عنب بلدي – حلا إبراهيم
“نقطة سوداء تلوث الثوب الأبيض”، من هنا بدأ رئيس منبر الجمعيات السورية في اسطنبول، باسل هيلم، حديثه عما يواجهه السوريون مؤخرًا في تركيا، وخاصة بعد الأحداث التي شهدتها ولاية غازي عنتاب، والتي أسفرت عن قيام عدد من الشباب الأتراك بتكسير محلات تجارية لسوريين، بحجة الانتقام لفتاة قالوا إن مسنًا سوريًا تحرش بها، مطلع تموز الحالي.
يمارس بعض المواطنين الأتراك سلوكًا ينطوي على كراهية لوجود اللاجئين السوريين، وذلك ينبع عند الأغلبية من أسباب سياسية تتعلق بمعارضة سياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المرحبة باللاجئين الذين وجدوا في تركيا ملاذًا آمنًا، إذ تجاوز عدد السوريين في البلاد ثلاثة ملايين ونصف المليون، وصارت نسبتهم 4.39 من عدد السكان.
ففي غازي عنتاب وحدها يبلغ عدد السوريين 367 ألفًا أي 18% من عدد السكان، بحسب أرقام معهد الإحصاء التركي (تركستات)، ويعود ذلك إلى قربها من الأراضي السورية، ووجود منظمات وجمعيات سورية تنشط فيها، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بالمدن الكبرى مثل اسطنبول.
الموقف الحكومي يخفف الاحتقان
وأوقفت الحكومة التركية الشباب الأتراك الذين كسروا واجهات المحلات السورية، بحسب بيان لولاية غازي عنتاب، مع التأكيد أن الشرطة ستحقق بملابسات هذه الأعمال التي وصفتها بـ “التحريضية”.
وسبق للحكومة التركية أن أصدرت بشكل رسمي بيانات توضيحية عن مغالطات يتداولها مواطنون أتراك عن السوريين، كتأمين بيوت لهم مجانًا أو صرف رواتب شهرية، أو تخصيص مقاعد للسوريين في الجامعات على حساب الطلاب الأتراك.
يضيف هيلم لعنب بلدي، “أكثر من 50% من الأتراك متعاطفون معنا ومع قضيتنا، ولكن هذه الحاضنة قابلة للزيادة أو التناقص تبعًا للحملات التي يمارسها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تستهدف المعارضين لوجود السوريين في تركيا، فتغذي لديهم هذا الشعور، كما تستهدف أيضًا الأتراك المرحبين بوجود السوريين لتدفعهم لتغيير قناعاتهم وهذا يمكن أن يحدث، لذلك علينا أن نكون واعين تمامًا لتصرفاتنا”.
ولم تقتصر حملات التحريض ضد السوريين على الولايات الجنوبية بل امتدت إلى اسطنبول، التي يوجد فيها نحو نصف مليون سوري.
حملات ماء وورود أحدثت فرقًا
خالد وحسان، شابان اشتركا مع مجموعة من الشباب السوريين في حملات تطوعية، لتغيير الصورة النمطية “السيئة” التي بدأت تتولد لدى الأتراك عن السوريين، يقول خالد، “بعد أن تداول أتراك عبر (فيس بوك) مقطعًا لأحد شواطئ اسطنبول الشهيرة وقد ملأته الأوساخ، وقرنوا ذلك بوجود شباب سوريين على الشاطئ خلفوا القمامة، في تموز 2017”.
قررت هذه المجموعة أن تنظف الشاطئ تعبيرًا عن “تعاضدها” مع الشعب التركي الذي استقبل السوريين، ويضيف الشاب، “نحن، وإن كنا غير متأكدين أن من تسبب بذلك سوري أو تركي، فهذا واجبنا ونحن نقوم به تجاه هذا الشعب”.
ومن ضمن الحملات التي قدمها هؤلاء الشباب، بالتعاون مع “منبر السوريين” أيضًا، توزيع الورود والمياه للسيارات عند إشارات المرور، والتي لقيت انطباعًا جيدًا لدى الأتراك وتوضيحًا بأن صورة الشعب السوري ليست تلك التي يروجها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على حد قول حسان.
وتتفق المنسقة الإعلامية لجمعية حقوق اللاجئين التركية، نسليهان أوندار، مع توجه الشابين، إذ تقول لعنب بلدي، “أريد أن أقول للإخوة السوريين أنهم أصبحوا جزءًا منا، ويجب أن يواجهوا هذه الأفعال (الخطاب التحريضي) بهدوء وتروٍ، وأن يتصرفوا بحذر، لأن السيئين موجودون في أي دولة وليسوا فقط بين السوريين”.
عائق اللغة جزء من المشكلة
مضى على وجود بعض السوريين في تركيا أكثر من سبع سنوات، ولعل تعلم اللغة التركية ساعد بعضهم على تجنب التصرفات التي يراها البعض “عنصرية”، لأن الأتراك يحاولون التقرب من الأجانب الذين يتحدثون لغتهم، بحسب الطالب زيد الذي يدرس الطب في جامعة اسطنبول، ويقول، “سبق أن تعلمت اللغة التركية لتساعدني في دراستي، لا أشعر بأي تفرقة من زملائي الأتراك، ربما لأنني أتكلم لغتهم وهذا الأمر يعني الكثير لهم”.
وعاينت عنب بلدي أكثر من موقف تحول إلى مشاكل بسبب سوء فهم أو عدم معرفة ما يريده الآخر بسبب اللغة، ثم توصل الجانبان إلى حل بعد وصول أصدقاء أو مارة يستطيعون الترجمة بين العربية والتركية.
وهو ما تحاول الحكومة تجاوزه بدمج المراحل العمرية الصغيرة في نظام التعليم التركي، وتخفيض عدد ساعات التعليم باللغة العربية، وإلحاق المعلمين والمدرسين السوريين بالمدارس الرسمية.
طبع السوريون بعض أحياء اسطنبول بطابعهم الخاص، وأعطوا مطاعمهم ومحلاتهم أسماء خاصة باللغة العربية تميزها عن نظيراتها التركية، وهو ما قد يجعلها عرضة لأي هجمات تحريضية، لكنهم أصبحوا اليوم، بالاستجابة إلى المطالب الرسمية، أكثر وعيًا باعتماد لافتات بالتركية، وتوفير عمال يتحدثون لغة البلد.
ويبقى مصير السوريين في تركيا مرتبطًا بقوانين وقرارات ربما تكون لصالحهم وربما لا، خاصة مع الحديث عن اتفاقيات سياسية لإعادة اللاجئين بذريعة استتباب الأمن، ولكن أن تقدم وردة خير من أن تلوم قدرك.
نُشرت المادة بالتعاون مع الشبكة السورية للإعلام المطبوع (SNP)