خطيب بدلة
سَـأغتنمُ فرصةَ وداع مونديال 2018 وأحكي لقراء “عنب بلدي” حكايات تعبر عن بؤس رياضتنا نحن السوريين، وأؤكد لهم أن الرياضة دخلت حياتنا بالخطأ، مثلما حصل مع صديقي “أبو سلوم” عندما كان يُدرّس مادة الرياضيات في إحدى ثانويات الكويت، وفي ذات يوم كان “تعبانْ ومْشَوِّبْ” فاستأذن المدير وذهب إلى البيت، وصعد بالأسانسير، وقد سرّ كثيرًا إذ رأى باب المنزل مفتوحًا، فدخل مندفعًا، وألقى حقيبته المدرسية على الكنبة، وصاح:
– يا أم سلوم وينك؟ هاتي المناشف والحقيني ع الحمام، بدي أعمل دوش لأني مكسر تكسير من التعب، وصاير جسمي مَيْ من العرق.
وإذا بالجارة المصرية تخرج له من المطبخ وقد وضعت المنديل الخاص بالتستر أمام الرجال الغرباء على رأسها، وتقول له:
– ما يصحش كده يا خويا أبو سلوم، يا ريت حضرتك تطلع وتستحم في شقتكم!
نعم. اقتحمت الرياضة حياتنا، فأصبح واجبًا علينا نحن الشبان أن نتبرع بجزء من خرجيتنا لنشتري كرة (طابة)، وأن نستخدمها بحذر، ونحافظ عليها من ثلاثة أخطار يمكن أن تتعرض لها.. الأول هو الضياع، والثاني هو السقوط، في أثناء اللعب، على مسمار أو قطعة زجاج مكسور تؤدي إلى حدوث ثقب في جسدها، ثم تفرغ من الهواء (تفش) وتصبح ثقيلة الحركة، والثالث هو المصادرة، فأحيانًا كانت كرتُنا تتلقى ضربة قوية من شاب عنده فائض من القوة، فتقفز في الهواء فوق جدار عالٍ، وتهوي إلى أرض ديار أحد الجيران، وبالمصادفة تنزل في صينية “دبس بندورة” نشرتها صاحبةُ البيت في مرمى الشمس، فينطرش الدبس على الأرض والحيطان، أو تسقط على نافذة زجاجية تؤدي إلى تهشمها، ووقتها يركض أحد رفاقنا ويقرع الباب، فيخرج له صاحب البيت الغاضب ليقول له:
نعم؟ أشو بتريد؟ بدك الطابة؟
فيقول رفيقنا بانكسار: أي عمو طابتنا وقعت عندكن.
فيزداد الجار غضبًا ويقول: نعم سيدي، وقعت عندنا، بس هلق ما عادت موجودة، بَح، لأني بعيد عنك شقيناها، وكبيناها في سلة الزبالة، بإمكانك تستردها من الحاوية بكرة الصبح، قبلما يجي الزبال ليجمع القمامة.
ويصفق الباب بقوة، ونصاب، نحن الشبان المتشاركين على دفع ثمن الطابة، بخيبة أمل تاريخية!
في أواسط الستينيات، طلبت بلدية معرتمصرين من الأهالي نقل رفات موتاهم من المقبرة الشمالية إلى مقبرة حديثة أنشئت على طريق زردنا، وجرى تحويل مكان المقبرة إلى مدرسة ثانوية، وبدأنا ندرس فيها بدءًا من الصف العاشر، وذات مرة كنا نلعب في باحتها الغربية، منقسمين إلى فريقين، وحصل فريقنا على بينالتي، وكان أحد رفاقنا متحمسًا فضرب الكرة بقوة جعلت الكرة لا تكتفي بالصعود فوق العارضة فقط، بل إنها علت سور المدرسة المرتفع وغابت عن أنظارنا. وبسرعة البرق، وبسبب خوفنا من ضياع الطابة، تسلقنا السور مثل الجدايا، وقفزنا إلى القبور المتبقية من المقبرة، مشطناها قبرًا قبرًا، فلم نجد شيئًا..
الآن، بعد نصف قرن، كلما التقى اثنان من لاعبي تلك الأيام يسأله قائلًا: شيء مضى وراح، ولكن، عن جد، يومها وين راحت الطابة؟