سلاح تطبيع اقتصادي بيد النظام السوري

  • 2018/07/22
  • 12:17 ص

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

أعقب سيطرة قوات الأسد على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، في 6 من تموز الحالي، صمت من قبل حكومة النظام السوري حول تحديد موعد لفتح المعبر، وإعادة تفعيل الحركة التجارية، باستثناء تصريحات تتحدث عن أهميته الاقتصادية للدول الثلاث لبنان- سوريا- الأردن.

واكتفى رئيس الحكومة، عماد خميس، خلال مقابلة مع قناة “العالم” الإيرانية، الخميس 19 من تموز، بالحديث عن أهمية المعبر بكونه يربط أوروبا بالخليج العربي، في ظل وجود دراسة لتفعيله واستثماره.

وفي المقابل بدأت الفعاليات الاقتصادية الأردنية واللبنانية بالحديث عن جاهزية الشاحنات للعبور والانطلاق نحو الأسواق الأوروبية والخليجية، الأمر الذي قد يكسر حالة الركود الاقتصادي التي أصابت البلدين خلال السنوات الماضية ويحقق انفراجًا في مختلف القطاعات الاقتصادية لكليهما.

الصمت يخفي وراءه شروطًا تتجه حكومة النظام السوري إلى وضعها على كلا البلدين الجارين، من أجل السماح لشاحناتهما بالعبور عبر الأراضي السورية.

هذه الشروط تتعلق بتطبيع العلاقات السياسية، خاصة وأنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد والعكس بالعكس، فالخطان يسيران بطريق متوازٍ، بحسب ما قاله المحلل الاقتصادي الأردني مازن رشيد، لعنب بلدي.

ابتزاز سياسي للبنان لفتح المعبر

صحيفة “الأخبار” اللبنانية نقلت عن مصادر سورية، الخميس 19 من تموز، أن حكومة النظام لا تفكر بفتح المعابر قريبًا مع كل من العراق والأردن، وفي حال فتحها ستكون محدودة ومحصورة بالتجار السوريين فقط.

وأشارت المصادر إلى أن الشاحنات اللبنانية لن تمر عبر الأراضي السورية إلى الدول العربية، إلا بعد اتفاق سياسي رسمي يحصل بين الحكومة اللبنانية وحكومة النظام السوري، لأن سوريا لن تقدم خدمات مجانية لأحد بعد اليوم، وفي حال أرادت لبنان أو أي دولة عربية فتح المعبر، “فليجدوا الطريقة الأنسب للتواصل مع الحكومة السورية”، بحسب “الأخبار”.

وحملت المصادر، بحسب الصحيفة، الحكومة اللبنانية مسؤولية خسارة التجار والمزارعين اللبنانيين، في محاولة لتأليبهم ضد حكومتهم والضغط عليها لفتح أبواب التواصل مع النظام السوري.

وتزامن ذلك مع معلومات حصلت عليها قناة “الجديد” اللبنانية تفيد بأن النظام السوري اشترط لعبور الشاحنات اللبنانية “ترانزيت” عبر الأراضي السورية أن “تبادر السلطات اللبنانية إلى طرق أبواب الدولة (السورية) إما عن طريقِ رئيس الجمهورية، ميشال عون، أو من خلال وزير الخارجية، جبران باسيل، باتجاه نظيره السوري، وليد المعلم، أو بوفد حكومي رسمي، وعدا ذلك فإن سوريا ليست في وارد الموافقة على العبور المجاني”.

وأضافت القناة أنه في حال تعذر إيفاد مسؤولين سياسيين من الفئة الأولى، يمكن إيفاد الحكومة رئيس الغرف والهيئات الاقتصادية، محمد شقير، وإلا سيضطر الصناعيون والتجار اللبنانيون لتصدير منتجاتهم عبر البحر.

وتحدث وزير الزراعة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، غازي زعيتر، عن إمكانية قيامه بزيارة رسمية إلى سوريا، وقال لصحيفة “اللواء” اللبنانية، الاثنين 16 من تموز، “أنا على اتصال مع الجانب السوري وربما أقوم بزيارة رسمية إلى دمشق، للبحث مع المسؤولين السوريين حول معبر نصيب”.

وفي ظل هذه الشروط، يبدو أن معركة سياسية ستدور رحاها في أروقة الساسة اللبنانيين، بين القطب المؤيد للنظام السوري والمعارض له، بشأن تطبيع العلاقات معه تحت حجة الفائدة للمصدّرين اللبنانيين.

وقال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، رائد خوري، لوكالة “رويترز”، الجمعة الماضي، “إذا كانت مصلحة لبنان تقتضي أن نتواصل مع النظام السوري المسيطر على أرض كبيرة جدًا من سوريا.. فليكن“.

ولم يحدد خوري، المنتمي لـ “التيار الوطني الحر” المتحالف سياسيًا مع “حزب الله” الذي يقاتل إلى جانب قوات الأسد، طريقة المفاوضات وحصولها، لكنه اكتفى بالتأكيد على أنه يجب على لبنان السعي لإبرام اتفاق مع سوريا لفتح المعبر، لأنه أولوية بالنسبة للبنان.

ترحيب أردني وتجاهل سوري

شروط النظام قد تلقى تجاوبًا من قبل الحكومة اللبنانية تحت ضغط التيار المؤيد للنظام السوري الموجود داخلها، إضافة إلى ضغط الصناعيين والتجار اللبنانيين الذين خسروا بشكل كبير جراء إغلاق المعبر وانقطاع الطريق البري الواصل إلى أسواق الخليج، لكن الإجابة على شروط النظام تبدو أكثر غموضًا في الأردن، المتضرر الأكبر من إغلاق المعبر، خاصة بعد احتضانه للمعارضة السورية سياسيًا وعسكريًا، خلال السنوات الماضية.

الأردن، وعقب سيطرة قوات الأسد على المعبر، بدأ يرحب عبر مسؤوليه بفتح المعبر تارة وبالحديث عن استعداد آلاف الشاحنات للعبور تارة أخرى، بحسب ما صرح به نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية، محمد خير الداوود، لصحيفة “الغد” الأردنية، في 15 من تموز، موضحًا أن خمسة آلاف شاحنة أردنية جاهزة لنقل البضائع وتبادلها بين سوريا والأردن.

وقال الداوود إن “استئناف العلاقات التجارية بين البلدين من شأنه السماح بعودة تبادل البضائع بين سوريا والأردن”، مضيفًا في تصريح آخر لصحيفة “الدستور” أن سوريا تعتبر بوابة الأردن للحركة الاقتصادية والتجارية في استيراد وتصدير البضائع للدول الأخرى كتركيا ولبنان.

وأشار للصحيفة، في 18 من تموز الحالي، أن المرحلة الأولى ستقتصر على عمليات تبادل البضائع في المنطقة الحرة المشتركة الأردنية السورية، خوفًا من بعض المجموعات الإرهابية وتعرض أصحاب الشاحنات لعمليات السلب والخطف، مشيرًا إلى أن الشاحنات جاهزة للدخول عبر سوريا إلى الدول الأخرى في حال تأمين الطريق لها.

خسارة قد تدفع الأردن إلى التطبيع

لكن الصعوبات الاقتصادية التي مر بها الأردن خلال السنوات الماضية قد تكون مؤشرًا لقبوله في إعادة العلاقات مع النظام من أجل الخروج من حالة الركود الاقتصادي التي يعانيها، إذ تحملت عمان جزءًا كبيرًا من مشاكل الدول حولها، من سوريا إلى العراق إلى الضفة الغربية في فلسطين، إضافة إلى الأزمة الأخيرة الداخلية التي عصفت به، بحسب المحلل الاقتصادي الأردني مازن رشيد، الذي أكد أن الوقت قد حان ليفكر الأردن بنفسه قليلًا.

وتصل نسبة البطالة في الأردن إلى أعلى مستوياتها التاريخية، إذ بلغت النسبة الحكومية المعلنة 18.5%، بحسب دائرة الإحصاءات العامة الأردنية في أيار الماضي، في حين أشار رشيد إلى أن النسب المستقلة قد تصل إلى 28%، كما ارتفع خط الفقر من 14% في عام 2010 إلى 20% في 2016، بحسب بيانات مجلس السياسات الاقتصادية في كانون الثاني الماضي.

كما وصلت المديونية إلى أعلى مستوياتها التاريخية، إذ بلغت 38.5 مليار دولار بحسب وزارة المالية الأردنية، في شباط الماضي، في حين كانت في 2012 تبلغ 19 مليار دولار، بحسب رشيد.

كل هذه الأزمات الاقتصادية قد تدفع الأردن إلى إمكانية البحث عن عودة العلاقات مع سوريا، وقد استبق سيطرة قوات الأسد على الجنوب السوري بإرسال وفد اقتصادي إلى دمشق، في أيار الماضي، لأول مرة منذ خمس سنوات، برئاسة رئيس غرفة صناعة الأردن، عدنان أبو الراغب.

رشيد اعتبر أن الأردن لا يمانع في إعادة التعاون من جديد مع النظام السوري وفتح حدوده مع سوريا من الناحية الاقتصادية والسياحية، شرط ألا يشكل أي تهديد على الجانب الأردني وأن يكون هناك خارطة طريق، لكن في الوقت نفسه توقع ألا تكون عودة العلاقات سهلة.

واعتقد رشيد أنه من المبكر الحديث عن ذلك لأنه يجب تأمين الطرق المؤدية إلى سوريا والخاضعة لسيطرة النظام السوري، وليس فقط المناطق الجنوبية (درعا)، وهذا أمر غير محقق في الفترة الحالية، رغم أن قوات الأسد سيطرت على مساحات واسعة مقارنة بالوضع قبل عامين.

وحول التطبيع مع النظام اعتبر أنه من المبكر الحديث عن إعادة العلاقات السياسية لسببين، الأول كون الأردن جزءًا من التحالف العربي بقيادة الإمارات والسعودية ومصر وحتى أمريكا، ومن غير المتوقع أن يتصرف بشكل منفرد ويعيد العلاقات السياسية بكاملها مع النظام السوري وينحرف عن التحالف.

والسبب الثاني أن عودة العلاقات تعتمد على ما يمكن الاتفاق عليه من جميع الأطراف السورية (المعارضة والنظام) وعلى ضوئه يمكن للجانب الأردني التحرك، أما الوفود الاقتصادية ومشاركة الشركات الأردنية في معارض بسوريا فلا يعني ذلك تطبيعًا رسميًا، بحسب رشيد.

أرقام عن الواقع الاقتصادي في الأردن خريطة توضخ المعابر الحدودية جنوبي سوريا (عنب بلدي)

مقالات متعلقة

  1. الأردن يتطلع إلى ترابط اقتصادي مع النظام بعد فتح نصيب
  2. وزير الصناعة اللبناني إلى دمشق لبحث فتح معبر نصيب
  3. لبنان يرحب بفتح معبر نصيب بين سوريا والأردن
  4. وزير الصناعة اللبناني: زيارتي إلى سوريا رسمية وأبلغت الحريري بها

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية