في المنطقة، بعد إصرار إسرائيلي على بقائه كقوة محلية تضمن حماية الحدود.
معارك الحوض لم تبدأ
على الجانب الآخر لا يمكن القول إن المعارك في الجنوب بدأت بشكل فعلي حتى اليوم، فمنطقة حوض اليرموك التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال مصيرها مجهولًا دون أي تحرك جاد نحوها من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة لها.
وبالتزامن مع تنفيذ اتفاق القنيطرة تمكن التنظيم من الزحف على مناطق تتبع لمحافظة القنيطرة على حدود الجولان، وأعلن السيطرة على قرى: البكار، العبدلي، الجبيلية، المقرز، سد المقرز، المعلقة، المجاعيد، الدرعيات، أبو حجر، المشيدة، عين زبيدة، سد الجبيلية، بعد انسحاب فصائل “الجيش الحر” منها، بالإضافة إلى قرى صيدا الحانوت، غدير البستان، أم اللوقس، الحيران، عين القاضي.
ويمسك التنظيم بتل الجموع الذي يعتبر الورقة الأبرز عسكريًا له في المنطقة، ويعد من أهم التلال العسكرية والاستراتيجية في ريف درعا الغربي، وتحيط به نقاط استراتيجية تخضع لسيطرة المعارضة أبرزها الشيخ سعد، ونوى إلى الشمال منه.
ويعتبر “الجموع” مرتفعًا عن غيره من المناطق في ريف درعا الغربي، ويطل بشكل كامل على بلدة تسيل، كما يوصف بأنه أحد أهم التلال المحيطة بمدينة نوى.
وكان تنظيم “الدولة” سيطر، في 12 من تموز الحالي، على بلدة حيط بشكل كامل، بعد هجوم كبير بدأه، كخطوة استباقية قبل دخولها من قبل قوات الأسد.
وبالتزامن مع تقدم التنظيم، استهدف طيران النظام حوض اليرموك بعدة غارات جوية أجبرت المئات من المدنيين على النزوح باتجاه حدود الجولان المحتل.
وسيطر التنظيم على معظم بلدات حوض اليرموك، بعد أن شن هجومًا مباغتًا في شباط الماضي، انتزع من خلاله بلدات وتلالًا أبرزها سحم الجولان وتسيل وتل الجموع، ويتمركز مقاتلوه في مناطق حوض اليرموك وقرية جملة وعابدين الحدوديتين مع الجولان المحتل، إضافة لمنطقة القصير وكويا على الحدود مع الأردن.
ويبقى مصير 50 ألف مدني يقطنون في الحوض مجهولًا، لا سيما إن بدأت العمليات العسكرية رسميًا من قبل قوات الأسد المدعومة روسيًا بعد الانتهاء من اتفاق محافظة القنيطرة.