منصور العمري
في المادة السابقة من سلسلة العدالة للسوريين، تحدثت عن “الجرائم ضد الإنسانية”، تعريفها وأمثلة عنها في السياق السوري بالمعنى القانوني. في هذا العدد موضوعنا “جريمة الحرب”.
يمكنك استخدام تعبير “جريمة حرب” دون أن يكون استخدامًا قانونيًا، كما ترغب. يمكنك التغزل بمن تحب باستخدام مثل هذه المفردات كما انتشر في سوريا، كأن تقول “عيونك ارتكبت فيي جريمة حرب” أو “رموشك إبادة جماعية”، ورغم ذلك لن يحاكم القاضي من تحب بهذه التهم.
ليس كل استخدام لتعبير “جريمة حرب” صحيحًا بالمعنى القانوني، وليست كل جريمة ترتكب في أثناء الحرب هي “جريمة حرب”.
كما يمكن أن تكون جريمة ما ضد الإنسانية وجريمة حرب في الوقت نفسه إن ارتكبت خلال الحرب، مثل الاعتقال والتعذيب على نطاق واسع أو ممنهج، عندما يكون مرتبطًا بالحرب. فما الجرائم التي يمكن تسميتها “جريمة حرب”؟
تتفاوت تعريفات وعقوبات جرائم الحرب في القوانين المحلية والدولية، وهذا ما يدفع أحيانًا إلى الحاجة لمحاكم دولية أو استثنائية أو اختصاص قضائي عالمي لمحاسبة المرتكبين في دول أخرى. يعود ذلك إلى أن هذه الجرائم قد ترتكبها حكومات وبالتالي غالبًا ما تحاول هذه الحكومات تسييس القضاء والسيطرة عليه لتفادي المحاسبة. أما في الحالة السورية، فالقضاء يخضع بشكل مطلق لأجهزة المخابرات والقصر الجمهوري الرئاسي على أرض الواقع، وغير مستقل حتى في القانون السوري نفسه.
فمثلًا، المحكمة الدستورية العليا في سوريا، صاحبة الاختصاص في محاكمة الرئيس، يعين أعضاءها الرئيس نفسه، وهو ما يحوّل المحكمة إلى أداة بيد بشار الأسد، لتفقد أي مصداقية. كما أن النظام السوري حصّن أجهزة مخابراته وجيشه بترسانة من المواد القانونية والمراسيم التي تحمي أفراد المخابرات والجيش من المحاسبة، كالمرسوم التشريعي رقم 69 لعام 2008، الذي أصدره بشار الأسد، والمادة 16 من قانون إحداث إدارة أمن الدولة.
تصدر أوامر الملاحقة القضائية لعناصر الأمن والجيش بقرار من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، ولا يمكن ملاحقتهم في القضاء المدني إلا بموافقة من القائد العام للجيش والقوات المسلحة، بشار الأسد، وبالتالي فإن أي عملية قضائية متعلقة بمحاسبة مرتكبي مختلف الجرائم في سوريا، لن تبدأ إلا بموافقة من الرئيس نفسه، فهل سيحاسب بشار الأسد نفسه؟!
تعيق الأسباب السابقة المحاكم في سوريا عن أداء عملها بحيادية، وتقف سدًا منيعًا أمام تحقيق العدالة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم التابعين لنظام الأسد، وعلى رأسهم بشار الأسد، بل تحولها إلى أداة قمع وظلم وارتكاب انتهاكات إضافية.
الجرائم بالتعريف هي انتهاكات للقوانين، فمن يقتل شخصًا في سوريا مثلًا يكون قد انتهك القانون السوري الذي يجرّم القتل (بالإضافة إلى القوانين والأعراف الأخرى التي تجرم القتل أو السرقة أو تجاوز إشارة مرور مثلًا). جرائم الحرب عمومًا هي انتهاكات لقوانين وقواعد الحرب في أثناء الحرب، المدرجة في القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف)، وهي القواعد الدولية التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن فعله في أثناء النزاع المسلح أو ما يسمى الحرب.
يأتي تحديد جرائم الحرب في اتفاقيات جنيف في إطار النزاع المسلح الدولي وغير الدولي.
الوضع في سوريا حتى اليوم يندرج في إطار النزاع المسلح غير الدولي، لأن القتال المباشر على الأرض ليس بين دولتين بل بين “الدولة السورية” بعرف الأمم المتحدة وأطراف داخلية. يمكن أن يتحول إلى نزاع دولي مسلح إن أعلنت مثلًا الأردن الحرب على الدولة السورية وشرعت بالعمليات العسكرية في استهداف قوات الأسد بشكل متعمد وعلني.
أما في الحالة السورية وباعتبار أن ما يجرى في سوريا يصنف “نزاعًا مسلحًا غير ذي طابع دولي” حسب القانون الدولي الإنساني، الذي لا يستخدم مفردات مثل ثورة أو انتفاضة وغيرها، بل يصفها أنها نزاع مسلح غير دولي، تعرف جرائم الحرب أنها أي من الأفعال التالية:
– الاعتداء على كرامة الشخص، وبخاصة المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة، وهو ما شاهدناه في مئات أو آلاف الفيديوهات التي تُظهر جنود الأسد وهم ينكلون بالناس أو العسكر أو يمثلون بالجثث، بالإضافة إلى ارتكاب ذلك من قبل عناصر مناهضين للأسد.
– إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون محكمة مشكلة نظاميًا تكفل الضمانات القضائية الواجب، مثل المحكمة الميدانية التي أصدرت أحكام إعدام تم تنفيذها في صيدنايا مثلًا، فالمحكمة لا تستوفي الضمانات القضائية المعترف بها، مثل وجود محام وعدم الاعتماد على الأقوال المنتزعة تحت التعذيب على يد مخابرات الأسد. لذلك جميع الإعدامات التي نفذتها الدولة السورية والتي صدرت عن المحكمة الميدانية والمرتبطة بحالة الحرب تُعتبر جرائم قتل لا عقوبات، وجرائم حرب، ويحق لكل من أُعدِم قريبه في صيدنايا مثلًا، محاكمة الدولة السورية.
– تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، وهو ما دأب نظام الأسد وحلفاؤه على ارتكابه من خلال استخدام سياسة الأرض المحروقة ضد مدن وبلدات وقرى.
– تعمّد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد الذين يحملون الشعارات المميزة الواردة في اتفاقيات جنيف مثل شعارات الصليب الأحمر والأمم المتحدة وغيرها، ومثال ذلك حين ضربت غارات جوية سورية أو روسية أو مشتركة عام 2016 قافلة مساعدات إنسانية للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر في بلدة أوروم الكبرى. في هذه الحالة يمكن تصنيفها جريمة حرب بشرط إثبات تعمّد الاستهداف، وهذا الإثبات يُترك للقاضي النظر فيه عمومًا. قد لا تكون جريمة حرب إن لم يثبت التعمد، ولكن في هذه الحالة يجب على المرتكب تقديم تعويضات معينة والتعاون الكامل مع المحققين، واتخاذ إجراءات حقيقية لمنع تكرارها.
– استهداف المشافي كما فعل نظام الأسد والطيران الروسي.
– نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة، وهو ما يرتكبه جيش الدولة السورية بشكل واسع وممنهج وعلني.
– إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة. يعتبر الإعلان الشفهي أو الكتابي أو التهديد بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة جريمة حرب، مثال ذلك هو شعار “الأسد أو نحرق البلد” الذي تردده قوات الأسد منذ سنين، في دعوة واضحة لقتل الجميع، ولكن يترك للقاضي القرار الفصل في اعتباره دعوة لعدم إبقاء أحد على قيد الحياة.
هناك جرائم حرب أخرى يمكن الاطلاع عليها في موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو مواقع الأمم المتحدة ذات الصلة.
مراجع
الأمم المتحدة
اللجنة الدولية للصليب الأحمر